محمد بدير
«غطرسة» طبعت قرارات اتخذت على أساس المشاعر والانطباعات، وعلاقة سيئة بين قيادة الأركان وقيادة المنطقة الشمالية التي لم يكن لديها بنك أهداف مكتمل، أسهمت، بحسب تقرير لـ«هآرتس» أمس، في إخفاق عدوان تموز على لبنان، حيث اختار دان حالوتس عدم التقيد بالفكرة الأصلية لهيئة الأركان وهي خطة «كاسحة الجليد»


يبدو التنافس بين الصحف الإسرائيلية الكبرى في نشر الخفايا السياسية والميدانية لعدوان تموز أشبه بسباق البدل، الذي يقوم فيه كل متسابق بتسليم المشعل إلى تاليه ليكملالعَدوَ باتجاه متسابق آخر. وهكذا، بعدما كانت «هآرتس» السباقة إلى نشر محاضر المداولات في هيئة الأركان العامة خلال العدوان، تفردت «يديعوت» بعدها بنشر محاضر جلسات الحكومة التي عقدت أثناء الحرب، لينتقل الدور إلى «معاريف» التي فازت بقصب السبق في نشرها للتطورات الماراتونية في يوم الحرب الأول والنقاشات المتلاحقة التي أفضت في النهاية إلى صدور القرار بشنها.
ومع اكتمال الدورة، تعود «هآرتس» إلى الواجهة مرة أخرى لتنشر جزءاً من خلاصات تحقيق عسكري تطرق لأداء قيادتي الأركان والمنطقة الشمالية إبان الحرب، وانعكاس هذا الأداء الإشكالي فشلاً وإخفاقاً على عمل القوات في الميدان.
ويرى التحقيق، الذي أجراه القائد السابق لشعبة الاتصالات المحوسبة في هيئة الأركان، الجنرال احتياط أودي شيني، أن الخلل الأول في سلوك الجيش نجم عن حقيقة أن الرئيس السابق للأركان، دان حالوتس، اختار عدم التقيد بالفكرة الأصلية لهيئة الأركان بشأن الهجوم على لبنان، وهي خطة «كاسحة الجليد». وتتضمن الخطة المذكورة ثلاث مراحل: ضربة جوية قاسية ضد حزب الله على مدى 48 ساعة، ومن ثم أخذ مهلة زمنية لتقدير تأثير الضربات على خطوات العدو، وبعدئذ، في حال استمرار تساقط الكاتيوشا، إطلاق عملية برية واسعة تهدف إلى السيطرة على جنوب لبنان ضمن إطار خطة معدة مسبقاً هي «مياه الأعالي».
ويشخص التقرير النهائي الذي خلص إليه التحقيق «نقطة التحول الحرجة» في مسار الحرب عند يوم الأحد 16 تموز. ففي هذا اليوم، نفد بنك الأهداف الهجومية الذي كانت قيادة المنطقة الشمالية قد أعدته قبل الحرب، والذي كان يحتوي على 83 هدفاً تابعاً لحزب الله. الوجه الآخر للفشل المزدوج هنا هو أن الأوامر صدرت قبل الحرب بإيداع 200 هدف داخل هذا البنك، إلا أن الحرب نشبت قبل أن تستكمل المهمة، ما أدى إلى استهلاك الرصيد الموجود خلال أربعة أيام.
وهكذا، استجدت الحاجة إلى بلورة حل داخل سلاحي الجو والاستخبارات تمثل في إنتاج مرتجل لأهداف جديدة خلال الحرب، تبين أن «جزءاً كبيراً منها تم اختلاقه بين ليلة وضحاها، وكانت نقاطاً فارغة حُددت بناء على تحليلات مختلفة، من دون أن يكون واضحاً وجود هدف ذي قيمة فيها».
