strong>محمد بدير
يخوض حزب العمل الإسرائيلي اليوم تجربة انتخابية داخلية لاختيار رئيس جديد له، في خطوة تأتي عقب سلسلة من الإخفاقات وانخفاض في مستوى شعبيته، ويُتوقع أن يكون لها تأثير بالغ على موقفه من بقائه في الحكومة الحالية، وعلى حظوظه في الانتخابات العامة لاختيار الكنيست المقبل

  • إجماع على ضرورة البقاء في السلطة... ومصير حكومة أولمرت على المحكّ

    سواء قُدّر لانتخابات الرئاسة داخل حزب العمل أن تحسم اسم الفائز اليوم، أو اقتضى تشتت الأصوات بين المرشحين الخمسة إجراء جولة ثانية بعد أسبوعين، وسواء جدّد الناخبون ثقتهم بعامير بيرتس مانحين إياه فرصة جديدة لقيادة الحزب، أو قرروا استخلافه بزعيم آخر، فإن الثابت بشأن نتائج هذه الانتخابات، مهما كانت، هو أنها ستحدّد شكل ومصير الحكومة الإسرائيلية، ليس الحالية فقط، وإنما تلك التي ستخلفها أيضاً، والتي ترجح كلّ التقديرات ألّا تطول الفترة الفاصلة عن تشكيلها إلى ما بعد نهاية العام المقبل.
    فلا خلاف بين المراقبين على أن انتخابات اليوم هي أشبه باستفتاء بين منتسبي حزب العمل على الموقف من الحكومة الراهنة، إن لجهة رئاسة إيهود أولمرت لها، أو لجهة استمرار الشراكة مع حزب كديما، أو لجهة التعايش فيها مع الحزب اليميني المتطرف، «إسرائيل بيتنا»، برئاسة أفيغدور ليبرمان.
    وإن كانت المعطيات المتوافرة تؤشر إلى إجماع في أوساط الحزب على ضرورة البقاء في مقاعد السلطة، لاعتبارات ترتبط بالحد من المكانة المتراجعة للحزب على الحلبة السياسية والشعبية، فإن الخلافات بين المرشحين بشأن هذا الاستحقاق تجزم بأن هذا البقاء سيأخذ أشكالاً مختلفة، وفقاً لرأي الفائز في نهاية المطاف؛ ففيما أعلن عامي أيالون رفضة الانضواء في حكومة يرأسها أولمرت، الذي اتهمه تقرير فينوغراد بالفشل القيادي، صرح إيهود باراك، بموازاة دعوته أولمرت إلى الاستقالة، أنه سيقبل بتولي حقيبة الدفاع في حكومته لفترة انتقالية غير محددة. كما أن أوفير بينيس، الذي استقال من الحكومة احتجاجاً على انضمام حزب إسرائيل بيتنا إليها، لن يقبل، في حال فوزه المستبعد برئاسة العمل، بالبقاء فيها إلى جانب هذا الحزبومع الجزم بانعدام فرص المرشح داني ياتوم بالنجاح، يبقى عامير بيرتس، صاحب المصير المشترك مع أولمرت، مكتفياً بإعلان العزم على استبدال حقيبة الدفاع بحقيبة المال في حكومة الأخير.
    بيد أن تداعيات فوز أي من المرشحين لا تقف عند حدود الحكومة الحالية، بل تتعدّاها لتؤثر في موقع حزب العمل في انتخابات الكنيست المقبلة، التي تجمع التوقعات في إسرائيل على ترجيح حصولها عام 2008؛ إذ لا شك في أن هوية زعيم الحزب ستنعكس، حينئذ، بشكل كبير، على فرصه الانتخابية في مواجهة حزبي كديما، في حال بقائه، والليكود. وبهذا المعنى يمكن القول إن انتخابات حزب العمل اليوم هي عملياً، من جهة، اقتراع لتحديد شخص وزير الدفاع في ما بقي من عمر حكومة كديما، ومن جهة أخرى، اقتراع لتحديد المرشح العمالي لرئاسة الوزراء خلال فترة لا تبدو بعيدة.
