strong>فراس خطيب
الترويج لمخاطر على الجاليات اليهودية في العالم، أسلوب إسرائيلي قديم لجلب من بقي منهم إلى إسرائيل، ويبدو أن الدور حالياً على اليمن، حيث بدأت الصحف الإسرائيلية ادعاء خطر «حوثي» على اليهود هناك

  • رون بن يشاي يزور صنعاء «سرّاً»: استُقبلت بحفاوة

    نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في ملحق «عيد الفصح» اليهودي أمس، تحقيقاً مطولاً، كتبه الصحافي رون بن يشاي، بعدما قضى عشرة أيام «سراً» برفقة «من بقي من يهود اليمن» في صنعاء.
    ويكشف التحقيق عن «القصة الكاملة» لإنقاذ يهود مدينة صعدة من «مخالب تنظيم شيعي يدعمه الإيرانيون»، في إشارة إلى الحوثيين، قبل ستة أسابيع، ونقلهم على متن طائرتين، كانت بينهما «الطائرة الشخصية التابعة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح». والتقى يشاي اليهود في مكان وصفه بأنه «حكومي»، مستعرضاً حال الـ 370 يهودياً، الذين بقوا هناك.
    وقالت الصحيفة، إنَّ الرئيس اليمني، بنفسه، بادر وراقب شخصياً حملة لإنقاذ 54 يهودياً من محافظة صعدة. وقال أحد اليهود، ويدعى يحيى يوسف مرحبي (32 عاماً) بـ «لغة عبرية»، مستعيداً ما حصل قبل ستة أسابيع، إنَّ طائرتي ركّاب صغيرتين هبطتا واحدة تلو الأخرى في صعدة، مضيفاً أنَّ رجال الشرطة اليمنيين قسّموا اليهود إلى قسمين ونقلوهم إلى الطائرتين المنتظرتين. وقال إنه استطاع مشاهدة ما كتب على إحدى الطائرتين بقوله «كانت الطائرة تابعة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، يحفظه الله من كل سوء».
    وأضافت الصحيفة أنَّ الطائرتين نقلتا اليهود إلى مقر حكومي في صنعاء يدعى «تورز سيتي»، تشدد الحكومة الحراسة عليه، يسكنه خبراء عسكريون غربيون. وكان المبنى تابعاً بالاصل لخبراء سوفيات، وسكنه أخيراً فريق كبير يضم خبراء تجسس غربيين يلاحقون نشطاء القاعدة. وأضافت أن الحكومة اليمنية قدمت معونات لليهود تكفيهم لمدة شهرين، ومنحتهم كل متطلبات العيش والأمن في اليمنوادعى مراسل «يديعوت» أنَّ الجيش اليمني «يستصعب احباط العصيان الذي اندلع شمالي غرب اليمن في محافظة صعدة القريبة من الحدود اليمنية ـــ السعودية لإقامة دولة شيعية في شمال اليمن». وأشار إلى أن اليمن واحد من «أهم أهداف» الايرانيين نظراً للقبائل الشيعية القوية التي تسكن الشمال، ونظراً للعلاقة «القوية» التي تربط صالح مع الغرب عامة ومع الادارة الأميركية خاصة. ورأى بن يشاي أن «الرؤية الغربية التي تبناها علي عبد الله صالح كانت السبب الاساسي في تحسين العلاقات التي تربط النظام اليمني مع اليهود». وأشار إلى أن صالح «فهم أن التعامل الجيد مع يهود بلاده سيكسبه نقاطًا من جانب الغرب وأميركا، ويكسبه تعاملاً جيداً من الكونغرس والإدارة الأميركية»، حيث ألغى صالح «ضريبة الرأس» التي دفعها اليهود في اليمن، و«اعترف بحقهم في التربية الذاتية» و«منحهم الحق في حرية التنقل داخل اليمن وخارجه».
    تورز سيتي
    يعيش اليهود الذين تم نقلهم في مبنى حكومي يدعى «تورز سيتي» في صنعاء. ويروي المواطن اليمني يحيى مرحبي لـ «يديعوت» كيف تم نقلهم ولماذا؟. وقال «جاءني رجل من الجوييم (الجوي هو غير اليهودي)، وأعطاني رسالة إنذار. وكتبوا لنا في الرسالة أننا نقوم بأفعال ليست طيبة حسب الدين الإسلامي. وأرادوا منّا أن نترك بيوتنا ونمضي». وأضاف «قالوا لنا، إذا بقيتم أكثر من عشرة أيام فسنقتلكم».
    وأضافت الصحيفة أنَّ «رسالة التحذير التي تلقاها السكان، وصلت سكان «السالم»، التي تضم اليهود، وكانت موقعة من سعد الخضير، ضابط من مؤيدي الحوثي في القرية.
