«معاريف» ــ عاموس غلبوع
خمس ملاحظات على موضوع «مفاوضات السلام مع سوريا»:
1ـــــ منذ أن صدرت دعوات السلام السورية عن بشار الأسد، كثرت في وسطنا الجهات التي حثت الحكومة على محاولة استيضاح إمكان الشروع في التفاوض مع سوريا عبر قناة سرية. الحجة المقنعة كانت أن إسرائيل لا تستطيع أن تظهر بمظهر الرافضة للسلام في مقابل اليد الممدودة للأسد. الآن، حصلت الخطوة الإسرائيلية، ومُدت يد تل أبيب نحو السلام، وجرى الاستيضاح، إلا أنه حتى الآن لا يوجد رد من الجانب السوري.
السوريون مستمرون على نحو معلن في إطلاق كليشيهات سلام، لكنهم يكررون تأكيد أنه لا داعي إلى محادثات مباشرة مع إسرائيل لأن حكومتها ضعيفة، وبالتالي «لا يوجد شريك».
ويكرر السوريون أيضاً كالببغاء موقفهم المتشدد القائل إن نقطة الانطلاق في أي حوار مع إسرائيل هي موافقة إسرائيلية مسبقة على الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967. بعبارة أخرى، يتعزز الشك في كون دمشق فعلاً معنية في إجراء مفاوضات مع إسرائيل ترمي إلى التوصل إلى اتفاق يتضمن أيضاً «تنازلات سورية مؤلمة».
2ـــــ نحن نشهد ما يشبه الإيمان الديني لدى عدد من الدوائر عندنا، من بينها جهات في قيادة الجيش الإسرائيلي، تقول بأن «بدء التفاوض مع السوريين على تسوية دائمة سيجعل سوريا تترك حلفها مع إيران وحزب الله وتكف عن مساعدة المنظمات الإرهابية». ووفقاً لما أوردته التقارير الصحافية، فإن «سوريا ستعود حينئذ إلى مكانها الطبيعي في المنطقة، أي التحالف مع الدول السنية المعتدلة، المعادية لإيران».
أرى أن هذه أحلام يقظة. فقد كانت سوريا دائماً وأبداً في المعسكر العربي المتطرف الراعي للإرهاب، وفي الحقيقة مكانها الطبيعي هو هناك. ينبغي أن يكون الأسد، الخاضع الآن لتهديد المحكمة الدولية التي قد تتهمه بقتل رئيس حكومة لبنان السابق، رفيق الحريري، قصير النظر حتى ينفصل عن جميع حلفائه. إن موافقته على ذلك تشبه الطلب من إسرائيل الموافقة على التخلي عن علاقتها الخاصة بالولايات المتحدة وعن كونها دولة يهودية وديموقراطية.
3ـــــ ما الذي يريده الأسد إذاً؟ إنه يريد استرجاع جميع هضبة الجولان بالمجان تقريباً؛ بالإرغام وبالضغط وبالتهديد بالحرب. إنه يعود إلى الاستراتيجية السورية المستندة إلى القوة، التي ميزت نظام أبيه في السبعينيات والثمانينيات، قبل تفكك الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج الأولى في 1991. في أعقاب حرب لبنان الثانية، تنامى لديه الشعور بأن قوة ردعنا في مقابل بلاده قد ضعفت.
المشكلة هي أن أباه كان حذراً، وخَبِر جيداً الجيش الإسرائيلي المنتصر في حربي 1967 و1973 وكذلك في حرب عام 1982. أما الابن، طبيب العيون، فليس حذراً كما ينبغي، وهو غير متوقع أيضاً. كما أنه لم يعايش الجيش الإسرائيلي المنتصر.
4ـــــ أرى أننا دخلنا حقبة سيكون التوتر الأمني علامتها الفارقة الرئيسية، لذلك ثمة حاجة فيها لاستراتيجية إسرائيلية رادعة أكثر منها ساعية إلى «فتح آفاق سياسية».
يبدأ ردع سوريا في قطاع غزة، في مواجهة صواريخ «القسام». لا يجوز لنا، بأي حال من الأحوال، أن نصل إلى وضع يقول فيه الأسد ورجاله لأنفسهم: انظروا إلى دولة إسرائيل الضعيفة. لم تنجح خلال حرب لبنان في منع إطلاق صواريخ حزب الله، وهي الآن تستسلم ولا تنجح في منع إطلاق صواريخ «القسام»، فكيف تريد إذاً أن تمنع إطلاق صواريخنا على تل أبيب؟
هناك الكثير من إجراءات الردع، من بينها الأمر الهامشي للوهلة الأولى: العلم أنه في مكتب وزير الدفاع في تل أبيب لم يعد يجلس مهرج، بل وزير بشخص إيهود باراك.
5ـــــ اعتدنا أن نقرأ في الإعلام أن جهات عسكرية رفيعة المستوى توصي حكومة إسرائيل بالتفاوض مع السوريين. هذا ليس من شأن الجيش. فهو لا يصوغ السياسة، بل ينفذها، وعليه أن يفعل ذلك على أتم وجه وأكثره جدوى.