strong>منذ نشر تقرير فينوغراد، توجّه الاهتمام العام للانتقاد القاتل والحاد للثالوث الذي قاد الحرب: إيهود أولمرت، وعامير بيرتس، ودان حالوتس. إلا أن هؤلاء الثلاثة ليسوا الوحيدين الذين ستتأثر سيرتهم المهنية بالتقرير الجزئي
معاريف ـــ عامير ربابورت
شمعون بيريز، نائب رئيس الحكومة
العلامة: شبه جيد ـــ خبرة من الماضي

إنه السياسي الأقدم، الذي سبق له أن عايش الجميع، وحتى أنه تعرض للكي بصفته رئيس الحكومة بسبب عدم قدرة الجيش على التصدي للكاتيوشا في عملية «عناقيد الغضب» عام 1996. وهو لم ينجرّ في الأجواء الحماسية التي سادت بإيحاء من رئيس الأركان في 12 تموز 2006.
في جلسة الحكومة التي تقرر فيها شن الحرب، توقع بيريز أن الضغط العسكري على لبنان لن يؤدي إلى تجريد حزب الله من سلاحه بسبب ضعف الحكومة اللبنانية. وقال «يجب علينا أن نرد، لكن يتعين فعل ذلك بشكل ابداعي ومن دون تقدير مُضخم لقوتنا». وهو قدّر، وبحق، أن حزب الله اختفى واختبأ تحت الأرض في هذه المرحلة.
لقد اقترح بيريز الاكتفاء بشن هجوم على عشرات الأهداف والعمل على تحريك خطوة سياسية في مقابل التهديد بأنه في حال فشل العملية السياسية في إبعاد حزب الله عن الحدود، فستكون لنا حرية العمل. هو الوحيد الذي سأل رئيس الأركان عن المرحلة التالية، وكيف ستقود إسرائيل العملية لتحقيق أهدافها. حالوتس لم يقدم جواباً عملياً، وبدأ بيريز بالتراجع أمام حزم رئيس الأركان.
في شهادته أمام لجنة فينوغراد، أوضح بيريز أنه لم يصوّت ضد قرار شن العملية العسكرية، وحتى أنه لم يمتنع عن التصويت لأنه اعتقد أنه ثمة أغلبية كبيرة تؤيد القرار. وقال إن تصويته ضدها ما كان ليغير الصورة بل كان سيؤدي فقط إلى بث عدم الثقة برئيس الحكومة. لكن هذا توضيح ضعيف، لا سيما أنه يأتي من سياسي قديم مثل بيريز الذي يُتوقع منه أكثر من ذلك.
تسيفي ليفني، وزيرة الخارجية
العلامة: جيد ـــ صراخ عبر الهاتف

«كم من الوقت يلزمكم لتنفيذ الهجوم؟»، سألت ليفني قادة الجيش في جلسة الحكومة التي صادقت على شن الحرب. كان جوابهم: «ساعات».
«هل كل سلة الأهداف ستُهاجم هذه الليلة أو حتى غد؟»، سألت مجدداً، وتلقّت جواباً ايجابياً. هذا الجواب كان كاذباً، أو على الأقل لم يتضمن قول الحقيقة. ففي كل المداولات الأمنية التي حصلت قبل جلسة الحكومة بغياب ليفني، بما فيها مداولات مسبقة لدى رئيس الحكومة، كان التقدير بأن العملية ستستمر أياماً على الأقل. ربما شعرت ليفني بأنهم يحاولون تضليلها. لكنها مثل بيريز، طرحت أسئلة، وقررت أنه لا يمكن فرض عملية إعادة الجنود الأسرى بواسطة عملية عسكرية.
يُنسب إليها الفضل في رسم «مسار استراتيجي لإنهاء الحرب» منذ اليوم الأول بمساعدة مستشاريها؛ فالقرار 1701 كان مشابهاً جداً لهذا المسار. القرار الأكثر جرأة الذي اتخذته ليفني حصل في اليوم الثالث للحرب في مداولات منتدى الوزراء الكبار، عندما صوتت ضد شن سلاح الجو هجوماً على مبنيين تبين أنهما كانا فارغين. هذا الهجوم أدى إلى اطلاق النار على حيفا وأزال كل القيود التي فرضها قادة حزب الله على أنفسهم في كل ما يتعلق بأهداف الصواريخ.
علامتها كان يمكن أن تكون أعلى لو أنها أظهرت مواظبة وحزماً في مطالبتها بالبدء في خطوة سياسية في مرحلة مبكرة.
strong>شاؤول موفاز، وزير المواصلات
العلامة: لا بأس ـــ كان يُتوقّع منه أكثر
من كان رئيساً للأركان ووزيراً للدفاع طوال سبع سنين متواصلة، كان يجب أن يفتح أعين الحكومة على أن الخطوات التي سار إليها الجيش لا تستند إلى أي خطة مسبقة؛ فقد كان يتعين عليه أن يوضح للوزراء أن هذه الخطوات تتناقض مع معلومات مسبقة تراكمت طوال سنوات في العديد من المناورات، تفيد بأنه ثمة خيارين: إما الاكتفاء بأهداف محدودة في مقابل حزب الله بواسطة استخدام النار من الجو فقط، أو العمل على إزالة تهديد الكاتيوشا من خلال عملية برية من شأنها أن تؤدي إلى سقوط إصابات كثيرة. ليس ثمة حل وسط. وبسبب خلفيته تحديداً، حاذر موفاز الدوس على أصابع رئيس الأركان حالوتس ووزير الدفاع عامير بيرتس، ولذلك انجرّ في الأجواء العامة ولم يطرح أسئلة صعبة.
يسجل لمصلحة موفاز أنه بعد ايام، عندما اشتم رائحة تفيد بأن الأمور لا تسير كما يجب، حاول التحذير أمام رئيس الحكومة من هذه الخطوات العبثية للجيش الإسرائيلي، مثل الاجتياح العديم الجدوى الذي شُن على بنت جبيل. وقبل العملية البرية الأخيرة، اقترح موفاز خطة بديلة مقلصة تتناول نقل القوات مباشرة إلى الليطاني، في ظل حصول نزاع كلامي في المجلس الوزراي المصغر مع بيرتس، الذي غضب منه. معظم الوزراء كانوا مع خطة موفاز، لكن تقرر التصويت فقط على الخطة التي اقترحها وزير الدفاع ورئيس الأركان، وهي التي نُفذت عملياً. وموفاز بدوره صوت لها.
مائير داغان، رئيس الموساد
العلامة: تقريباً جيد جداً ـــ عارف بكل الطرقات

