معاريف- عامير ربابورت
يقدّم عامير رابابورت، في ما يلي، عرضاً مفصّلاً لمجمل الخيارات المتاحة لمواجهة معضلة التعامل مع قطاع غزة، وتداعياتها على إسرائيل، مثل صواريخ «القسام» والعمليات الإستشهادية، محاولاً تلمّس الحل الأنجع وإن كان يؤكد أنه ليس من بينها أي «حل سحري»

المشكلة المطروحة على المحك الآن بين إسرائيل والفلسطينيين في ضوء ما يحدث في غزة، صعبة الحسم. من الصعب إيجاد حل لها. المداولات تجري وتحاول تحليل «رزمة الوسائل والأدوات» التي تمتلكها إسرائيل في مواجهة الإطلاق المتواصل لصواريخ «القسام». سنعرض عليكم في ما يلي الخيارات المحتملة، بإيجابياتها وسلبياتها:
عملية برية واسعة
لسبب ما تعدّ هذه العملية طريقة العمل الأولى المطروحة على المحك الآن. الهدف: تحطيم البنية التحتية لحماس. التحمس لعملية برية واسعة نابع من نجاح عملية «السور الواقي» في نيسان 2002، التي أدت الى خفض دراماتيكي لحجم الإرهاب الصادر من الضفة في ذلك الحين.
لماذا نعم؟: خلافاً للعملية البرية التي شنّها الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة من حرب لبنان الثانية، حيث لم يكن جاهزاً ومتدرباً، استعدت قوات الجيش خلال الأشهر الأخيرة بصورة واسعة للعملية البرية في غزة، وكل من يجب أن يشارك فيها قد تدرب ولم يبقَ فقط إلا حسم مسألة كون هذه العملية ملائمة من حيث الثمن والجدوى.
في قيادة المنطقة الجنوبية، يؤيدون العملية أيضاً من خلال الافتراض بأنها ستساعد حركة «فتح» على المدى الأبعد في مواجهة «حماس»، ومن خلال التقدير بأن المجابهة الكبرى في مواجهة «حماس» هي مسألة محتومة، لذلك يعتقدون هناك أن من الأفضل التبكير في المواجهة قبل أن تستكمل «حماس» استعداداتها وتحصيناتها وفقاً لـ «نموذج حزب الله». في المقابل، تحتاج «حماس» إلى بعض الوقت من اجل استكمال تدريب آلاف المقاتلين على الأراضي الإيرانية (حتى الآن تدرّب في ايران بضع مئات من أتباع «حماس» في غزة، وهم يقومون بنقل خبراتهم تلك الى شبان آخرين).
لماذا لا؟: استغلّت «حماس» وقف اطلاق النار لإنشاء جيش حقيقي، لذلك أصبحت أي عملية لاحتلال غزة الآن بحاجة الى استخدام فرق عديدة مع تجنيد واسع للاحتياط، وقد تتمخض عن ذلك إصابات كثيرة. وبعد كل هذه الأمور، لن تكون النتيجة ناجعة بالضرورة. رئيس «الشاباك» يوفال ديسكن، الذي يعارض هذه العملية بشدة، يدّعي أنه لا يمكن تغيير التوازن الفلسطيني الداخلي بين «حماس» و«فتح» من خلال عملية عسكرية، لذلك ستؤدي العملية الواسعة الى تدمير الخدمات العامة في القطاع وستضطر اسرائيل الى تحمّل مسؤولية السكان هناك خلافاً لما تقتضيه مصلحتها. كما يقول المعارضون للعملية إن خفض مستوى الإرهاب في الضفة لم يأت من «السور الواقي» وحدها، بل من خلال سلسلة لا متناهية من العمليات العسكرية على الأراضي الفلسطينية. كما أن الوضع في غزة مختلف من حيث الاكتظاظ والعدد السكاني، لذلك سرعان ما سيتجدّد الإرهاب بعد انسحاب اسرائيل بينما ستنهار السلطة الفلسطينية.
لهذه الأسباب تحديداً عارض شاؤول موفاز شن عملية على غرار «السور الواقي» في غزة، عندما كان رئيساً لهيئة الأركان، وعندما أصبح وزيراً للدفاع، ولا يزال يعارضها الآن أيضاً.
تشكيل مناطق سيطرة
طرح الجيش الإسرائيلي على المجلس الوزاري أيضاً خطة محدودة للسيطرة على مناطق محددة في القطاع. بحسب الخطة المقلصة، يقوم الجيش بتوسيع سيطرته من خلف الجدار الفاصل المحيط بالقطاع لمنع حفر الأنفاق وإبعاد قواعد إطلاق الصواريخ بنسبة معينة. وفي الوقت نفسه، يتم شن عمليات في العمق الفلسطيني لمهاجمة معاقل «حماس» في أماكن مختلفة بصورة متواصلة. العمليات كلها ستكون مترافقة مع تغطية جوية واسعة.
