محمد بدير
من أمل واعد لحزبه باستعادة أمجاد ضائعة، تحول عامير بيرتس إلى حصان خاسر، يبدو أنه لا أحد سينسى اسمه. ومع ذلك، فإن سيرته السياسية حافلة بمحطات بارزة تشير إلى صعود نيزكي لناشط محلي أضحى رئيساً لأعرق الأحزاب الإسرائيلية والرجل الثاني في هرمية القرار الإسرائيلي. كما أنه يحتفظ بقصب السبق على صعد عديدة: فهو أول شخص تزعم حزب العمل من دون ماضٍ أمني وعسكري، وهو أيضاً أول منحدر من أصول شرقية يصل إلى هذا المنصب، فضلاً عن أنه أول من تمكن من كسر احتكار طبقة محددة للتنافس على رئاسة العمل والفوز بها، وهي طبقة الصف القيادي الأول المنحدر من أصول غربية (أشكنازية).
وإلى حين تسلمه حقيبة الدفاع في حكومة إيهود أولمرت، وهي الخطوة التي انتقدت بوصفها تخلياً عن شعارات اجتماعية دأب على رفعها، كان يغلب على بيرتس طابع الكفاح العمالي الطبقي، وهو طابع تطعَّم بمسحة شعبوية غير نخبوية، انعكست في مظهره الخارجي (تمسكه بشاربيه، ولباسه الذي يخلو عادة من ربطة العنق)، وهي تعود إلى نشأته الفقيرة التي يقال إنه لم ينسها. وبحسب مقربين منه، تتميز شخصية بيرتس بحماسة متوقدة وبنزعة تسلطية في الإدارة والحكم تجلت إبان رئاسته للهستدروت، ولاحقاً في رئاسة الحزب.
ولد بيرتس في عام 1952 في مدينة «بوجاد» المغربية، وحمل في طفولته اسم «أرمند»، وهاجر إلى إسرائيل في سن الرابعة من عمره، ونشأ في مخيم استيعاب سُمي في حينه «سديروت» شمال قطاع غزة، تحول لاحقاً إلى مدينة كبيرة تحمل الاسم نفسه.
خضع بيرتس لدورة ضباط بعد تجنده في الجيش الإسرائيلي، وخدم كضابط تسليح برتبة نقيب في سلاح المظليين. وقبيل انتهاء خدمته العسكرية، أصيب في 22 نيسان عام 1974 بجروح خطرة في ساقه بحادثة عربة مدرعة ضمن تدريبات في سيناء، خضع بعدها لفترة علاج امتدت لسنتين. بعد تسرحه من الخدمة العسكرية، اشترى مزرعة للزهور في مستوطنة نير عكيفا، وخلال هذه الفترة تزوج وأنجب أربعة أطفال.
دخل بيرتس الحلبة السياسية من بوابة العمل البلدي عام 1983، حين رشحه حزب «المعراخ» (العمل لاحقاً) لرئاسة بلدية سديروت، المنصب الذي شغله لخمس سنوات. في الانتخابات البرلمانية عام 1988، دخل الكنيست عضواً عن حزب العمل، حيث اتسم نشاطه النيابي بمناصرة القضايا الاجتماعية، ورأس في هذا السياق لجنتي العمل والرفاه والصحة.
في أوائل عام 1994، قاد مع زميله في الكتلة البرلمانية حاييم رامون تمرداً على إرادة قيادة الحزب في انتخابات اتحاد النقابات العامة، «الهستدروت»، فخاضاها بقائمة مستقلة وتمكنا من إلحاق الهزيمة بحزبهم الذي سيطر على الهستدروت منذ تأسيسها. بعد أيام من اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحق رابين، قرر رامون ترك رئاسة الهستدروت، ليستوزر في حكومة شمعون بيريز، فخلفه بيرتس في المنصب متخذاً إياه رافعة لطموحات سياسية تُرجمت لاحقاً بتأسيس حزب «شعب واحد» الذي تمكن من الفوز بمقعدين في الكنيست في انتخابات عام 1999.
في مطلع عام 2005، عاد بيرتس إلى حزبه الأم، مدشناً الطريق نحو زعامته التي تنافس عليها وفاز بها، خلافاً لكل التوقعات واستطلاعات الرأي، في مواجهة ديناصور الحزب شمعون بيريز. وعلى الإثر، قرر الانسحاب من الائتلاف الحكومي مع الليكود برئاسة أرييل شارون، ما دفع نحو إجراء انتخابات عامة مبكرة أجريت في آذار 2006 وحصل فيها حزب العمل على 19 مقعداً.
في الحكومة الجديدة، قبل بيرتس بحقيبة الدفاع، رغم مطالبته بالمالية، وواجه فور تسلمه المنصب تحديات أمنية كبيرة، أهمها عدوان تموز على لبنان، الذي شكل، بإجماع المراقبين، بداية النهاية لحياته السياسية.