هآرتس ــ عوزي بنزيمان
بعض القادة الإسرائيليين، وبينهم أعضاء في الحكومة والكنيست ومستشارون لشؤون الأمن والسياسة، يُذكّروننا في هذه الأيام بالأطفال الذين يحلون مشاكلهم عن طريق أحلام اليقظة، وذلك من خلال تصريحاتهم بأن سيطرة «حماس» على غزة قد فتحت نافذة فرص نادرة. هؤلاء يُعدّون العُدّة للحل المقبل للمشكلة الفلسطينية: إعادة القطاع إلى المسؤولية المصرية؛ بل إن هناك من يقترح إعادة الضفة الى الأردن.
ثمة، في هذا الإطار، من يوصي بإبعاد إسرائيل عن أي مسؤولية عما يحدث في القطاع، وتركه للمصريين (آفي ديختر، رافي إيتان)، وهناك من يقول إن من الأفضل القيام بذلك تدريجاً، ولكن بإصرار وحزم (ايفي ايتام). هناك أيضاً من يعتقد أن مصر هي الملزمة بأن تؤدّي دور أنبوب الهواء للقطاع بعد احتلال حماس له، ولذلك يجب على اسرائيل ألّا تتردد في إيقاف الخدمات الحيوية التي توفرها الآن للقطاع (آريه إلداد).
الجميع يستند في اقتراحاته إلى الاعتقاد بأن مصلحة مصر تتطلب الآن التدخل في القطاع لأن صعود حماس الى الحكم يمثّل تهديداً لها. مكمن الضعف في كل هذه الأفكار التصوّرية يتمثّل في أنها كلها آتية من مواطن الحلم. فالمصريون لا يتأثرون كثيراً بالتوصيات الإسرائيلية. هم يرفضون نشر قوة دولية حتى في محور فيلادلفي، وليس هناك مؤشرات على حماستهم لإدخال أنفهم في البيضة الغزّاوية. إلى الآن، ليس هناك عريس أو عروس لدخول منصة الزفاف التي يُقيمها العرّاب الإسرائيلي.
الأمر نفسه ينطبق على اقتراح المزاوجة بين الضفة الغربية والأردن. مرة أخرى تظهر في الأجواء أفكار عن إنشاء فيدرالية بين الكيانين، أو كونفيدرالية مشتركة مع إسرائيل، ومرة أخرى يجترّون الخلفية التاريخية ويستذكرون القاسم المشترك ديموغرافياً. تبدو إسرائيل كمن يسعى، من فرط الضائقة، إلى الحصول على الخلاص من خلال صيغ مستحضرة من عالم الأعاجيب.
الملك عبد الله الثاني يعاني همومه الخاصة، وهو يواجهها بصورة واقعية. ويذكر أن والده اختار قطع ارتباطه بالضفة الغربية، ويفضّل كبح تأثير العامل الفلسطيني قدر المستطاع على دولته، كما أنه لا يستطيع التخلص من الانطباع بأنه لا يزال في إسرائيل من يعتقدون أن الأردن هو مكان الدولة الفلسطينية، وهذا الإدراك يتغلب على تهديد صعود «حماس» إلى سدة الحكم في الضفة أيضاً، وما يترتب على ذلك من آثار مُدمّرة على مملكته.
الفرار إلى مواطن الخيال من جانب شخصيات بارزة في القيادة الإسرائيلية، ليس اكتشافاً جديداً، بل هو أمر يتكرر بين الحين والآخر. في عام 2004 عبّر رئيس هيئة الأركان، موشيه يعلون، واللواء احتياط، غيورا آيلاند، عن اعتقادهما بأن حلّ الصراع مع الفلسطينيين يتمثّل في إقامة دولة تكون مساحتها الأساسية في غزة وعلى أجزاء من النقب وسيناء، كما أنهما طالبا الأردن بأن يتبرّع بجزء من أرضه للحل الإقليمي القائم على صفقة أراض دورية بين الدول الأربع. وقد شاطرهم في هذه الفكرة بعض أعضاء الكنيست من اليمين وعلى رأسهم إيفي إيتام. هذه الصيغة مقبولة على الجانب الإسرائيلي، لكنها، للأسف، أعدّت من دون أخذ موقف الفلسطينيين والمصريين والأردنيين في الحسبان. هؤلاء الشركاء قالوا بعدما سمعوها إنها غير مقبولة، ولا مجال للتداول فيها.
يرى خبراء علم النفس أن تلبية الحاجة إلى الرضى عن الذات لدى الكبار عن طريق الخيال إنما هي تعبير عن اضطراب نفسي صعب.