strong>محمد بدير

كشف تسارع التطورات على الساحة الفلسطينية الداخلية ارتباكاً واضحاً في الرؤية الإسرائيلية للواقع المستجد وللموقف المطلوب في التعامل معه. وفيما أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن تل أبيب في صدد إجراء مداولات لبلورة استراتيجية جديدة في مواجهة ما يحصل، استبعدت متحدثة رسمية باسم رئاسة الوزراء أي تدخل عسكري في ما يجري داخل قطاع غزة، بينما رأى رئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الدفاع، الجنرال عاموس غلعاد، أن سيطرة «حماس» على القطاع ستكون لها انعكاسات إقليمية


قالت صحيفة «هآرتس» إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ستجري الأسبوع المقبل مشاورات من أجل بلورة توصيات لصوغ سياسة جديدة إزاء الوضع الناشئ في قطاع غزة، والذي ينذر بانتصار «حماس» على «فتح» وسيطرتها النهائية على القطاع.
وبحسب الصحيفة، فإن المشاورات ستركز على كيفية تعامل تل أبيب مع القطاع في ضوء مقاطعتها لحركة «حماس»، خاصة لجهة تصريف الأمور الضرورية مثل إدارة المعابر، التي كانت في عهدة الأجهزة الأمنية التابعة لحركة «فتح»، وتنسيق عبور الفلسطينيين إلى إسرائيل والضفة الغربية.
وكانت إسرائيل قد أغلقت جميع المعابر من القطاع وإليه إثر اندلاع الاقتتال الداخلي الفلسطيني. وأشارت الصحيفة إلى أن القوات الإسرائيلية عند الحدود مع القطاع، تلقّت أوامر تقضي بضبط النفس وعدم الانجرار إلى المواجهات الفلسطينية الداخلية.
ونقلت صحيفة «معاريف» أمس عن مصادر في مكتب وزير الدفاع عامير بيرتس قولها إنه إذا سيطرت «حماس» على جميع معابر القطاع، فلن يكون مناص أمام إسرائيل إلا التحدث معها.
وفي جو الاضطراب الذي يسود الموقف الإسرائيلي مما يحصل في القطاع، أعلنت المتحدثة باسم رئيس الوزراء، ميري آيزن، أن «إسرائيل لا تنوي إعادة احتلال غزة»، معتبرة أن «وجودنا العسكري في غزة سيزيد المشاكل بدل حلها». ورداً على سؤال لوكالة «فرانس برس» عن إرسال أسلحة إلى «فتح» أو إمكان الاتصال بـ«حماس»، قالت آيزن «إن الوضع معقّد للغاية ويجب درس كل الخيارات بعناية»، مضيفة أن «الحرب الأهلية التي سببتها العملية العسكرية التي تشنها حماس ليست جيدة للفلسطينيين ولا للإسرائيليين». واستبعد رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تساهي هانغبي، قبول اسرائيل نقل اسلحة لحركة «فتح» في غزة. وقال «سيكون من الحماقة القيام بذلك لأن هذه الاسلحة قد تقع بين ايدي حماس في القطاع». ولم يستبعد هانغبي القريب من رئيس الوزراء حصول ذلك في الضفة الغربية، موضحاً أن مثل هذه المسألة «يجب ان تدرس بعمق وتأنٍّ. ورأى أن قطاع غزة «اصبح مركز القيادة الجنوبي لإيران، التي لا توفر جهداً لتحويل انتباه العالم عن برنامجها النووي».
كذلك دعت وزيرة الخارجية تسيبني ليفي إلى توخّي الحذر. وقالت إن «اسرائيل تتعامل مع (الفلسطينيين) المعتدلين لأن ذلك يندرج في إطار استراتيجية ترمي إلى مدّهم بالأموال والاسلحة وتقديم آفاق سياسية لهم». لكنها اكدت ضرورة «ألّا يفسر ذلك بأنه نوع من التعاون إذا ما أردنا الدفاع عن المصالح الاسرائيلية».
من جهته، رأى غلعاد أن «سيطرة حماس على قطاع غزة هو تطور بالغ الأهمية وستكون له انعكاسات إقليمية». وأضاف أنه «يجب إعلان حرب شعواء على عمليات تهريب الأسلحة إلى القطاع»، واصفاً هذه الأسلحة بأنها بمثابة «الهواء للتنفس» بالنسبة إلى «حماس».
ورأى محلل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن إسرائيل ستكون مضطرة إلى مواجهة وضع عسكري وسياسي جديد. وقال إن الخيارات الإسرائيلية في مواجهة هذا الواقع محدودة، و«كل منها أسوأ من الآخر». الخيار الأول هو التدخل العسكري الذي «قد يكبح حماس، لكن لبعض الوقت فقط. إذ لا ضمان بأن تعود فتح وتسيطر على القطاع بعد خروج إسرائيل».
والخيار الثاني هو «أن تقرر إسرائيل الاعتراف بالأمر الواقع وتقيم اتصالات مع «حماستان» كما كما كانت الحال مع السلطة الفلسطينية». إلا أن ذلك يعني «منح الشرعية لنظام حماس، وستضطر تل أبيب إلى الخضوع لإملاءاته التي ستلزمها بالوقوف جانباً في وقت يعدّ هو لحرب عليها».
أما الخيار الثالث، الذي يرى يشاي أنه الأصح في الوقت الراهن، فهو «تبنّي مقاربة: اجلس ولا تتحرك». أي انتظار وضوح الصورة على الساحة الفلسطينية والعربية «من أجل بلورة استراتيجية جديدة. وفي غضون ذلك تمارس إسرائيل تأثيرها على الساحة الدولية وكذلك على مصر والأردن، بهدف تحفيزها على تحمل المسؤولية إزاء ما يجري في القطاع».