هآرتس» ـــ عوزي بنزيمان
انطلق رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، صباح أمس في مهمة عاجلة ــــــ البحث عن حاضنة لإسرائيل تواجه الفوضى الناشئة في قطاع غزة بدلاً منها. في السابق، هيمنت على دوائر القرار في إسرائيل رؤية حازمة ترفض التدخل الدولي في الترتيبات الأمنية الحدودية. هذا المبدأ كُسر في حرب لبنان الثانية. مع نشر قوة دولية على الحدود الشمالية، أصبحت إسرائيل ترغب كثيراً في تطبيق النموذج نفسه على محور فيلادلفي.
أضف الى ذلك، أن رؤساء الوزراء المتعاقبين حذّروا من «تدويل الصراع» مع الفلسطينيين، مُدّعين أن طابعه محلي، وأصرّوا على مبدأ تسويته من خلال التفاوض المباشر بين الجانبين. الآن يُسارع أولمرت الى عقد لقاءات مع الرئيس بوش والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في محاولة يائسة لإيجاد شركاء للقيادة الإسرائيلية، وإن أمكن لإيجاد بديل كامل عنها، في المهمة الصعبة والمعقّدة والخطيرة على حدود غزة مع مصر في أعقاب التطورات على الساحة الفلسطينية.
العنف الدموي المتفلّت في غزة (الذي بدأ بالامتداد الى الضفة) كان من صنع الفلسطينيين أنفسهم قبل كل شيء، وهو يُعبّر عن قواعد اللعبة السائدة في العالم العربي عن حسم الخلافات السياسية. مع ذلك، ستجد إسرائيل صعوبة في إقناع الآخرين بأنها لم تُسهم إسهاماً هاماً في التدهور الحاصل، سواء من خلال سياستها تجاه الفلسطينيين أو من خلال ردها على انتصار «حماس» في الانتخابات.
اسرائيل مسؤولة بدرجة غير قليلة عما يحدث في الضفة الغربية بحكم كونها المسيطرة على هذه المناطق منذ عام 1967. فكّ الارتباط لم يُعفها من المسؤولية عمّا يحدث في غزة ــــــ سواء لأن العالم ينظر اليها كذلك أو لأنها تواصل فرض نظام حدودي جمركي مع هذه المنطقة أو لأنها تواصل إمدادها بالخدمات والاحتياجات الأساسية مثل الكهرباء والماء وغيرها من الأمور الأساسية.
كما أن سلوك اسرائيل تجاه الفلسطينيين من أيام «روابط القرى» بقيادة مصطفى دودين، مروراً بفترة ياسر عرفات، وانتهاءً بعهد محمود عباس واسماعيل هنية، قد أثّر بصورة ملموسة على التطورات داخل السلطة الفلسطينية. لذلك سيُمنى رئيس الوزراء في حملته لاستصراخ العالم لمعالجة أزمة السلطة الحادة، بخيبة أمل كبيرة: حبة البطاطا الملتهبة هي مشكلة اسرائيل بشكل أساسي.
ستعزز سيطرة «حماس» العنيفة على القطاع لدى اليمين واليسار في البلاد إيمانهم بعدالة نهجهم. اليمين سيدّعي أن هذه نتيجة مباشرة لأوسلو والانسحاب من غزة. أمّا اليسار فسيقول إن هذه ثمرة فاسدة لسياسة الحكومة الإسرائيلية التي فرضت إرادتها على الفلسطينيين بعجرفة وغرور وخرقت تعهداتها لهم واتّبعت سياسة مزدوجة المعايير وصرحت عن رغبتها في التسوية إلا أنها فرضت الحقائق التي تحبطها على الأرض.
النزيهون في الجانبين سيواصلون التساؤل بينهم وبين أنفسهم عمّا إذا كانت مواقفهم توفّر بالفعل وصفة مؤكدة لتخفيف الصراع، أو أن ثمة حقيقة أيضاً في الطريقة التي يقرأ بها المعسكر الايديولوجيّ الخصم الوضع. سيبقى سؤال عن مدى كون الاحتلال الإسرائيلي وقوداً يُشعل النار في الشارع الفلسطيني أو كونه ضرورة لا مفر منها للدفاع عن النفس أمام التيارات العميقة التي تتدفق في العالم الإسلامي والعربي والمجتمع الفلسطيني ــــــ قائماً ومطروحاً على جدول الأعمال الشعبي (في إسرائيل).
في كل الأحوال، الإرباك الذي يلفّ القيادة في القدس في ظل التطورات في غزة، والسعي اليائس وراء مساعدة العالم، يعبّران عن فشل جذريّ في المواجهة الإسرائيلية «للمشكلة الفلسطينية». الحكومات المتعاقبة فضّلت «إدارة» الصراع بدلاً من السعي الى إنهائه، وردّت على التطورات بطريقة ارتجاليّة (بما في ذلك فك الارتباط)، وخشيت من التوصل الى قرار حاسم في شأن الحل المرغوب.
التصعيد المتواصل في الصراع، والورطة المتعمقة والعبء المتزايد الناشئان عنه بالنسبة إلى إسرائيل، تُدلّل على أن معالجة جذوره هي أفضل شيء. بدلاً من اللهاث وراء الأحداث، يجب السعي الى التأثير عليها وبلورتها. لهذا السبب هناك حاجة الى حسم بين اليمين واليسار يُشتق منه تحديد الهدف. من المحتمل أن تكون المهمة الملحّة الآن هي إجراء جدل وطني في شأن التسوية الدائمة وحسمها من الآن.