strong>محمد بدير
رئيس الوزراء يغازل أعضاء كنيست من أحزاب يهودية أصولية لضمان ثبات ائتلافه الحكومي

خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، المرشح لرئاسة حزب العمل، إيهود باراك، عن صمته الذي لازمه منذ نشر تقرير فينوغراد، ليطالب رئيس الحكومة إيهود أولمرت بالاستقالة، من دون أن يغلق على نفسه أبواب فرصة مشاركته في الحكم، ولو بصيغة التفافية أخذت عنوان حكومة الفترة الانتقالية، التي قال إنه يرى ضرورة الانضمام إليها بانتظار الانتخابات النيابية المبكرة المطلوب إجراؤها، برأيه، إن لم يوافق أولمرت على التنحي عن منصبه.
وتحت ضغط الانتقادات التي تعرض لها من داخل حزبه لعدم إعلانه موقفاً واضحاً بشأن تطورات ما بعد تقرير فينوغراد على المسرح السياسي في إسرائيل، عقد باراك أمس مؤتمراً صحافياً لخص فيه مقاربته للوضع المستجد لجهة الموقف من بقاء أولمرت في الحكم. ورأى باراك أن «تقرير لجنة فينوغراد قاس، وخلاصاته تستوجب استخلاص العبر الشخصية»، وهو مصطلح إسرائيلي يقصد به عادة التنحي عن المنصب. وأوضح باراك ما يعنيه قائلاً: «إن رئيس الأركان استخلص العبر، ووزير الدفاع استخلصها بطريقته (في إشارة إلى نية عامير بيرتس الاستقالة من وزارة الدفاع كما أعلن)، وأعتقد أن رئيس الوزراء أيضاً سيجد الطريقة المناسبة لاستخلاص العبر، وإلى الآن لم يحصل ذلك».
وأضاف باراك: «إذا استخلص أولمرت العبر حتى التاسع والعشرين من أيار الجاري (موعد الانتخابات الرئاسية في حزب العمل) فستكون الطريق ممهدة لحكومة جديدة يمكن أن نشارك فيها»، ملوحاً في الوقت نفسه بالعمل «على بلورة اتفاق واسع داخل حزب العمل، بعد الفوز برئاسته، وفي الكنيست، من أجل تقديم موعد الانتخابات العامة» إن لم يقدم رئيس الوزراء على الاستقالة.
إلا أن باراك الذي يعلم أن الانتخابات المبكرة ليست خياراً واقعياً يصب في مصلحة حزب العمل أو مصلحته الشخصية، حفظ خط التراجع عن موقفه من خلال الإعراب عن استعداده، بل ورغبته، في المشاركة «خلال الفترة الانتقالية، إلى حين تشكيل حكومة جديدة، أو حتى إجراء الانتخابات» للإسهام «بخبرتي للإصلاح العميق المطلوب في الحكومة والجيش عبر تولي وزارة الدفاع».
ويسعى باراك، في سياق طموحه للعودة إلى سدة رئاسة الوزراء، إلى الحصول على «فترة تسخين» داخل الحكومة تمكنه من تحقيق إنجازات ذات صدى شعبي تُستخدَم كرافعة انتخابية لاحقاً. وهو لأجل ذلك يصوب على حقيبة الدفاع ليُقدم نفسه على أنه الشخصية التي استطاعت تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في الجيش والمؤسسة الأمنية بعد الصدمة الكبيرة التي واجهتها خلال عدوان تموز.
وعبر موقفه الازدواجي هذا، أفلح باراك في الإبقاء على كل الخيارات مفتوحة أمامه في حال فوزه برئاسة حزب العمل. فهو إن استقال أولمرت، سيحصل على مبتغاه في حكومة يرأسها شخص آخر من حزب كديما، وإن لم يفعل، فبإمكانه مشاركته في الحكومة بعنوان أنها حكومة انتقالية ستعمل على تحديد موعد لانتخابات مبكرة بالاتفاق مع أولمرت.
وبرأي مراقبين، لم يكن إغفال باراك لتحديد سقف زمني للفترة الانتقالية صدفة، إذ إنه بذلك منح نفسه امتياز تحديد المدة التي تناسب وضعه السياسي، وهي، بحسب معلقين إسرائيليين، ستمتد حتى العام المقبل.
وأثار إعلان باراك ردود الفعل الساخطة من منافسيه الحزبيين على رئاسة العمل، التي هاجمت ما رأته ضبابية ولعباً على الكلام.
إلا أن الأثر الأكبر لموقف باراك، بإجماع المعلقين الإسرائيليين، سيكون داخل حزب كديما. وبرغم إظهار مقربين من أولمرت عدم الاكتراث بهذا الموقف، واضعين إياه في خانة الخطاب الانتخابي، فإن أولمرت نفسه يدرك أن وضعه أصبح أكثر حراجة، وهو ما دفعه إلى العمل على تأمين بدائل من حزب العمل في ائتلافه الحكومي. وفي هذا السياق، شرع أولمرت بمغازلة أعضاء كنيست من أحزاب يهودية أصولية مبدياً استعداده لتلبية مطالبهم الاجتماعية في مقابل الحصول على أصواتهم. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مقربين من أولمرت قولهم إنه في حال انسحاب حزب العمل من الحكومة، فإنه مع عضوي الكنيست من حزب «ديغيل هاتوراة»، أبراهام رابيتس وموشيه غفني، سيعد الائتلاف 61 صوتاً، وهو ما سيمكنه من إمرار الوقت حتى حلول العطلة الصيفية للكنيست في تموز، التي ستمتد حتى تشرين الأول، ما يمنح رئيس الوزراء فرصة للمراهنة على متغيرات داخلية أو إقليمية.
وبرغم كل شيء، يستبعد مراقبون واقعية هذا السيناريو ويرون أن أولمرت لن يتمكن في نهاية المطاف من الصمود في منصبه، وحتى إذا اجتاز عقبة انتخابات حزب العمل، فإن محطته التالية منتصف الصيف المقبل، عند استحقاق صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد، الذي سيكون محطته الأخيرة على قطار السلطة، وسيكون التقرير كفيلاً بإطاحته.