حيفا ـــ فراس خطيب
«واشنطن أعدّت لضرب إسرائيل في عام 1967». خبر قد يكون مثيراً للسخرية، لكن تفاصيله تشير بوضوح إلى أن الخطة كانت معدة لضرب «المنتصر العربي»، لو وجد، ولذلك بقيت الخطة على ورق بعد «النصر» الإسرائيلي


كشفت صحيفة «هآرتس» أمس وثيقة أميركية تشير إلى أن واشنطن خططت لضرب المبادر إلى حرب عربية ـــ إسرائيلية في عام 1967. وأعدت خطتين، واحدة لمساعدة العرب (المصريين) وأخرى لمساعدة الاسرائيليين. وعندما تفوّقت إسرائيل في حربحزيران وتجاوزت انجازاتها «السيناريو الإسرائيلي المعقول»، لم تنفذ أميركا خطتها لاعادة الاستقرار، على الرغم من ضرب الإسرائيليين لسفينة التجسّس الأميركية «ليبرتي» اثناء الأعمال الحربية.
الوثيقة لم تشر إلى السبب الذي منع الأميركيين من ضرب إسرائيل حسب الخطة التي وضعها الجنرال تيادوار كينوي، والتي أتت استمراراً لخطة منذ عام 1956، بعدما بعث كينوي رسالة إلى الرئيس ليندون جونسون قبل اندلاع حرب حزيران أبلغه فيها ضرورة عدم الوقوف إلى جانب اسرائيل «خوفاً من خسارة النفوذ الاميركي في المنطقة لمصلحة السوفيات».
وفي أيام 1967، أمرت إحدى الوحدات العسكرية الاميركية بإخراج الخطة المعدة مسبقاً «من الخزنة» والاستعداد لأوامر البدء فيها.
وأشارت «هآرتس» إلى أنه «بعد مباحثات أميركية، تخللتها برقيات وتبادل آراء، أوصى كينوي، أن يكون التدخل الاميركي مبكراً في هذه الحالة من أجل التأكد من إعادة المساحات إلى كل الدول» التي دخلت الحرب. وأوضح كينوي أن «إعادة الوضعية إلى ما كانت عليه (إلى ما قبل الضربة) ستكون بمثابة ورطة كلما تأخر الجيش الاميركي في تنفيذها واحتل الجيش المهاجم مساحة أكبر من الطرف الآخر».
ومن الممكن، بحسب كينوي، أن «تكون هناك صعوبة في معرفة من، من الطرفين، بدأ الحرب أولاً. ورأى أنَّ على الدور الأميركي أن يكون مماثلاً في الحالتين، ضربة اسرائيلية للعرب، وضربة عربية للاسرائيليين. أي ان يكون الدور الاميركي واحداً في الحالتين والوقوف الى جانب من تلقى الضربة».
كان اقتراح كينوي ان يكون التدخل الاميركي عن طريق إظهار القوة، تحذيرات للجانبين. وإذا لم يكن هذا كافياً، «تقوم الأجهزة الأميركية بعملية جوية وبحرية وضرب السلاح الجوي والبري للجانبين»، وبعد ذلك، يدخل الاميركيون قوات لحفظ السلام، وتعمل طواقم سياسية على استعادة المساحات المحتلة. واذا كانت هناك حاجة «تعمل أيضاً القوات الاميركية لاستعادتها عسكرياً».
إلا أنَّ الاستعدادات الاميركية، حسب الصحيفة، تأخرت في أعقاب «التطورات على الحلبة السياسية»، موضحة أنّه «في أعقاب إنجازات سلاح الجو الإسرائيلي وسلاح المدرعات في سيناء، اكتفى الجنرال كينوي، الذي خطّط لضرب اسرائيل، بإنقاذ مواطنين أميركيين خائفين والسفير الأميركي من الأردن».
وذكرت الصحيفة أن الجنرال المسؤول عن الأقسام العسكرية في أميركا، اريل فيلر، الذي كان قريباً من الرئيس ليندون جونسون، نشر مذكّرة داخلية تقول إنَّ الاسرائيليين طلبوا المشاركة والتخطيط العسكري المشترك.
وطالب فيلر بعدم إلغاء امكان تقديم المعونة لاسرائيل وعمل القوات الاميركية إلى جانب الاسرائيليين في حال اندلاع حرب خلافاً لرأي كينوي.
