«معاريف» ـ بن كسبيت
قال أحد صانعي القرار إن «اليهود أصبحوا ضعفاء ولا يُعقل أن نبقى أسرى ردود الفعل الاندفاعية هذه. في حرب الاستنزاف، كانت كتائب المدفعية العراقية مُرابطة في تلال إربد وطحنت بيسان، وكانت تطلق يومياً قذائف 130 مليمتراً. فهل أخلينا المدينة؟ مع كل الاحترام، لا يمكن ترك قتيل أو قتيلة أو مخطوف يؤثر على السياسة والتفكير الاستراتيجي وقرارات الدولة. الحماسة والاندفاع لا يُكلفان مالاً، لكن مغزاه مُكلف فعلاً. هناك حاجة إلى الهدوء وبرود الأعصاب».
منذ بداية أيار وحتى أول من أمس، سقط على سديروت 166 صاروخ قسام. (وأول من أمس) سقطت أول قتيلة في الموجة الحالية. عدد المصابين هامشي بالمقارنة مع الضرر النفسي والبيئي والانساني الذي لحق بالمدينة الإسرائيلية. ومع ذلك، يُطرح السؤال: من أين ينظرون إلى الامور؟ من سديروت تبدو الامور مختلفة عما تبدو عليه من القدس.
يجب الاعتراف بالواقع الوحشي الذي علقنا فيه: لو كان القسام قد سقط داخل روضة اطفال أو صفّ دراسي لتحدّث المسؤولون عن ذلك بشكل مغاير تماماً، لأن ما يحدث هنا في نهاية المطاف هو رد فعل مشروط مرتبط بمحك السخافة ومعيارها. هناك حاجة ماسة الى إتاحة المجال للمستوى السياسي المتكلس في ظل أضواء فينوغراد المسلطة عليه، حتى يرسل الجنود الى عملية برية. عندنا لا يتحركون إلا بعد الضغط، ولا يفهمون إلا لغة القوة، ولا يردون إلا عندما لا يكون هناك خيار آخر.
... اريئيل شارون في حينه، كان يستيقظ في الليل على صوت صواريخ القسام التي كانت تسقط على مسافة غير بعيدة منه. كان ينهض ويستشيط غضباً. شارون كان يرفع سماعة الهاتف فوراً لوزير الدفاع (شاؤول) موفاز. كان شارون يُهدّد، قبل فك الارتباط: «إذا أطلقوا علينا صواريخ القسام بعد انسحابنا فسيكون ردنا فظيعاً وقوياً».
أمس، في الساعة التاسعة والربع مساءً، سجلت لحظة تلفزيونية نادرة: في تلك الثانية بالضبط، ظهر عامير بيرتس على القناة الاولى في برنامج عن الوضع في سديروت بينما كانت زوجته تتحدث مع يائير لبيد على القناة الثانية. في تلك الاثناء، كان إيهود اولمرت يشق طريقه نحو سديروت، «حتى يعانق المواطنين». من شدة العناق والأحاديث والمقابلات التلفزيونية.. لا يحاول أحد ابتداع حلّ خلّاق.
وزارة الخارجية تحولت منذ زمن إلى نكتة. المداولات والأحاديث والكلام الفارغ بلا نهاية وبلا مضمون. بدلاً من أن يكونوا الآن في ذروة حملة دولية هائلة لإضفاء الشرعية على الردود الاسرائيلية التي يمكن أن تحدث من جانب اسرائيل رداً على «القسام»، وكشف الوجه الحقيقي لـ «حماس»، تجلس الوزيرة تسيبي لفني في سديروت وتلتقط الصور. بدلاً من بلورة خطة سياسية اقتصادية تحوّل كل المشاريع والاموال في قطاع غزة الى شيء حقيقي على الارض، يواصل قادتنا، بمن فيهم شمعون بيريز، التقاط الصور في دافوس.
... في الجيش أيضاً يفقدون صبرهم. رئيس هيئة الأركان طرح أمام المجلس الوزاري المصغر خمس درجات من العمليات الممكنة. لا نيّة للتقدم إلى الأمام في هذه المرحلة. مطالبة الجيش برد على صواريخ «القسام» من دون عملية عسكرية ملموسة تشبه مطالبة الأعمى بالبحث عن الكنز. الجيش يملك خطة منظمة لاحتلال شريط أمني في المنطقة الشمالية من القطاع. المستوى السياسي لا يصادق عليها. من الناحية الأخرى، أوضحوا أمس في حاشية رئيس الوزراء، أن القرار قد اتّخذ: حماس قررت العودة إلى الإرهاب على ما يبدو وليس إلى الصواريخ فقط.
اسرائيل من ناحيتها قررت العودة إلى الحرب الجليّة على «حماس»، حتى إذا توقف إطلاق صواريخ «القسام» غداً صباحاً، فإن الوضع لن يعود الى سابق عهده، مثلما يقولون في حاشية اولمرت. الصراع ضد «حماس» سيتواصل بشدة. القيادة السياسية ليست في دائرة الاستهداف، خلافاً لما نُشر، لأسباب، منها أنها غير ذات صلة. القيادة العسكرية هي المطلوبة وبشدة. كل القيادة العسكرية التي ستنزل من الآن تحت الأرض، الأمر الذي سيُصعب عليها القيام بنشاطاتها. اسرائيل ستعود الى الهجوم، لكن في هذه الاثناء علينا أن نواصل إحصاء عدد القتلى والجرحى.