    ورأى الاهالي في الرسالة العلامة «على أن حياتهم ستتغير. وكان الرابي اليهودي في السالم، سليمان المرحبي «أول من تلقى الرسالة من ايدي مبعوث يحيط به حراس مسلحون».
    ويقول يحيى المرحبي، لـ «يديعوت احرونوت»: «قبل اسابيع دخل بيتي أربعة ملثمين. كانوا مسلحين. أمروني بإطفاء الضوء وضربوني بكل أنحاء جسدي»، مضيفاً أنَّ الملثمين قالوا له «إذا لم تتركوا البيت فسيخطفوننا ويقتلوننا. خرجوا من البيت وأطلقوا النار على نوافذ السيارة».
    وفي اليوم التالي، حسب الصحيفة، جمع سليمان المرحبي يهود القرية، ووضعوا اغراضهم في ثلاث سيارات وهجروا قريتهم متجهين إلى مدينة صعدة. وقال المرحبي «الجيران الجوييم (من غير اليهود)، يحافظون على الأغراض التي تركناها هناك. يحرسهم الله».
    بقي اليهود في محافظة صعدة فترة، وقضوا الأيام الأولى في فندق على حساب الحكومة اليمنية وكانت حراستهم على يد رجال شرطة من النظام اليمني. وقد منحت الحكومة اليهود مصروفهم «إلى أن يتم احباط العصيان الحوثي ويستطيعوا العودة إلى بيوتهم».
    وقال بن يشاي إن يهود السالم كانوا على ثقة بأنهم سيعودون إلى أماكنهم لأن الحكومة اليمنية كانت قد أحبطت العصيان الحوثي في عام 2004، إلا أنَّه أضاف أن «هذا كان قبل أن يتلقى الحوثيون الدعم من ايران».
    وأضاف المراسل أن «الحوثيين استطاعوا احتلال اماكن متعددة على مقربة من محافظة صعدة. وعندها قال الأمين العام لمجلس المحافظة إنه لا يستطع استقبال اليهود والحفاظ على أمنهم، وطالبهم بالانتقال الى مدينة على مقربة من صنعاء تضم اليهود وتدعى رايدة. عندها، ثار اليهود وعارضوا ذلك مبينين من خلال معارضتهم أنَّ الشارع المؤدي لرايدة موجود تحت سيطرة الحوثيين، وهو ما يمثّل خطراً على اليهود. وفي النهاية، قال لهم الامين العام للمحافظة، إن الرئيس علي عبد الله صالح، سيبعث بطائرتين لإخلائهم إلى صنعاء، إلى مكان آمن».
    ويصف الصحافي الاسرائيلي رون بن يشاي كيف دخل المبنى الذي تسكنه عائلة حبيب اليهودية، التي تم نقلها من صعدة إلى صنعاء. وقال إنه استقبل هناك بحفاوة بالغة ووصف اللقاء قائلاً: «سألني اذا كنت يهودياً بالعبرية، عندها قبّل يدي على عادة يمنية يهودية في لقاء مع ضيوف من ابناء شعبنا».
    ويستعرض كاتب التحقيق لقاءً جمعه مع يهودي آخر في صنعاء. يقول «عندما وقفت عند باب المبنى الحكومي الذي يقبع فيه اليهود، أعلنت عن نيتي لقاء المجموعة اليهودية. لكنني واجهت معارضة شديدة. اتصلت بداوود مرحبي، أحد الذين تمَّ انقاذهم، وقال لي إنه لا يمكن دخول مبنى «تورز سيتي» من دون تصريح من الحكومة. وسألني فجأة «هل تتحدث الإيديش (لغة يهودية قديمة)؟» وأجبته «نعم، قليلاً». وسألني «هل تريد مساعدتنا؟» أجبته بـ «نعم». فكر لحظةً وردّ علي بالايديش: «نلتقي في باب اليمن» الواقع في اسوار البلدة القديمة لصنعاء ويدخلون منه إلى البلدة القديمة.
    ويضيف بن يشاي «عندما اقتربت من الساحة المؤدية لباب اليمن وجدت فجأة شابين في العشرين من العمر يضعان كوفيتين على رأسيهما. رفع احدهما الكوفية عن وجهه وسألته «داوود؟»، فردّ بالإيجاب وسارع إلى تغطية رأسه. ويقول مراسل الصحيفة إن الشاب اليهودي داوود شرح له «ما يمر به يهود اليمن». وأضاف أنه كان يتحدث عن معاناة اليهود، وكلما اقترب احد منا كان يغير لغته إلى «الايديش». فقال له بن يشاي «اذا كنتم تعانون مشاكل معقدة كهذه فلماذا لا تهاجرون إلى اسرائيل؟»، فردَّ عليه داوود: «انا ولدت هنا. نحن نحب اليمن». عندها واصل الصحافي الاسرائيلي سؤاله: «ما هو الجيد هنا؟»، فردّ عليه: «اذا سافرت عائلتي الى أميركا فسأسافر معها واذا لم تسافر فسأبقى هنا».