خلافاً لرئيس الأركان، الذي عرف لبنان من علٍ، بصفته طياراً، فإن رئيس الموساد يعرف كل الطرقات في لبنان ويعرف تعقيدات هذه الدولة الممزقة. وكان هو نفسه مسؤولاً قبل عقود عن سلسلة من العمليات الخاصة هناك. هذه المعرفة العميقة ساعدت داغان في قول أمور في اللحظة الأولى تتضح صحتها أكثر فأكثر مع مرور الوقت. في التقدير الأول للوضع الذي أجراه وزير الدفاع، بعد خمس ساعات من عملية الاختطاف، قال داغان: «ينبغي الخروج من نطاق الردود العادية، أعتقد أن علينا الذهاب نحو كسر التعادل. شعوري أن ما هو مقترح سبق أن فعلناه في لبنان أكثر من مرة. نحن نعلم كيف تتدحرج الأمور وإلى أين تصل... أنا أتوقع أن نتدهور إلى مواجهة مطولة، واحتمالات استهداف العمق الإسرائيلي كبيرة». أما في ما يتعلق باقتراح الجيش قصف بنى تحتية في لبنان، فقد قدر داغان «أن العالم لن يسمح لنا بالتعرض لحكومة فؤاد السنيورة. الدول الغربية لن تجلس بصمت وتسمح لنا بالعمل ضد بنى تحتية دفعت هي ثمنها في إطار ترميم لبنان».
واقترح داغان، خلال مشاورات أمنية رأسها أولمرت بعد ثلاث ساعات، إرسال الجيش لعملية برية ضد الكاتيوشا. وفي النقاش الليلي خلال جلسة الحكومة، شدد داغان على مقاربته المعارضة لخطوات الجيش المخطط لها، وقال «أعترف بأني لم أفهم ما هي أهداف الهجوم. إذا كنتم تريدون جباية ثمن، فهذا على ما يرام، وإذا كنتم تريدون تحقيق أهداف أخرى، فإن ذلك سيتطلب وقتاً طويلاً جدّاً من العمل في لبنان. أعتقد أن علينا استيعاب أن هذا حدث طويل، ولا سبيل إلى إنهائه من الجو».
وواصل داغان التشكيك في مفاهيم الجيش طوال الوقت، إلا أن رئيس الحكومة، لسوء الحظ، فضّل الوصفة العبثية التي قدمها الجيش، والتي بموجبها يمكن تحقيق الأهداف من الجو فقط. كان يمكن أن تكون علامة داغان جيدة جداً لو تمكن الموساد برئاسته من المساعدة في تحقيق أحد أهداف الحرب التي لم تتحقق، وهو تحديد مكان وجود قادة حزب الله، وعلى رأسهم حسن نصر الله، واغتيالهم.
يوفال ديسكين، رئيس الشاباك
العلامة: تقريباً جيد جداً ـــ منع موجة عمليات