    وفي ما يلي إطلالة موجزة على المرشحين الخمسة:
    عامير بيرتس
    شهد نجم بيرتس صعوداً نيزكياً مع فوزه برئاسة الحزب في مواجهةديناصور السياسة الإسرائيلية، شمعون بيريز، في تشرين الثاني عام 2005. وبرغم عدم فوزه لاحقاً برئاسة الوزراء، في الانتخابات العامة في آذار 2006، إلا أن ترؤس اليهودي من أصول شرقية للحزب الأكثر أشكنازيةً في إسرائيل كان إنجازاً لم يتمكن أحد من إنكاره. إلا أن قبوله، وهو القادم من النقابات العمالية رافعاً راية الأولوية الاجتماعية، بتسلّم حقيبة الدفاع في حكومة أولمرت، مثّل بداية التحول في موقف الرأي العام الإسرائيلي منه، ووصل هذا التحوّل نقطة الحضيض مع انتهاء عدوان تموز على لبنان إلى النتائج الفاشلة التي ثبّتها بشكل رسمي تقرير فينوغراد. منذ تلك اللحظة أصبح بيرتس شخصاً معزولاً داخل حزبه، وتُرجم ذلك بتأييد أكثرية الحزب لتقديم موعد الانتخابات الرئاسية. ويرى المراقبون أن أكثر ما يمكن أن يطمح إليه بيرتس في هذه الانتخابات، بعد تضاؤل احتمالات فوزه، هو أن تكون له كلمة الفصل في ترجيح الفائز في الجولة الثانية.
    إيهود باراك
    نتائج عدوان تموز انعكست شعوراً عامّاً في إسرائيل بالحاجة إلى مرشح من ذوي التجربة والخبرة العسكرية، وهذا ما رفع أسهم الجنرال إيهود باراك القادم من صحراء السياسة الإسرائيلية التي هاجر إليها بعد خسارته رئاسة الوزراء في شباط 2001 في مقابل أرييل شارون. العودة المتأخرة، جاءت بعد أن جمع ثروة لا بأس بها جرّاء عمله مستشاراً سياسياً لشركات عملاقة في السنوات الخمس الماضية.
    وقد عاد باراك إلى السياسية بشكل رسمي عام 2005، حين أراد ترشيح نفسه لرئاسة حزب العمل، إلا أنه تراجع ودعم ترشيح شمعون بيريز الذي خسر لمصلحة بيرتس. بعد ذلك، عمل على الاستعداد للحظة اليوم من خلال بناء معسكر قوي داخل الحزب، ترأّسه بنيامين فؤاد بن العيزر. فرص باراك في الفوز تنحصر في الجولة الأولى، ولذلك يعمل جاهداً على تفادي الوصول إلى جولة ثانية تؤكد الاستطلاعات أن الحسم فيها سيكون في مصلحة منافسه عامي أيالون.
    عامي أيالون
    يراهن أيالون، كما باراك، على ماضيه العسكري، كأميرال سابق، والأمني كرئيس سابق لجهاز الشاباك. كما يراهن على سمعته النظيفة وعدم تلوثه بفساد السياسة الإسرائيلية حتى الآن. إلا أن حداثة عهده بالسياسة هي نقطة الضعف الرئيسة التي يعانيها أيالون، وهي النقطة التي يركّز منافسوه على التصويب عليها. فهو دخل معترك السياسة قبل عامين حين انضم إلى حزب العمل، وهو عضو كنيست للمرة الأولى، ولم يشغل أي منصب حكومي في السابق.
    وقد أعطى أيالون منافسيه مادة خصبة في التقلّبات التي أظهرها أخيراً بشأن الموقف من مشاركة أولمرت في الحكومة. فقد أعلن قبل تقرير «فينوغراد» أنه لن يطالب أولمرت بالاستقالة، ثم عاد وغيّر موقفه بعد صدرو التقرير. رغم ذلك، يعدّ أيالون، بحسب الاستطلاعات، المرشح صاحب الحظ الأوفر بالفوز، سواء في الجولة الأولى، أو بشكل مؤكد في الجولة الثانية.
    أوفير بيينس وداني ياتوم
    برغم انعدام فرص هذين المرشحين، إلا أن الدافع الوحيد لاستمرار خوضهما المنافسة، برأي المعلّقين الإسرائيليين، هو أنهما لا يملكان ما يخسرانه في حال عدم الفوز. وفيما لا يملك ياتوم ورقة فارقة يسوّق ترشيحه لرئاسة الحزب بناءً عليها، فإن بينيس، الذي استقال من الحكومة احتجاجاً على دخول أفيغدور ليبرمان إليها، يقدّم نفسه على أنه يمثل الأصالة الفكرية الحقيقية للحزب على مستوى الاستحقاقات السياسية التي له فيها رأي قريب من اليسار.


