مهدي السيد
استحوذ التقاتل الفلسطيني الداخلي على اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تناولت الموضوع من زوايا عديدة، ولا سيما كيفية تعاطي الحكومة الإسرائيلية معه لجهة التدخل أو البقاء على الحياد. وتعكس مقاربة الصحافة العبرية لهذه المسألة حجم المعضلة التي تواجهها إسرائيل؛ فمن جهة، ثمة من يرى أن التدخل الإسرائيلي العسكري، بحجة الرد على إطلاق صواريخ «القسام»، سيؤدي إلى توحّد الفلسطينيين في وجه الدولة العبرية وإعادة تصويب وجهة المعركة، وهو ما تسعى اليه «حماس»، فيما يبرز في المقابل رأي يقول إن عدم تدخل إسرائيل يخدم «حماس» تحديداً في ظل التداعيات السلبية «للفوضى العنيفة» على الاستقرار، وخاصة أن هذا الوضع مصحوب بثمن إسرائيلي بشري وأمني ومعنوي، وفي ظل موازين قوى لا تشير إلى إمكان هزم «حماس» عسكرياً.
وفي هذا المجال، رأى معلق الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن «المشكلة الرئيسية بالنسبة إلى إسرائيل الآن تتمثل في الفوضى العنيفة على الحلبة الفلسطينية»، واضعاً إطلاق صواريخ «القسام» على مستوطنة سديروت «ضمن سياسة تصدير الفوضى».
وتطرق يشاي إلى النقاش الدائر في إسرائيل في شأن طبيعة الموقف من أحداث غزة، فأشار إلى أنه ثمة من يقول إنه ممنوع على إسرائيل الرد بشدة وشن حملة عسكرية كبيرة كي لا يؤدي ذلك إلى اتحاد الفلسطينيين الذين يتقاتلون في ما بينهم. لكن هذا الادعاء يكون منطقياً، بحسب يشاي، إذا كان الأمر يتعلق بمعارك فلسطينية – داخلية لا يتضرر منها إسرائيليون بشكل مباشر وعلى افتراض أن انصار أبو مازن هم من سينتصر. لكن الأمر ليس على هذه الحال، برأي يشاي، ولذلك «من يعتقد أنه يتعين على إسرائيل أن تترك الفلسطينيين يستنزفون ويدمرون بعضهم بعضاً، لا يدرك أن الفوضى الفلسطينية تجبي منا ثمناً باهظاً»، وبالتالي، فإن التدخل العسكري الإسرائيلي، بحسب يشاي، أمر ضروري على أن يكون مبنياً على خطة معينة وبعد توفير الظروف المناسبة لنجاحها.
في السياق، قال المراسل العسكري لـ«يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، إن «الحكومة لا تريد ولا تستطيع ولا تعتقد بأن عليها أن تدخل اليوم في عملية عسكرية طويلة، واسعة النطاق، داخل قطاع غزة». وعليه، فإن كل عملية تقررها الحكومة رداً على إطلاق صواريخ «القسام» على سديروت ستكون، بحسب فيشمان، لرفع العتب.
وتطرق فيشمان إلى دوافع «حماس» لإطلاق الصواريخ على سديروت، فرأى أنها تهدف «إلى خدمة فكرة رص الصفوف الداخلية الفلسطينية حيال العدو الإسرائيلي على خلفية حرب الشوارع داخل القطاع». ورغم ذلك، يرى فيشمان أنه «إذا لم يطرأ تغيير سياسي بعيد الأثر في المنطقة، فسيتعين على اسرائيل الدخول الى قطاع غزة وحل القوة العسكرية لحماس»، مشيراً إلى أن «الوقت لا يعمل لمصلحتنا. لأن حماس تعزز قواها». ويستدرك الكاتب أخيراً أن توقيت مثل هذه الخطوة يجب أن تختاره اسرائيل «بعناية وتعقل وبعد إعداد جيد للقوة العسكرية».
ووافق معلق الشؤون الفلسطينية في «هآرتس»، داني روبنشتاين، زميله في «يديعوت» بشأن اعتبار إطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل مخرجاً من الحرب الأهلية التي تثير قلق الفلسطينيين، وذلك إيماناً من «حماس» «بأن رداً عسكرياً اسرائيلياً فورياً سيوقف الحرب الأهلية في القطاع وسيوحّد الجميع ضد إسرائيل». وقدر روبنشتاين أن «المرحلة المقبلة من التدهور في القطاع من شأنها أن تتثمل في الصدامات بين الوحدات العسكرية النظامية».
أما عميت كوهن فقد رأى من جهته، في «معاريف»، أن «حماس أثبتت أنها تُفضل المواجهة المباشرة مع إسرائيل على الاشتباكات مع فتح».
وأضاف كوهين «في حماس لم يحبّذوا المواجهة مع فتح في هذا التوقيت. فهم اعتقدوا فعلاً أن حكومة الوحدة ــــ على الرغم من مشكلاتها وجمودها ــــ يمكنها أن تصمد، وأيضاً قد تساعد على رفع تدريجي للمقاطعة عن الحكومة الفلسطينية. لكن عندما بدأ «اتفاق مكة» ينهار تماماً، قررت حماس تجنيد إسرائيل، العدو الصهيوني، في محاولة منها لتهدئة الحرب الأهلية الوشيكة».
ووجّه كوهين النقد إلى أبو مازن واصفاً إياه بأنه ششبالاشتباكات الأخيرة، لأنه «وفّر الذريعة لحماس لاستئناف العنف، وذلك في أعقاب قراره قبل أسبوع، خلافاً للوضع الراهن مع حماس، نشر قواته الأمنية في قطاع غزة».