حيفا ـ فراس خطيب
التقارير الإسرائيلية عن الأسيرين لدى «حزب الله» تسعى في الغالب إلى التشكيك في حالتهما واستخدامها في مفاوضات مرتقبة، أو الحصول على معلومات مجانية، كما هي حال التقرير الأخير، الذي يشير إلى مقتل أحدهما وخطورة وضع الثاني


نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في ملحقها الأسبوعي الصادر اليوم الجمعة، تقريراً موسعاً أعدّه محلل الشؤون الاستخبارية للصحيفة، رونين برغمان، الذي كشف عن «تقرير سري» للجيش الاسرائيلي يشير خلاله إلى أنَّ أحد الجنديين الأسيرين لدى «حزب الله»، ايهود غولدفاسر وإلداد ريغف، أصيب بجراح خطرة (على الأقل)، واحتمالات بقاء الثاني على قيد الحياة تقترب من الصفر.
وأشار برغمان إلى أنَّ الجيش الاسرائيلي بدأ تحقيقاً في حادثة الاختطاف، بعد ساعات معدودة من حدوثها، على يد محققين من الجيش ووحدة البحث عن المفقودين، لجمع أكبر معلومات ممكنة عنهما. وواصل المحققون تجميع المعلومات طوال أيام الحرب، وجمعوا قطعاً حديدية، ودماً، ورماداً من آثار الاحتراق، بالاضافة الى التحقيق في معلومات مرتكزة على تحقيق مطول مع الناجين من عملية الأسر.
وبعد هذه التحقيقات، تم صوغ الاستخلاصات في ملفات عديدة اختتمت في 28 تموز الماضي، أي قبل نهاية الحرب. النتائج كانت صعبة وقاتمة للغاية بالنسبة للجيش. درس قسم الصدمات في الجيش الاسرائيلي التابع لسلاح الطب هذه الاستخلاصات وكتب في التقرير ما يلي: «الضربة التي تلقّاها الجندي المفقود، أطلقت، على ما يبدو، من عبوة جوفاء. ويبدو أكيداً أنها قذيفة آر بي جي. إن هذا النوع من الضربات يقدر بأنه صعب للغاية ويستدعي علاجاً جراحياً ضرورياً. الاحتمالات بأن يبقى الإنسان على قيد الحياة في اعقاب ضربة كهذه هي احتمالات قليلة جداً».
وعن حالة الأسير الثاني، يقول التقرير إن «حالة المفقود الثاني خطرة (على الاقل)». وتشير الصحيفة إلى أن احتمالات تلقّي الاثنين علاجاً صحياً فورياً مشكوك بها، نظراً إلى أن منفذي العملية من «حزب الله» أرادوا الهرب من مكان العملية، ومن الممكن أن المختطفين تلقيا علاجاً فورياً لفترة ساعة بعد الضربة، إلا أن الخبراء في سلاح الطب الاسرائيلي يؤكدون أن ساعة من العلاج لا يمكنها أن توفر الاستقرار الصحي للمصاب.
وعلى الرغم من أن وحدة البحث عن المفقودين أنهت تقريرها في الثامن والعشرين من تموز، فإنَّ الجيش الاسرائيلي سلَّم التقرير لرئيس الحكومة بعد يوم واحد من وقف النار مع «حزب الله»، أي في 13 آب. وفي حينه علم أن إيهود اولمرت لم يكن يعرف عن وجود مثل هذا التقرير أصلاً.
وتبينت في الملفات السرية للبحث عن المفقودين الصورة التالية: «في الجيب العسكري الاول من نوع هامر، ركب السائق «ر» وإلى جانبه قائد وحدة التمشيط ايهود غولدفاسر. وجلس في المقعد الخلفي الداد ريغف وإلى جانبه جندي يدعى تومر فاينبرغ. بين ريغف وفاينمر كانت هناك اكوام من الاغراض. في الجيب الآخر ركب الجندي وسيم نزال والى جانبه شاني تورغمان وأيال بنين».