في السادس من حزيران، عندما ظهر «تفوّق سلاح الجو الاسرائيلي»، وعندما بدأت القوات الاسرائيلية تتقدم في سيناء، تنازل الأميركيون عن «التدخل العسكري»، وقرروا الاستمرار بالوساطة عن طريق الأمم المتحدة وقنوات دولية للجانبين اضافة إلى التشاور مع السوفيات من اجل وقف الحرب، ووقف المعونة اللوجستية للطرفين.
وتقول الصحيفة إنَّ التخوف الأميركي الاكبر، الذي كان من «تدمير اسرائيل» على ايدي الطرف العربي، انتهى مع تفوق الاسرائيليين جوياً على المصريين، بحيث استبدل التخوف «الأسوأ» في ما بعد بتخوف من خسارة عربية كبيرة لمصلحة اسرائيل إذ لم تعرف أميركا الحد الذي تطمح له إسرائيل على الرغم من تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول ووزير دفاعه موشيه ديان القائلة إنّ الاسرائيليين لا يطمحون لنيل مناطق جغرافية. إلا أنَّ الادارة الاميركية، حسب «هآرتس»، شعرت بـ «حاجة إلى الحد من النجاح الاسرائيلي وتحجيمه إلى حدود معقولة».
في السنوات التي سبقت حرب الايام الستة، كان الجيش الأميركي قد تدرّب على «حملات مفاجئة»، لفحص جاهزية القوات الاميركية للبدء في حملة عسكرية من دون انذار سابق. تركزت هذه التدريبات في الصعود إلى الطائرات العسكرية، ومن بعدها الاقلاع الجوي للمواجهة.
اتخذ الرئيس جونسون قراراً بأن تقوم القوات الاميركية بكبح جماح القوات الاسرائيلية المتجهة نحو قناة السويس. إلا أنَّ التدريبات التي أجراها الجيش الاميركي في حينه، لم تكن ملائمة لوقف الاسرائيليين نتيجة «السرعة التي تمتع بها الجيش الاسرائيلي والتي فاقت تدريبات الجيش الاميركي ومتخذي القرارات في حينه». لذا، لم ينفذ الاميركيون الضربة.
ولكن في خضمّ هذه المخططات، جاءت قضية ضرب سفينة «ليبرتي» على يد الاسرائيليين في اليوم الثاني لحرب الايام الستة، والتي قتل من خلالها أكثر من 30 جندياً أميركياً. وكانت قضية ليبرتي «تراجيديا اخطاء»، حسب الصحيفة. «لقد قال البنتاغون إن الضربة التي تعرضت اليها ليبرتي كانت بفعل المصريين نتيجة موقف الاميركيين».
وتشير الصحيفة إلى أنه لولا الاعتراف الاسرائيلي المباشر بقضية «ليبرتي»، لضرب سلاح الجو الاميركي مساحات مصرية واسعة. إلا أن الاميركيين ايضاً لم يتدخلوا ضد اسرائيل بعد هذه الضربة، التي كانت صعبة للغاية ولم تدفعهم نحو تنفيذ مخططاتهم لفرض «الاستقرار» بين الجانبين. وبدلاً من ان تكون «ليبرتي» محفزاً لتنفيذها، كانت النتيجة عكسية.
في نهاية المطاف، وعلى الرغم من التفاصيل البعيدة عن هذه القضية، لم يوضح كاتب التقرير الاسرائيلي أمير اورن السبب الرئيسي الذي دفع الأميركيين إلى عدم توجيه الضربة، على الرغم من أنَّها أخلت بالعلاقات العربية ـــ الاميركية. واتضح ايضاً أن الاسرائيليين لم يتوقعوا تدخلاً اميركياً، حتى بعد تلقّي سفينة التجسس ضربة قاضية.
ويقول الجنرالان الاسرائيليان، يسرائيل طال وشلومو غازيت، وهما من قادة الحرب في حينه، إن «الجيش الاسرائيلي حارب المصريين، من دون ان يعلم بالتخطيط السري الاميركي. ومن غير الواضح لماذا لم يتدخّل الاميركيون. وهذا ما ميَّز العلاقات الاميركية ـــ الاسرائيلية في حينه حتى يومنا هذا».