أما في مجال المدفعية فالوضع، وفقاً لـ«هآرتس»، أسوأ بكثير. ويبين التحقيق أن بطاريات هذا السلاح أطلقت نحو 170 ألف قذيفة على امتداد أيام الحرب، معظمها كان قصفاً عشوائياً باتجاهات يقدر وجود منصات صاروخية فيها. وتنقل «هآرتس» عن ضابط رفيع المستوى في المدفعية قوله، تعليقاً على أداء قواته: «إذا اتضح أن عدد الذين قتلوا من أفراد حزب الله في هذا القصف هو خمسة، فإني سأكون متفاجئاً إيجاباً».
وفي ضوء انعدام الأهداف، وتوجيهات القيادة السياسية بمواصلة الحرب، دخل الجيش المرحلة الثانية من الحرب، الممتدة بين 17 و 27 تموز، وهو يقوم بـ«المزيد من الشيء نفسه». وهو دخل إليها متدحرجاً، لا انطلاقاً من تخطيط مسبق، لذلك «تزايدت العمليات البرية، إلا أن مفاعيلها المرتبطة باستهداف الرموز وتقليص إطلاق الكاتيوشا تضاءلت».
وهنا بدأ الاحتكاك والتوتر بين قيادة المنطقة الشمالية التي كانت، بحسب التقرير، مأخوذة «بشعور المهانة، والحرج والصدمة» جراء عملية الخطف، وهيئة الأركان العامة، التي كان رئيسها، دان حالوتس، محبطاً من «كون قيادة المنطقة لا تقوم بتزويد البضاعة المطلوبة».
وانعكس هذا التوتر خلافاً في الرؤية لطبيعة العمليات الميدانية وأهدافها، كما أنه أنتج قيوداً على حركة القوات على الأرض؛ ففيما منعت قيادة المنطقة التنقل على الطرقات ومنعت إدخال المؤللات والتعزيزات اللوجستية خشية وجود عبوات، طلبت هيئة الأركان الحصول على مصادقة تفصيلية منها لكل اجتياز للخط الحدودي، «كما لو أن الأمر يتعلق بعملية أمن جارٍ لا بحرب». والمحصلة كانت أن «الجهتين منعتا على مدى فترة مطولة الدخول إلى المحميات الطبيعية التابعة لحزب الله، وهي الأماكن التي نشرت فيها معظم منصات الكاتيوشا».
ويخلص التقرير إلى أنه «تم التعاطي مع معظم أوامر هيئة الأركان على أنها تقيد فرص تحقيق إنجازات وإدارة الحرب بطريقة تعكس القدرة النارية والبرية» للجيش الإسرائيلي، وبالتالي فإن «حماية شمال إسرائيل من استمرار تساقط الصواريخ فشلت... وواصلت الحملة تدحرجها رغم العدد الكبير من مداولات تقدير الوضع». ملامح هذه الصورة تتكرر أيضاً، بحسب التقرير، في المرحلة الثالثة من الحرب التي بدأت في 28 تموز مع إقرار العملية البرية الواسعة.
أما استنتاجات شيني حول الجبهة الداخلية فتتحدث عن تقصير واضح في إعطائها الاهتمام اللازم عند اتخاذ قرار الحرب. فبحسب التقرير «خرج الجيش إلى المعركة انطلاقاً من منطق ردّي، على شاكلة توجيه ضربة غير تناسبية لحزب الله. وفي الوقت نفسه أدرك أن رد حزب الله سيكون أيضاً غير تناسبي. بناء على ذلك، كان لزاماً إعطاء الأهمية المناسبة لرد من هذا النوع من جانب حزب الله».
وتخلص «هآرتس»، بعد عرض أهم ما ورد في تقرير شيني، إلى أن السبب الرئيسي للفشل في الحرب كان صناعة القرارات فيها. وتشير في هذا الإطار إلى أن ردود الفعل خلال الحرب تبلورت بناء على المشاعر والانطباعات، فيما «الغطرسة كانت ظاهرة رائجة». ويختصر قائد لواء غولاني العقيد تامير يدعي هذه الصورة بقوله، وفقاً لما تنقله الصحيفة عنه: «يتحدثون عن الحرب، إلا أن نشاطنا كله كان الأطروحة المعاكسة للحرب».