مقاتلو «حزب الله» انتظروا الجيب العسكري الاسرائيلي وصبروا حتى دخول الآخر. وفي الساعة التاسعة والنصف تقريباً، أعطى احد المقاتلين الاشارة عبر جهاز اللاسلكي لبدء الهجوم. وعندها، اشتعل الميدان وأطلق مقاتلو «حزب الله» قذائف «آر بي جي» على الجيب الخلفي. اخترقت اثنتان منها الجيب ودخلتا الى قلبه وقتل أحد الجنود الاسرائيليين على الفور.
اما بالنسبة للكاميرات التي نصبت على الشريط الحدودي، فقد وثقت نهايتها بعدما أصيبت بقذيفة آر بي جي. ويبدو واضحاً في توثيقها أن صاروخ «آر بي جي» يتجه نحو الكاميرا ومن بعدها يظهر السواد.
وفجّر مقاتلو «حزب الله» كل الكاميرات الموجودة على الحدود. عندها خرج الجنديان الآخران من الجيب طلباً للنجاة من الموت. وحلل طاقم المحللين في الجيش الاسرائيلي أن «حزب الله» لم يكن ينوي الوصول الى الجيب الثاني بل التأكد من ألا يخرج أحد من هناك على قيد الحياة. بعد ضرب الجيب، خرج مقاتلو «حزب الله»، وضربوا الهامر الاول. الجندي الى جانب ريغف استطاع الهرب من دون أن يصب بأذى. والثاني أيضاً.
كان ريغف ينزف دماً، حاول أن يخرج من الباب الأيمن، إلا أنه لم يستطع لأن الباب لم يفتح، ودفع نفسه الى خارج السيارة، وعندما نجا وجد مقاتلي «حزب الله» أمامه.
أما غولدفاسر، فقد فتح مقاتلو «حزب الله» باب الجيب وسحبوه من هناك، وكان مجروحاً في حينه. وقد سحبوا الجنديين الاسرائيليين 35 متراً من الجيب المحروق الى السيارة التي نقلتهما إلى قلب لبنان.
ويشير التقرير إلى أن وحدة البحث عن المفقودين التي حققت في الحادث، جمعت اسلحة تركها «حزب الله» في مكان العملية. ووجدوا مدفعاً ثقيلاً «صدموا عندما عاينوه». وقالت الصحيفة إن «الرقم التسلسلي الذي حمله أظهر بالضبط كيف وصل الى حزب الله»، مضيفة: «وصل حزب الله عن طريق ايران، بعدما باعت اسرائيل الايرانيين الاسلحة إثر دخول القوات العراقية الى ايران».
وذكر برغمان أن قليلين اطلعوا على «ملف كونخيا»، الذي ضم كل الوثائق المتعلقة ببيع الاسلحة الاسرائيلية للإيرانيين بين 1980ــــــ1984. وقال إن اسرائيل كانت تطلق على ايران اسم «كونخيا» في ملفاتها السرية. وأوضح أن «الاسرائيليين كانوا يرسلون آلاف الأطنان من الاسلحة الى الايرانيين عن طريق الجو، والبحر. وكانت الطائرات تهبط في مطار إلى جانب طهران. أما السفن فقد كانت توقف عند ميناء بندر عباس».
ويقول الكاتب إن طلبات الاسلحة الايرانية من المصادر المختلفة وصلت تل أبيب عن طريق تاجر سلاح برتغالي يدعى جورج فينيول، الذي وصل تل ابيب بعد التنسيق مع وزارة الدفاع الاسرائيلية. وصل التاجر مع ضمانات مصرفية، وافتتح شركة في اسرائيل وتباحث الأمر مع الاسرائيليين. وقال احد المسؤولين في حينه: «لم يكن نقاشاً قيَمياً ما جرى في تلك الجلسات. كل همنا في ذلك الحين كان أن نبيع ونبيع كي يقتل أحدهما الآخر (ايران والعراق)».
ويقول برغمان إن الاسرائيليين استمروا في بيع الايرانيين حتى عام 1988. عندها، وقعت مواجهات بين الجيش الاسرائيلي وحزب الله وأمر رئيس الوزراء في حينه اسحق رابين بالتوقف عن بيع الاسلحة لـ «كونخيا».