ومن المحظور نسيان محور فيلادلفي على امتداد الحدود بين القطاع وسيناء.
لإسرائيل مصلحة كبيرة في وضع حد لعمليات التهريب المختلفة التي تتم عبر هذا المحور، والتي تؤدي الى تفوق «حماس» على «فتح» في الحرب الداخلية الفلسطينية في السلطة، كما أنها تخشى من استخدام الأنفاق لتهريب أسلحة تؤدي الى كسر التوازن القائم في الوقت الحالي، مثل الكاتيوشا البعيدة المدى التي تستطيع الوصول الى عسقلان وكريات غات، والصواريخ المحمولة التي تستطيع اصابة الطائرات في جنوبي البلاد.
لماذا نعم؟: الخطة الموسّعة لا تحتاج إلى استدعاء واسع للاحتياط، وستُمكّن قيادة المنطقة الجنوبية من الانتقال الى حالة الهجوم بدلاً من الدفاع، الأمر الذي يقلّل من امكان قيام «حماس» بعمليات اختطاف جديدة، كما هدد أتباعها أخيراً.
لماذا لا؟: الخطة لن تحل مشكلة «القسام»؛ فتجربة الماضي تشير الى أن العمليات المحدودة النطاق تؤدي فقط الى زيادة وتيرة عمليات الإطلاق.
تصفية «المهندسين»
الجيش الاسرائيلي جرّب هذا الأسلوب في السابق: تصفية العشرات من أتباع «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الضالعين في عمليات تطوير الصواريخ وإنتاجها وتخزينها.
لماذا نعم؟ اسرائيل ملزمة أخلاقياً بذل كل الجهود لضرب كل من له علاقة بصناعة «القسام».
لماذا لا؟ محاولة إيقاف عملية إنتاج صواريخ «القسام» من خلال بنيتها التحتية فاشلة سلفاً، كما أنها لم تنجح في الماضي. والسبب هو أن هذه الصواريخ هي سلاح بدائي جداً، ولا يحتاج الى أكثر من مخرطة قديمة لإنتاجها.
تصفية قيادة «حماس»
تعتقد المنظومة الأمنية أن التصفية المنهجية لقادة «حماس»، التي بلغت ذروتها بقتل الشيخ احمد ياسين في آذار 2004، هي التي أدت الى إعلان الحركة عن وقف إطلاق النار. وهناك من يعتقد أن التهديد بتكرار الأمر سيدفع القيادة الحالية لـ«حماس» الى التفكير جيداً قبل أي إطلاق للصواريخ.
لماذا نعم؟: هذا في الواقع حل سحري، لا يستوجب المخاطرة بالقوات البرية وإدخالها في عملية خطيرة في مناطق عمرانية. إمكانات النجاح تبدو عالية.
لماذا لا؟: قادة حماس الحاليون تعلّموا الدرس من الماضي وانتقلوا الى المخابئ. كما أنه سيكون من الصعب تطبيق سياسة التصفيات ضدهم ما دام الجندي جلعاد شاليط موجوداً في القطاع، وقد يصبح ضحية لعملية انتقام على عمليات الاغتيال التي تنفذها اسرائيل. كما أن «حماس» قد تجدد العمليات الانتحارية في قلب البلاد. بذل بعض من الحركة، وبينهم من هم من الضفة الغربية، محاولات عديدة في الآونة الأخيرة، لكنهم أفراد لا يصغون إلى القيادة المركزية التي لا تزال تتمسك بوقف اطلاق النار.
سياسة «الاحتواء»
وهي السياسة نفسها التي اتّبعها الجيش الإسرائيلي مع حزب الله في الشمال بين 2000 و2006، والسياسة نفسها التي تعتمدها اسرائيل في مواجهة «حماس» في الأشهر الأخيرة. أما الهجمات الأخيرة على قادة «حماس» فقد تمت رداً على قصف سديروت، وليست تغييراً جوهرياً في السياسة.
لماذا نعم؟ لأنه ليس هناك طريقة اخرى أفضل من ذلك لاسترجاع الهدوء النسبي في النقب وسديروت، مع أمل أن تتمكن «فتح» من التغلب على حماس في المواجهة الداخلية وأن يستقر الوضع الأمني الفلسطيني.
لماذا لا؟ تتحرش «حماس» بإسرائيل وتهاجم سكان النقب الغربي بوتيرة أعلى من الوتيرة التي اتبعها حزب الله حتى الحرب الأخيرة. لا تستطيع اسرائيل، التي فقدت جزءاً من قوتها الردعية في مواجهة حزب الله، الموافقة على تحويل سكان تجمعات بأكملها الى رهائن بيد «حماس». يجب القيام بشيء ما أيضاً لأن «حماس» تزيد من قوتها وليس هناك احتمال لأن تتغلب «فتح» عليها.