يوفال ديسكين أيضاً لم يماشِ رئيس الأركان، إلا أنه فعل ذلك بطريقة أقل حدة من داغان. ويُسجل له أن الشاباك حصل على معلومات استخبارية نوعية منعت حزب الله من تحقيق إحدى خططه وهي فتح جبهة ثانية داخل إسرائيل من خلال موجة عمليات. شعبة 1800 داخل حزب الله، المسؤولة عن إدارة الإرهاب الفلسطيني في المناطق، أصدرت أوامرها لتنفيذ عمليات مستعجلة، إلا أن الشاباك، وبمشاركة قيادة المنطقة الوسطى، نجح في إحباط هذه المؤامرة قبل حصولها. من المثير للقشعريرة التفكير في ما كان سيحصل لو أن البلاد تعرضت خلال الحرب لموجة من العمليات الإرهابية القاتلة.
strong>الجنرال موشيه كابلنسكي، نائب رئيس الأركان
العلامة: لا بأس ـــ «أنا مع رئيس الأركان»
اقترح كابلنسكي بديلاً في المداولات الداخلية بالجيش، لكنه لم يفعل أكثر من ذلك. في المداولات الأولى قال «بحسب منطق الجيش، بعد هجوم جوي مكثف يأتي دور عملية برية». إلا أنه بعد ساعة من ذلك، خلال جلسة مشاورات عند وزير الدفاع، اكتفى بالجملة المقتضبة «أنا مع رئيس الأركان»، في سياق عرض موقفه.
تقزم كابلنسكي يعود بالدرجة الأولى إلى طغيان شخصية حالوتس، الذي اعتاد إلغاء آرائه حتى قبل اندلاع الحرب، وكذلك إلى رغبته في مجاراته والانضباط وفقاً لخطه. في نظرة إلى الخلف، يمكن القول إن كابلنسكي ربح من التغييرات التنظيمية التي أجراها حالوتس، والتي سُحبت بموجبها من نائب رئيس الأركان صلاحية تفعيل القوات. لكن تحديداً بسبب كون رئيس الأركان من سلاح الجو، كان يتوقع من كابلنسكي وضباط آخرين نشأوا في البر، أن يواجهوا حالوتس بشجاعة أكبر عندما خالفوه الرأي. ورغم كل شيء، فإن كابلنسكي أصر على موضوع واحد: بلورة خطة لإنهاء الحرب، الأمر الذي دفع حالوتس إلى الموافقة على تأليف طاقم للبحث في هذا الأمر.
ويسجل على كابلنسكي أنه أسهم كثيراً في تعكير العلاقات بين الأركان العامة وبين قيادة المنطقة الشمالية. فقد كان منذ الأيام الأولى للحرب يعتقد أنه يجب تغيير ضباط في هذه القيادة، إلا أن حالوتس لم يوافق، وكانت النتيجة جوّاً معكّراً، ازداد شدة عندما أُسقط كابلنسكي على قيادة المنطقة الشمالية بصفة «ممثل رئيس الأركان»، قبل خمسة أيام من إنهاء الحرب. ونُظر إلى الخطوة على أنها إطاحة قائد المنطقة، أودي آدم، ولذلك عززت الشعور وسط الجمهور بأن الحرب برمّتها عبارة عن فشل.
الجنرال غادي آيزنكوت، رئيس شعبة العمليات
العلامة: لا بأس ـــ علم ولم يحذر

رئيس شعبة العمليات هو ضابط الأركان المسؤول عن تشغيل القوات في الجيش. خلال الحرب، اضطر آيزنكوت غير مرة إلى إعطاء أوامر بتشغيل القوات خلافاً لرؤيته. في اليوم الأول، حاول طرح تصور مختلف عن الخط الذي قاده حالوتس، واقترح دراسة تجنيد كبير للاحتياط ليكونوا جاهزين لعملية برية واسعة إذا تقرر شنها. وقال آيزنكوت «يجب إعداد هذا الخيار، لا الدخول إليه في مسار متعثر». واقترح أيضاً التوقف والتأمل قبل العمل. كما أن آيزنكوت شكك خلال الحرب بالخط الذي قاده حالوتس، والذي راهن كلياً على سلاح الجو. إلا أنه فعل ذلك بلغة ضعيفة. وبعد الخسائر التي مني بها الجيش في بنت جبيل منتصف الحرب، ارتدع آيزنكوت عن القيام بعمليات برية واسعة.
في الخلاصة، وظيفة رئيس شعبة العمليات، بالآلية التي خاطتها حالوتس، كانت كبيرة على آيزنكوت. تشغيل القوات البرية كان مشوباً بعدم التنسيق وبالعداوة بين هيئة الأركان العامة وقيادة المنطقة الشمالية، وكان لآيزنكوت دور في ذلك. جرى تنقيل القوات من مكان إلى آخر بوتيرة غير ممكنة، كما جرى تغيير الأوامر والمهمات مرات لا تحصى في اللحظات الأخيرة.
يُسجل له أنه عارض العملية البرية الأخيرة في الحرب، والتي انطلقت بعد التوصل إلى صيغة وقف النار. ويسجل عليه أنه لم يحذر من انعدام التناسق بين أهداف الحرب وبين الخطوات العسكرية التي تقررت.
الجنرال عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات
العلامة: لا بأس بصعوبة ـــ أسير المفهوم الجوي

