«البندقيّة المعارضة» في الجنوب السوري أمام مفترق طرق. تسابق متسارع بين طغيان حرب «الإخوة الأعداء» على المشهد، وبين نجاح جهود الاحتواء والتصالح. ورغم أن الجنوب (درعا، وريف دمشق الجنوبي على وجه الخصوص) يشهد حالات اقتتال متكررة للمجموعات بين وقت وآخر، غير أن هذه الحالات مرشّحة للتحول إلى حربٍ حقيقيّة، تُشبه ما شهده الشمال. الجديد الذي تحمله مستجدات الجنوب أن الحرب إذا اندلعت، فستكون بين تكتلين أساسيين، يضم الأول «جبهة النصرة» وحلفاءها من «المجموعات الجهادية» (وهم الأقوى)، أما الثاني فيضم المجموعات المحسوبة على «التيار المعتدل»، والمنضوي تحت راية «الجيش الحر».
ومع أن البيانات التي صدرت عن مجموعات «الجبهة الجنوبية» ضد «النصرة» قد تندرج في إطار الضغوط التي تُمارس عليها لإعلان «فك الارتباط» بتنظيم «القاعدة»، لكنّها تصلحُ أيضاً لتكونَ فتيلاً يُفجر المشهد برمّته، خاصةً أن التجارب السابقة أثبتت أن انخراط المجموعات في الاقتتال لا يحتاجُ إلى أسباب جوهرية بالضرورة. وفي سعي للحؤول دونَ التفجّر، تتتالى محاولات احتواء الوضع وتتنوّع ما بين سرّي ومُعلن. ضمن هذا الإطار، دعت «دار العدل في حوران»، يوم الثلاثاء «جميعَ الفصائل العاملة على أرض حوران إلى كلمة سواء، تحت مظلة دار العدل». وأكد بيان صادر عنها أن «حل أي قضية أو خلاف يكون بالاحتكام إلى شرع الله». وفي الأثناء، حملت كواليس المجموعات «الجهادية» في الجنوب مؤشرات توحي باستنساخ وشيك لتجربة «جيش الفتح»، التي طّبقتها مجموعات مسلّحة «جهاديّة» في إدلب. مصادر «جهاديّة»، وأخرى معارضة تناقلت أمس أنباء عن إعلانٍ وشيك لـ«جيش الفتح في الجنوب». ومن المُنتظر أن تنخرط في التحالف الجديد أكثر من عشر مجموعات، معظمها «جهاديّ»، وعلى رأسها وفقاً للمصادر «جبهة النصرة»، و«حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، و«حركة المثنّى». وفي انتظار الإعلان رسميّاً عن التشكيل، أكّدت صفحة «مراسل حوران» على موقع «تويتر»، (وهي إحدى الصفحات المُعتمدة رسميّاً لنشر أخبار «جبهة النصرة») أنه «بعد اجتماعات مكثفة ولمدة أكثر من شهر اتُّفق على تشكيل جيش الفتح في الجنوب». يضع التحالف المذكور على رأس أهدافه السيطرة على محافظة درعا بالكامل كما على القنيطرة، انتقالاً إلى ريف دمشق الجنوبي. إلى ذلك، أكّدت المعلومات المتناقلةُ أنّ الهدف الأكبر هو «الوصول إلى دمشق وتحريرها من رجس الطواغيت، وتحكيم شرع الله في الشام، ورفض أي مشروع علماني في المنطقة». ومن شأن التحالف حال إعلانه أن يكونَ بمثابة إنذار للمجموعات المُعادية لـ«النصرة» وأخواتها، لكنه لا يعني الدخول في حرب ضد «العلمانيين» فوراً بل يُرجّح أن يسعى الحلفاء «الجهاديون» أوّل الأمر إلى السيطرة على أكبر رقعة جغرافية ممكنة.
يُذكر أن تحالف «جيش الفتح» هو «غرفة عمليات» تتولى تنسيق وإدارة العمليات العسكرية للمجموعات المتحالفة، من دون أن يعني اندماج المتحالفين في كيان واحد. وكان نجاح «الفتح» في السيطرة على مدينة إدلب دافعاً لمحاولات تعميم التجربة، وسط معلومات عن إمكانية تحوله إلى مشروع مرحلي لـ«النصرة» بدلاً من الارتباط بـ«القاعدة».