يراقب آفي فرحان، أحد سكان مدينة سديروت في جنوب إسرائيل، بذهول منزلاً أصيب للتوّ بصاروخ فلسطيني أطلق من قطاع غزة، ويعلق بأسف: «الحكومة تخلت عنا».فرحان كان يقيم في مستوطنة داخل قطاع غزة أخلاها الجيش الإسرائيلي في صيف 2005، ويذكر بأنه حذر من أن الانسحاب الأحادي الجانب سيزيد الوضع تدهوراً، وخصوصاً في المدن المحاذية للحدود. ويقول، مشيراً إلى الفجوة التي أحدثها الصاروخ في سقف المنزل: «لم أكفّ عن القول إن الوضع سيزداد سوءاً حين طردنا من منازلنا، وتلك هي النتيجة».
أما مالك المنزل، رؤوفين الباز، فهو من سكان الحي القلائل الذين لم يغادروا المدينة. ويتساءل رداً على من يحضونه على الاستراحة بعيداً من مرمى الصواريخ الفلسطينية: «أعيش هنا منذ 55 عاماً، أين يذهب شخص في مثل سني؟».
الأضرار في بيته كبيرة. الزجاج المتناثر يملأ المكان والغبار يلف الأثاث والملابس.
وينتهز جيرانه وجود الصحافيين ليصبوا غضبهم على الحكومة، وخصوصاً وزير الدفاع عامير بيرتس المقيم في سديروت.
ويقول آفي كوهين (30 عاماً)، الذي يجهز حقائبه لتمضية بضعة أيام بعيداً من سديروت، إن بيرتس «لا يتقن سوى الكلام، ولا يستطيع القيام بشيء، فليضمن أمننا أو ليستقل».
وأشرفت وزارة الدفاع الإسرائيلية الخميس على مغادرة 760 من سكان سديروت إلى مراكز استقبال للنازحين، بعد بضعة أيام من عملية مماثلة مولها الملياردير الروسي الأصل أركادي غيداماك. وبلغ عدد سكان المدينة الذين نزحوا أو تم إجلاؤهم حتى الآن، بحسب تقارير إسرائيلية، نحو 4500.
وتدافعت مجموعات من الإسرائيليين المذعورين للفوز بمكان في حافلات وفرتها السلطات الإسرائيلية لتخرجهم للمرة الأولى من المدينة. وكان النساء والأطفال غالبية من أرادوا الاستفادة من أول عرض لوزارة الدفاع الإسرائيلية لنقل المدنيين في حافلات خلال العطلة الأسبوعية إلى فنادق في شمال إسرائيل.
ونفى المسؤولون الحكوميون، الذين لا يرغبون عادة في تنظيم نقل سكان من البلدات الواقعة على الحدود لتفادي الظهور بمظهر المتقهقر، أن يكون ما حدث «إخلاء» رسمياً.
وتحولت المدينة شبه المقفرة إلى محج للساسة الإسرائيليين الذين بدأوا بالتوافد إليها، بعضهم جاء متستراً بجنح الظلام، كما فعل رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ووزير دفاعه بيرتس، مساء أمس، والبعض الآخر في وضح النهار، كما فعل رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو مع وفد من حزب الليكود، في خطوة لا تخلو من الغمز من قناة أولمرت.
وفي أمكنة من المدينة يقوم متطوعون تابعون لجمعية خيرية بتوزيع ألعاب ومواد غذائية على الأحياء الأكثر فقراً.
ويقول مدير الجمعية، ليور زاقوري: «لا نستطيع أن نجلب لهم الأمن، لكننا نقول لهم إنهم ليسوا وحيدين».
وسلم رئيس الوكالة اليهودية زيف بيلسكي العمدة إيلي مويال شيكاً بقيمة مليونين ونصف مليون دولار هبة من اليهود الأميركيين.
ورحب آفي كوهين بهذه المبادرات، لكنه استدرك قائلاً إن «المهم أن نتمكن من تربية أولادنا في أجواء آمنة في سديروت، وهذا ما لم يوفره أحد».
وتقول الشرطة الإسرائيلية إن نحو مئة صاروخ سقطت على سديروت خلال اليومين الماضيين، ما أدى إلى إصابة عشرات الأشخاص بجروح متفاوتة.
ويعتقد كثيرون من سكان البلدة، التي توجد فيها نسبة بطالة مرتفعة، أن الحكومة تركتهم نهباً للصواريخ، وأن الإغاثة القصيرة الأمد لا تعوض اتخاذ إجراءات ضد المسلحين.
وقال مزارع عاطل من العمل يدعى ايال هاجبي إن «الوضع مروع. ما يجب على الحكومة فعلاً عمله هو أن تقول لهم في غزة.. صاروخ آخر وسينتهون جميعاً». وأضاف المزارع، متحدثاً عن القيادة السياسية الإسرائيلية التي تعصف بها فضائح: «أين ذهب أمننا؟ لا يعنيني مقدار ما يسرقونه... فقط وفروا لي قليلاً من الأمن. هذا كل ما أطلبه».
(أ ف ب، رويترز)