إمداد فتح بالسلاح
اعتادت الولايات المتحدة في السابق التدخل في كل صراع داخلي فوق المعمورة وإمداد الأطراف التي تبدو الى جانبها بالسلاح. هناك الآن أيضاً مصلحة لإمداد «فتح» بالسلاح لدعمها في مواجهة «حماس». الجنرال الأميركي كيت دايتون أعدّ خطة من هذا القبيل، حيث يفترض من خلالها أن تقوم إسرائيل بإمداد قوات أبو مازن بالسلاح.
لماذا نعم؟: على اسرائيل أن تساعد بكل استطاعتها كل من يكافح ضد «حماس»، وإمداد «فتح» بالسلاح سيزيد من فرص تغلبها على «حماس».
لماذا لا؟: الفريق غابي اشكنازي ورئيس الطاقم السياسي – الأمني في وزارة الدفاع، اللواء احتياط عاموس جلعاد، يعارضان إمداد «فتح» بالسلاح بشدة، لأنهما يعتقدان أن هذا السلاح سيوجه في نهاية المطاف نحو الإسرائيليين. يعتقد اشكنازي أن هزيمة «فتح» أمام حماس مؤكدة، ولذلك لا جدوى من إعطائها السلاح. «الشاباك» أيد في السابق إعطاء السلاح لـ«فتح»، إلا أنه غيّر موقفه قبل أشهر خشية أن يصل السلاح لـ«حماس».
عملية سياسية
الخيار السياسي أيضاً يجب أن يؤخذ في الحسبان. من البديهي أن عنوان المبادرة السياسية القوية التي تغيّر الواقع الاستراتيجي في المنطقة يمكن أن يكون أبو مازن فقط، في اطار عملية سياسية يمكن إسرائيل أن تعطي الفلسطينيين امتيازات ومكاسب اقتصادية معززة بذلك المعسكر المعتدل، كما أن دفع المبادرة العربية الشاملة للحل في الشرق الأوسط سيشجع المعتدلين ويحشر الإسلاميين المتطرفين في الزاوية.
لماذا نعم؟: المبادرة السياسية لا تنطوي على مخاطرة بالأرواح. إذا نجحت – هناك الكثير مما يمكن كسبه.
لماذا لا؟: أبو مازن أثبت بصورة لا يرقى اليها الشك في الماضي أنه حصان لا قيمة للمراهنة عليه. ليست لديه أي قدرة على إحداث التهدئة الأمنية، وحماس عقدت حلفاً استراتيجياً أصلاً مع ايران، لذلك ستستخف بكل مبادرة سياسية بما فيها تلك التي تشارك فيها الدول العربية المعتدلة.
حل تكنولوجي
على المحك، هناك خطة تطوير صاروخ اعتراضي مضاد يتمكن من مهاجمة صواريخ «القسام» وهي في الجو وتدميرها. المشروع المسمّى «القبة الفولاذية» انطلق في طريقه قبل أشهر.
هناك وسائل اعتراضية أخرى للصواريخ القصيرة المدى مثل «نيوتيلوس» الذي يستخدم أشعة الليزر، والذي كلّف مئات ملايين الشواكل كمشروع مشترك بين اسرائيل وأميركا. لكن رغم الدعاية، إلا أن هذا المشروع ليس مطروحاً على المحك. تكنولوجيا الليزر ليست ناضجة، ولن توفر رداً على القسام في الأجواء الماطرة أو الغائمة.
لماذا نعم؟ لأنه ليس هناك ما يمكن خسارته غير التكلفة المالية. ومن الأفضل وجود مثل هذه الأسلحة على الأقل لحماية مناطق مقلصة ذات أولوية، مثل محطة الطاقة روتنبرغ أو مدينة سديروت.
لماذا لا؟: لأن المشروع ليس ناجعاً، ومكلفاً جداً، ولا جدوى من صرف عشرات آلاف الدولارات على كل صاروخ من أجل التصدي لصاروخ بدائي يكلف بضع مئات من الشواكل. وإنتاج الصواريخ البدائية أسهل بكثير وأسرع من إنتاج الصواريخ المضادة المكلفة والمعقدة. وإذا حصَّنوا منطقة، فسيطلق الفلسطينيون صواريخهم على مناطق أخرى. من يضع كل آماله على الحل التكنولوجي ملزم التسليم بأنه غير قابل للتطبيق مع مرور الوقت.
الردع الإسرائيلي في وضع صعب
بعد ما حدث في لبنان وما يحدث الآن في غزة، والعالم العربي اكتُشفت نقطة الضعف التي تُنزل اسرائيل على ركبتيها. دروس لبنان، كما وردت في تقرير فينوغراد، لم تستوعَب بعد، وهي تستوجب فحص كل الوسائل والطرق أو الجمع بينها مثل القيام بعملية سياسية متشعبة بموازاة عملية عسكرية معينة. والسؤال الآن هو هل سيؤدي تقرير فينوغراد الى تحسين عملية صنع القرارات في الحكومة، أم سيؤدي على عكس ذلك الى شلّها.