    سنوات من السلطة
  • تأسس حزب العمل (مباي سابقاً) عام 1930، اثر اندماج حركات عمالية صهيونية متعددة ذات جذور اوروبية شرقية واشتراكية. تعرض لانشقاقات واندماجات مختلفة، الامر الذي تسبب بتغيير اسمائه تباعا من «ماباي» عام 1930 إلى «معراخ» عام 1969، واخيراً «العمل» عام 1988 ولا يزال.
  • قبل قيام إسرائيل، هيمن الحزب على الحركة الصهيونية والاتحاد العمالي العام (الهستدروت)، على منظمة «الهاغاناه» الصهيونية التي كانت عماد الجيش الاسرائيلي لاحقاً.
  • أبقى الحزب على هيمنته على الحياة السياسية في إسرائيل بعد قيام الدولة، وحافظ على أغلبية برلمانية في الكنيست مكنته من تشكيل كل الحكومات حتى العام 1977، وهو العام الذي تمكن فيه حزب «الليكود»، بزعامة مناحيم بيغين، من الفوز بأغلبية ساحقة من المقاعد البرلمانية، سمحت له بانتزاع السلطة من العمل للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل.
  • فشل حزب العمل مرة أخرى في تشكيل الحكومة الاسرائيلية في اعقاب انتخابات الكنيست عام 1981 نتيجة فوز «الليكود» بالأغلبية البرلمانية مجدداً.
  • جراء التعادل في عدد المقاعد بين «العمل» و«الليكود» في انتخابات الكنيست عام 1984، شكل الحزبان «حكومة وحدة وطنية» تناوبا على رئاستها حتى عام 1988، حين فشل في تحقيق الأغلبية في الانتخابات، فقبل المشاركة مرة أخرى بحكومة وحدة برئاسة الليكود.
  • عاد «العمل» إلى رئاسة الحكومة عام 1992، بقيادة إسحاق رابين، تلاه بعد اغتياله عام 1995 شمعون بيريز. لكنه ما لبث أن خسرها لحزب «الليكود» بزعامة بنيامين نتنياهو الذي تولى المنصب حتى عام 1999، قبل أن يعود فيخسره لإيهود باراك في انتخابات مباشرة للمنصب حصلت للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل.
  • بعد فشله في تحقيق اتفاق سياسي مع الفلسطينيين في كامب دايفيد، قرر باراك التوجه، عام 2001، إلى انتخابات مبكرة لرئاسة الوزراء، أفضت إلى خسارته أمام أرييل شارون. رغم الخسارة، قرر حزب العمل المشاركة في الحكومتين اللتين شكلهما شارون، في العامين 2001 و 2003.
  • في أعقاب فوز عامير بيريتس برئاسة الحزب، عام 2005، قرر الانسحاب من الحكومة، ما دفع شارون إلى الإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة، حصلت في شهر آذار 2006، شارك الحزب في أعقابها بحكومة حزب «كاديما» برئاسة إيهود أولمرت.



    المتنافسون
    يتنافس على زعامة حزب العمل الإسرائيلي خمسة مرشحين هم: وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الحزب الحالي عامير بيرتس، رئيس الأركان ورئيس الحكومة السابق إيهود باراك، الأميرال ورئيس الشاباك السابق عامي أيالون، رئيس الموساد السابق داني ياتوم والوزير المستقيل أوفير بينس. وتشير استطلاعات الرأي، وسط الناخبين العماليين الذين يزيدون على مئة ألف، إلى أن التنافس الرئيسي يدور بين باراك وأيالون على وجه خاص. أما بيرتس فلا يملك حظوظاً واقعية بالفوز، ناهيك عن أن احتمالات فوز كل من ياتوم وبينس هي، بحسب الاستطلاعات، معدومة.
    وبموجب النظام الداخلي لحزب «العمل»، ينبغي للمرشح أن يحصل على نسبة 40 في المئة من أصوات الناخبين ليفوز في الانتخابات. أما في حال عدم حصول أي من الناخبين على هذه النسبة، فيؤجل الحسم إلى جولة ثانية تجرى بعد أسبوعين من موعد الجولة الأولى، ويتنافس فيها المرشحان اللذان حصلا على أعلى نسبة من الأصوات.
    ويشغل حزب «العمل» حالياً 19 مقعداً من 120 في الكنيست الإسرائيلي، ويشكل أبرز حليف لحزب كاديما برئاسة رئيس الحكومة إيهود أولمرت في الائتلاف الحكومي.