معاريف ــ نداف هعتسني
ينزل حبيب الأميركيين والإسرائيليين، الشريك الأعلى محمد دحلان، اليوم في فندق «غراند بارك» الفخم في رام الله منتوف الريش. لكن إذا أردنا القياس على التوجه القائم لتعزيز مكانة أبو مازن، فإن دحلان قد يعود في القريب إلى تبادل الأسرار مع القادة الأمنيين الإسرائيليين في الفنادق الفخمة على حساب مخيمات اللاجئين.
وضع الأميركيون والإسرائيليون، في السنوات الأخيرة، رؤية متكاملة مع دحلان. ارتكزت خطة الجنرال الأميركي، كيث دايتون، عليه، بوصفه الشخص الذي سيبني حرس الرئاسة ويحطم «حماس». أغدقت واشنطن على دحلان نحو مئة مليون دولار في العام الماضي فقط. بنت له مقر القيادة في غزة، ودربت رجاله وزودته بقافلة من السيارات التي كانت تعبر شوارع غزة بسرعة.
عشرات آلاف البنادق والرشاشات والمدرعات سُلِّمت للقوات الفولاذية التي بناها دحلان في المدة الأخيرة فقط. إلا أن الفولاذ ذاب مع أول إطلالة الشمس الإسلامية، وأصبح السلاح الأميركي في مستودعات «حماس».
حرص الشريك الكبير، دحلان، على ألا يكون في غزة ساعة الحسم، فيما فر ضباطه طالبين المساعدة منا.
هناك من يقول في بلاط أبو مازن في رام الله إن الكثيرين من طوابير دحلان وسائر أجهزة السلطة تعاونوا مع «حماس». لهذا، يحظى مسؤولو أجهزة الأمن الفلسطينيون الكبار، الذين خلصتهم إسرائيل من غزة وقدموا إلى رام الله، بعلاقة متحفظة جداً. ثمة تساؤل هناك: كيف يمكن أن ينهار من دُربوا ورُعوا وسُلحوا على هذا النحو، بلا قتال تقريباً.
الحقيقة هي أن محمد دحلان وطوابيره نموذج واضح لنوع الشريك الذي نقوم بتعزيز مكانته منذ أوسلو، وهو نموذج يعبر عن الفشل.
في هذا الأسبوع، هدم عناصر «حماس» قصره في غزة، وبطبيعة الحال توقفت عدسات التصوير التابعة لرجال «حماس» عند كل علامات الترف في الدار الفخمة، التي شيدت قريباً جداً من مخيمات لاجئي القطاع. هذه الدار بُنيت بأموالٍ كان يُفترض أن تُخلص الفلسطينيين من الضائقة الاقتصادية العميقة، وهي تعكس عينة مثالية لنمط الحياة التي انتهجها ثوريو «فتح» فور دخولهم من الخارج عام 1994.
في مشاهد الترف التي حرصت «حماس» على توثيقها، يكمن جزء مهم من تفسير ما حدث الأسبوع الماضي. يثير حكم «فتح» في الضفة وغزة اشمئزازاً عميقاً، تزداد حدته لدى مشاهدة صور الفساتين الفخمة لسهى عرفات والقصور المذهلة لمقربي أبو مازن. هذه المشاهد أثبتت فقط ما يعلمونه في خان يونس وفي جنين منذ سنين ـــــ الفساد وعدم اكتراث قيادة «فتح». وعليه، لا يجوز الهرب من الحقيقة: يفضل فلسطينيون كثر «حماس» لأنها غير غارقة في الفساد على الأقل. وتنبغي الإشارة إلى أن الحقد على الفاسدين الكبار الذين يتعاونون مع واشنطن وتل أبيب أسّس شكلاً من أشكال التعاون بين رجال «فتح» و«حماس» في الضفة الغربية أيضاً. وإذا صُرفت المليارات التي ستغدق الآن على أبو مازن في تلك المسارات المرفوضة، التي صرفت فيها منذ 1993، فإن «حماس» ستقوى في الضفة الغربية أيضاً.
في هذا الأسبوع، بعد الفشل النهائي لمعسكر «فتح»، تفشّى من جديد الداء الذي يُسمى «تعزيز أبو مازن». إلا أن الدعوات التي تعالت في القدس وفي واشنطن إلى تعزيز أبو مازن ومعسكره كان لا بد أن تذكر بالنماذج المختلفة لذلك الشريك الذي نرغب جداً في تعزيزه. عندما نشأ تصور مساندة «فتح»، زعم مُبدعوه أننا نعقد تحالفاً مع العصابة الفلسطينية الكبرى والأقوى لكي تقوم بالعمل من أجلنا. إسحق رابين وعد بأنها ستقمع سائر العصابات وستقوم بعملها من دون محكمة العدل العليا، ومن دون منظمة بتسيليم (لحقوق الإنسان). في الماضي اكتشفنا الصبغة الخيانية لهذه الحركة، وفي الأسبوعين الأخيرين ثبت نهائياً أنها لا تمتلك القوة أيضاً.