strong>محمد بدير
مخاوف من «فوضى» غزة ونتائجها تحول دون قرار بعدوان بري واسع

قررت إسرائيل أمس تصعيد سقف المواجهة الحالية مع فصائل المقاومة الفلسطينية، فوضعت القادة العسكريين لهذه الفصائل في دائرة هدف الاغتيالات، في وقت لا تزال فيه القيادة الإسرائيلية، بعسكرها وساستها، تحاذر الدخول في صدام بري مباشر مع المقاومة في القطاع، خشية غرقها في وحوله مرة أخرى.
وأقرّ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر لشؤون الأمن القومي وضع القادة العسكريين لحركتي «حماس» و«الجهاد» على هدف التصفية التابع للمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية. وأقر المجلس تصعيد العمليات العسكرية ضد خلايا مطلقي صواريخ «القسام» وبُناها التحتية.
وأصدر ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية بياناً في ختام الاجتماع، الذي استمر أكثر من ثلاث ساعات، جاء فيه أنه «تقررت المصادقة للمؤسسة الأمنية على تصعيد الخطوات العملانية التي تهدف إلى وقف إطلاق الصواريخ واستهداف البنى التحتية الإرهابية التي تقف وراء عمليات الإطلاق». وأضاف البيان «إن النشاط العملاني سيتركز في هذه المرحلة على أهداف حماس والجهاد الإسلامي، المسؤولتين عن التصعيد الراهن، وإذا لم تؤدّ الإجراءات التي تقررت إلى إحراز الهدوء، فإن المجلس سيجتمع من أجل دراسة خطوات إضافية، أكثر حدة».
وأوضح البيان أن «الإجراءات العسكرية ستترافق مع جهود سياسية وإعلامية على الساحة الدولية من أجل شرح النشاط الإسرائيلي وإيجاد المناخ والروافع السياسية المناسبة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تقررت».
وكما كان متوقعاً، امتنع المجلس عن إقرار عمليات برية واسعة في قطاع غزة، رغم مطالبة عدد من الوزراء بذلك، من بينهم وزير التهديدات الاستراتيجية، أفيغدور ليبرمان، الذي دعا إلى احتلال محور فيلادلفي وإلى تقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق معزولة. إلا أن الغالبية الساحقة من الوزراء الآخرين عارضت هذا التوجه، وفي مقدمهم رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، ووزير الدفاع، عامير بيرتس.
وحاول أولمرت امتصاص هذه الدعوات التصعيدية، خلال الاجتماع، قائلاً إنه لا يستبعد أية خطوة «لكن ذلك سيحصل لاحقاً. فإذا صعّدوا (المقاومة الفلسطينية) أعمال العنف، سنصعّد إلى مراحل أخرى». ورأى أولمرت أنه «لا حلّ سحرياً للقسام، ولا حل نظرياً. فمن الواضح أن أي حل سيكون معقّداً، وله تداعيات في ألف اتجاه، لذلك سنتحرك تدرجياً، وسنرفع اليوم سقف التصدي للبنى التحتية للإرهاب وقادته، والهدف هو جباية ثمن باهظ جداً من حماس والجهاد الإسلامي».
وأفادت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي بأن أولمرت ألمح إلى أن الثمن الذي قد تدفعه إسرائيل، من جانبها، جراء قرارها هذا، هو مزيد من التصعيد قد يصل حد تنفيذ «عمليات انتحارية في الداخل».
وأوضحت تقارير إعلامية إسرائيلية ماهيّة القرارات التي اتخذت، فأشارت إلى أنها تعني تكثيف النشاط الهجومي الجوي على خلايا القسام ومخازن السلاح والذخيرة والمخارط التابعة لحماس والجهاد، إضافة إلى استهداف قادة تشكيلاتهما العسكرية، مع استبعاد أن يشمل هذا الاستهداف القيادة السياسية في هذه المرحلة. وسينفّذ الجيش عمليات برية محدودة من أجل إبعاد الخلايا الصاروخية عن الحدود الشمالية للقطاع.
ورأت وزيرة الخارجية الإسرائيلية أن «هناك صمتاً سياسياً (دولياً) يسمح لإسرائيل بالتحرك عسكرياً»، مشيرة إلى أن الهدف ليس الوصول إلى الهدوء بل وقف تنامي قوة حماس من خلال وقف عمليات تهريب السلاح على محور فيلاديلفي، وكذلك من خلال تقديم الدعم لحركة «فتح».
وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي إسرائيلي إنه تقرر «العمل على تفعيل روافع سياسية من أجل وقف تهريب الوسائل القتالية»، مشيراً إلى أن «هذه المسألة ستحتل رأس الأولويات الدبلوماسية الإسرائيلية على الساحة الدولية».
وتلقّى الوزراء خلال اجتماعهم عرضاً أمنياً بشأن آخر التطورات، أظهر أن عدد الصواريخ والقذائف التي سقطت في سديروت والبلدات المحيطة بقطاع غزة في الأيام الأخيرة بلغ أكثر من 140، بينما بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين من نشطاء «حماس»، بحسب الإحصاء الإسرائيلي، نحو 40.
وكان أولمرت قد هدد، لدى افتتاحه اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوعي قبل ظهر أمس، بتصعيد عمليات الاغتيال التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضد نشطاء «حماس» في قطاع غزة.
وقال أولمرت إن «منظمة حماس الإرهابية، التي هي جزء من الحكومة الفلسطينية، أثبتت مجدداً للعالم أنها منظمة إرهابية دموية». وأضاف «لقد قُتل العشرات من عناصر حماس في عملياتنا العسكرية، فهم يدفعون الثمن وسيدفعون ثمناً شخصياً باهظاً جداً»، وتابع «إذا لم تسفر الخطوات المحسوبة التي نتخذها على النطاق السياسي والعسكري عن الهدوء المطلوب فسنضطر إلى تشديد ردنا».
أما بيرتس، فقد أشار، خلال جولة ميدانية أجراها على قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش، إلى أن المواجهة الحالية مع حماس «قد تستمر لبعض الوقت، وفقاً للتقديرات التي لدينا»، مضيفاً «لن نسمح لحماس بإملاء حالة الروتين أو الطوارئ على سديروت والنقب الغربي، وأعتقد أننا سنبدأ بالعمل على نمط آخر، وسيسمعون (حماس) عن عمليات الجيش في وسائل الإعلام بعد تنفيذها لا قبله».
وشددت تقارير إعلامية إسرائيلية على وجود تحفظ لدى رأس هرمي القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل على التحرك البري الواسع داخل قطاع غزة. ويفضل أولمرت، الذي يعتقد أن عملية برية واسعة قد تستمر أشهراً وستصطدم بمقاومة عنيفة وتقود إلى تورط سياسي في غير وقته على المستوى العربي والدولي، التركيز على العمليات الموضعية. ويشارك الجيش الإسرائيلي، وعلى رأسه قائد الأركان غابي أشكنازي، أولمرت هذا التصور.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن ضابط رفيع المستوى قوله إن المؤسسة العسكرية تتحفظ على إدخال قوات برية كبيرة إلى القطاع في هذه المرحلة. وأضاف الضابط «اذا فكرنا بأنه يتعين القيام بعملية كبيرة في غزة فسنفعل ذلك، لكن يجب التفكير في امور كهذه من النهاية الى البداية، والسؤال: ما الذي سنفعله في اليوم التالي، بعد أن نحتل». وأوضح الضابط أن «احدى المشاكل في غزة الآن هي صعوبة العثور على عنوان لإدارة الحوار معه. لا يوجد أي مركز ثقل. هناك فوضى في غزة. هذه هي القصة المركزية في واقع الحال».
وذكرت صحيفة «معاريف» أن الأداء الميداني لحركة «حماس» في الصدامات المسلحة التي خاضتها مع فتح الأسبوع الماضي في غزة ولّد انطباعاً مثيراً لدى الجيش الإسرائيلي الذي راقبها عن كثب. وبحسب الصحيفة، فإن الجيش استنتج أن القدرات القتالية لـ«حماس» تحسنت كثيراً، وذلك يعود «إلى أن رجال الحركة اجتازوا في السنة الاخيرة تدريبات عسكرية في ايران».


دعا وزير «التهديدات الاستراتيجية» الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان إلى إطلاق يد الجيش «لتحطيم حماس بالكامل»... وقال ليبرمان بنبرة تهديدية إن «ائتلاف الحكومة الحالية وصل إلى لحظة الحقيقة: إما تفكيك حماس أو تفكيك الحكومة الإسرائيلية»، في إشارة إلى إمكان انسحابه منها. وأضاف «أنا لا أوجّه إنذاراً، لكن حان الوقت لوقف إطلاق التصريحات والتهديدات، والبدء بتنفيذ عمليات شديدة وجريئة وغير اعتيادية».