«يديعوت» - رون بن يشاي
الشهادات أمام لجنة فينوغراد تفرض مقاربة جديدة للتقرير المرحلي للجنة. صحيح أنها ألقت بالمسؤولية الأساسية عن الإخفاقات في الحرب على ثلاثة أشخاص: أولمرت وبيرتس وحالوتس، مع ميل لتشديد خطورة المسؤولية على الأول. إلا أن من يقرأ بتمعن ويقارن بين صيغ الشهادات، سيستنتج أن المسؤول الأساسي من بين الأشخاص الثلاثة هو رئيس الأركان الأسبق دان حالوتس ومعه القيادة العليا للجيش الإسرائيلي.
لقد تم التعبير عن مسؤولية المستوى السياسي عن إخفاقات الحرب بما يسمى «الإهمال المساعد» خلال اتخاذ القرارات: أي إن الحكومة، ومن يقف على رأسها، لم تعالج كما ينبغي الجبهة الداخلية، وانبطحت أمام التأثير الكبير لرئيس الأركان المتغطرس. هذه الإخفاقات بحد ذاتها ثقيلة جداً، لكن لا يمكن مقارنتها من حيث الخطورة باخفاقات الجيش في كل المجالات الحاسمة: التفكيري، والتخطيطي، والعملياتي.
إن من يوجه إصبع الاتهام، ربما من دون أن يشعر، باتجاه الجيش وباتجاه نفسه هو تحديداً دان حالوتس؛ إذ يتبين من الأقوال التي أدلى بها أن خطته الخاطئة للحرب لم تنشأ عن ثقة زائدة بالقدرة على التغلب على حزب الله، عبر استخدام سلاح الجو فقط، بل عن عدم التفكير المسبّق في تحقيق الانتصار، وفقاً لمصطلحات عسكرية مثل الحسم والهزيمة. لقد كان يسعى إلى إقامة معادلة جديدة في جنوب لبنان من خلال عملية سياسية ــــــ عسكرية مزدوجة، ترتكز أكثر على العامل السياسي.
إن العملية العسكرية، وفقاً لنظرية حالوتس هذه، كانت تهدف فقط إلى المساعدة على بلورة العملية السياسية على الساحة الدولية، بروحية الترتيبات التي تريدها إسرائيل. ولتحقيق هذا الهدف، على الأقل في البداية، كان يكفي تفعيل سلاح الجو.
بالمناسبة، في ما يتعلق بتقدير قدرات سلاح الجو، يتبين من شهادة حالوتس أنه قدّر بشكل سليم ما يمكن ولا يمكن هذا السلاح أن يحققه. وبحسب رأيه، كانت قدرات هذا السلاح كافية بوصفها محفزاً للعملية السياسية. لكن عندما اكتشف في نهاية الحرب أنه أخطأ أيضاً في ما يتعلق بإمكان تحقيق تسوية مناسبة عبر قرار مجلس الأمن، اقترح على بيرتس وأولمرت تنفيذ الاجتياح البري الذي لا يزال موضع سجال. أولمرت وبيرتس وافقا، كما هي الحال دائماً، على اقتراحه.
وبدلاً من أن يكون قائداً أعلى للجيش، يترجم توجيهات المستوى السياسي لأهداف ومهمات، قام حالوتس ببلورة توجيهات المستوى السياسي وأعد خطة عسكرية مرنة تحقق الأهداف السياسية التي وضعها. إن مسؤولية المستوى السياسي عن الفشل تتلخص في أنه ترك حالوتس يعمل ما يخطر على باله.
الخلاصة التي يمكن استنتاجها من الشهادات هي أن الجيش فشل، وخاصة في أنه «لم يوفر البضاعة». أما أولمرت وبيرتس والحكومة بأكملها فإنهم ساروا خلف حالوتس كما يسير الغنم خلف الراعي.
لكن لماذا كوَّنت لجنة فينوغراد، عبر تقريرها المرحلي، انطباعاً بأن أولمرت هو المسؤول الأساسي عن الإخفاقات؟ السبب الأساسي لذلك هو نهجها المنظوماتي القانوني: فأولمرت يقف على رأس هرم السلطة التي اتخذت القرارات ــــــ لذلك هو المسؤول الرئيسي أمام الجمهور عن الأخطاء والإخفاقات. لو لم تكن لديه الكفاءة والخبرة، لمراقبة الجيش وفحصه، لما كان يجب أن يكون رئيس حكومة. إذا كانت القرارات التي اتخذها الجيش خاطئة ومتغطرسة، فإن المسؤولية عنها ملقاة على عاتقه وحده، ولا فرق أبداً إن كان رئيس الأركان يجره من أنفه وكذلك الحال أيضاً بالنسبة إلى بيرتس.
من وجهة نظر أنظمة الحكم السليمة، هذا توجه مشروع، إلا أن عيبه يكمن في أنه يشوّه الصورة ويولد الانطباع بأنه لو كان لدينا قيادة سياسية أكثر كفاءة وخبرة، لكان كل شيء بدا مغايراً. هذه المقاربة تقدم الجيش وكأنه مقاول تنفيذي صغير جداً، وتعفيه بشكل واضح من خطورة دوره الحاسم الذي يؤدّيه دائماً في بلورة وتنفيذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي. ويتبين جلياً من الشهادات أمام لجنة فينوغراد أنه لو كان لدينا جيش بري جاهز ومؤهل، وكان يقف على رأسه رئيس أركان، كان غنمة على تلال جنوب لبنان قبل أن يتحوّل الى راع لقطيع من الضباط، لكانت حرب لبنان الثانية انتهت بشكل مغاير، حتى مع وجود رئيس حكومة كهذا ووزير دفاع.