    370 يهودياً تحت سيطرة «أنصار ستامر»ويحذّر «أنصار ستامر» يهود اليمن من الهجرة إلى اسرائيل معتقدين أن يهود اليمن سيتلقون «تربية سيئة» إذا هاجروا الى هناك.
    ولا يحاول رؤساء «انصار ستامر» إقناع اليهود اليمنيين بالسفر الى اميركا لكنّهم يستقبلون طلاباً منهم للتعاليم الدينية في نيويورك. ويجمع انصار ستامر التبرعات من أجل «انقاذ يهود اليمن روحانياً». ينظمون فعاليات يشارك بها طلاب يهود يمنيون. وعندما يعود هؤلاء الى اليمن بعد فترة تعليم متواصلة، يتحولون إلى قادة اليهود في اليمن. وتشير «يديعوت» إلى أن اكثر من 370 يهودياً في اليمن «يقبعون تحت سيطرة أنصار ستامر».



    عندما يأتي المسيح!
    ينقسم يهود اليمن الى مجموعتين، تعيش غالبيتهم (310) في الرايدة في اليمن. وأشارت «يديعوت» الى أن الرابي «موري» هو الحاخام الاصلي ليهود اليمن. ويوجد رابي آخر يدعى سعيد العمار. لكنَّ فايز الغرادي هو من يدير شؤون اليهود في اليمن. تعيش غالبيتهم حياة يهودية. يحتفلون بالاعياد «وينظفون بيوتهم استقبالاً لعيد الفصح». وقال احدهم إن الحكومة اليمنية «وعدتهم بشراء افران كي يخبزوا المصة (خبز من دون طحين يأكله اليهود في عيد الفصح)».
    وقال أحدهم إنَّ العلاقة بين اليهود والمسلمين في اليمن «جيدة»، مشيراً إلى أن «بعض المتطرفين يرشقونهم بالحجارة احياناً»، لكنه استدرك قائلاً «الحمد الله أن الحكومة تحرسنا دائماً. قبل 30 عاماً كان اليهود ملاحقين، لكن اليوم توجد ديموقراطية ومساواة أيضاً لليهود في اليمن». وأضاف أنه «لن يهاجر الى اسرائيل»، مشيراً إلى أنه «عندما يأتي المسيح سنهاجر، والمسيح سيأتي قريباً».



    كانوا يملكون كل شيء
    يعرض التقرير حياة اليمنيين العاديين ومضغهم نبتة «القات». عادة «تبدأ في الصباح حتى نهاية اليوم». وتبدي «يديعوت» اهتماماً واسعاً بهذه النبتة.
    ويعرض رون بن يشاي الحياة في اليمن عن طريق سائق سيارة أجرة يدعى حسن، الذي قال لـ «يديعوت احرونوت» «لا اعرف لماذا ترك يهود اليمن بلادهم. كان لهم كل شيء هنا. حلال وأراض.. والجميع اشترى منهم المجوهرات الجميلة»، مشيراً إلى أن اليهود اليمنيين «سافروا الى اسرائيل وسكنوا ارضاً ليست لهم بل هي تابعة للفلسطينيين».
    وعن اليهود الذين تركوا صعدة، قال السائق انه «لم يسمع بهذه القضية بتاتاً».