وضع يادلين في التقرير سيئ. هو ضابط لامع، مستقيم، طيار حربي ممتاز شارك في الهجوم على المفاعل النووي العراقي عام 1981. إلا أنه، بصفته رئيس الأركان، خلفيته كطيار دفعته إلى المبالغة في تقدير قدرة سلاح الجو على حسم المعركة وحده. وقد انطوت أقوال يادلين، التي أدلى بها في 19 تموز، بعدما أعلن أولمرت أن عودة المخطوفين هدف رسمي للحرب، على تناقض. فقد رأى أن «حزب الله لن يرفع العلم الأبيض، ويجب أن نكون واقعيين بشأن ما يمكن تحقيقه»، لكنه توقع أن «بإمكاننا إنجاز استعادة الجنديين وإبعاد حزب الله عن الحدود ونشر الجيش اللبناني وفقاً للقرار 1559».
بعد أيام من ذلك، في جلسة الحكومة، كان يادلين متفائلاً أكثر من اللازم، حيث قال «لقد انكسرت نقاط ارتكاز حزب الله. تم تحقيق الردع، حزب الله ينسحب. منظومة الحزب الاستراتيجية أصيبت». الوزراء لم يتمكنوا من معرفة أن رئيس قسم الأبحاث في الشعبة، العميد يوسي بيدتس، قدروا أن الحزب بعيد عن الخضوع.
يُسجل له أنه استيقظ من المفهوم الجوي قبل حالوتس بوقت طويل. في 26 تموز، في أعقاب فقدان لواء غولاني ثمانية جنود في بنت جبيل، قال «أجد صعوبة في تصديق أن إسرائيل، مع فرقها العسكرية وطائراتها، غير قادرة على القيام بعملية برية في مواجهة 200 ناشط والقضاء عليهم. لا خيار أمامنا سوى وقف الكاتيوشا. في نهاية المطاف، السوريون وكل العالم ينظرون إليها. يجب علينا القيام بذلك». وقال يادلين لحالوتس إن «حرباً طويلة ليست في مصلحتنا».
أودي آدم، قائد المنطقة الشمالية
العلامة: لا بأس ـــ لم يقلب الطاولات

ليس آدم، الذي كان أول من تحمل المسؤولية واستقال بعد الحرب. رغم ذلك، هو نفسه يدرك أنه كان بإمكانه أن يكون أفضل. تردده لم يكن في مصلحته. لقد حذر من عملية الخطف، لكن كان عليه قلب الطاولات والإصرار على جهوزية أفضل عندما رأى رد الفعل اللامبالي لحالوتس. انعدام الاستراتيجية لدى آدم تكرر خلال الحرب، رغم أنه أكل نفسه غيظاً من أوامر خاطئة تلقاها من هيئة الأركان. لم يأت إلى مقر وزارة الدفاع خلال فترة الحرب كلها سوى مرة واحدة، ولم يشارك بتاتاً بأي من جلسات الحكومة.
العميد غال هيرش، قائد فرقة الجليل
العلامة: لا بأس ـــ سكين في الظهر

هيرش، الذي تحول إلى الشخصية المأساوية في الحرب، بعيد عن أن يكون قديساً معذباً. تقرير فينوغراد لم يعفه من المسؤولية عن خطف الجنديين في منطقة عمله، وقرر أنه نفسه كان يتوقع حصول عملية الخطف وأشرف على الإعداد لحرب محتملة، إلا أن القوات على امتداد الحدود لم تكن تعي الخطر المحدق. بدأ هيرش الحرب من النقطة السفلى، وذلك في أعقاب عملية الخطف وسلسلة الإخفاقات في الأيام الأولى. لكن لاحقاً، كان الأكثر إبداعاً وتصميماً من بين قادة الفرق وتمكنت فرقته من تحقيق إنجازات عديدة. لقد تحرك في واقع غير ممكن، فيما السكاكين تغرس في ظهره. ثمة فجوة بين الطريقة التي يرى فيها الواقع وبين الواقع نفسه، إلا أنه كفء كالعفريت. إن حقيقة أن الجيش أخرجه من صفوفه في أعقاب توصية فقط من أجل إتاحة الفرصة لضباط لم يخطئوا بعد، هي أمر لا يمكن فهمه.