بغداد | تقف «أم محمد»، النازحة الثلاثينية التي قطعت عشرات الكيلومترات قادمة من مدينة الرمادي بعد اشتداد المعارك وسيطرة «داعش» على مناطق مهمة في المدينة، بالقرب من جدار اسمنتي في أحد مداخل العاصمة بغداد التي وصلتها بعد رحلة أشبه بالماراثونية استمرت لثلاثة أيام، وهي تتأمل الطوفان البشري غير المسبوق، وفي حدث ربما لم يشاهده أهالي الأنبار.
«أم محمد» التي ضاقت الدنيا في عينها، صبّت جام غضبها على «ساحات الاعتصام» في الأنبار التي استمرت فيها تظاهرات لمدة عام كامل بدأت بمطالب إطلاق سراح معتقلين وتحقيق «التوازن» وسرعان ما انحرفت عن مطالبها واخترقها «داعش» والقوى المتطرفة من أوسع أبوابها، بحسب ما أكده شيوخ ومسؤولون محليون في الأنبار، وانتهت باجتياح التنظيم المتطرف لأجزاء واسعة من المحافظة وإعلان أول ولاية في العراق، «ولاية الفلوجة».
ألقي القبض على عناصر
من «داعش» تنكروا بزي النساء اندسّوا بين النازحين

يكاد يجمع نازحو الأنبار على تحميل سياسيي المحافظة ومسؤوليها وبعض رجال الدين وشيوخ العشائر «الذين سلموا المحافظة لداعش وهربوا إلى عمان وأربيل وسكنوا في أرقى المنتجعات والفنادق» مسؤولية ما حصل في المحافظة. عثمان العبيدي، الرجل السبعيني، يصرخ متوجّعاً من مشقة الطريق وصعوبة إيجاد الكفيل الذي اقترحته وزارة الداخلية العراقية لدخول النازحين، منعاً لاندساس عناصر «داعش» والمطلوبين إلى القضاء بتهمة الإرهاب بين النازحين.
وبرر الناطق باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن، في حديث إلى «الأخبار»، لجوء السلطات إلى استخدام نظام «الكفيل»، الذي أثار جدل وحفيظة سياسيين ومواطنين، بسبب خوفها من اندساس عناصر إرهابية بين النازحين والفرار من وجه العدالة.
123 ألف نازح دخلوا العاصمة بغداد خلال الأيام القليلة الماضية كانت كفيلة بإعلان حكومة بغداد المحلية «حالة طوارئ»، طالبة دعم الحكومة المركزية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بسبب انعدام التخصيصات المالية لهذا العام، لانخفاض أسعار النفط العالمية.
مسؤول محلي في الحكومة المحلية لبغداد قال لـ«الأخبار» إن توافد أعداد النازحين بهذه الكثافة جعل الحكومة المحلية في حيرة من أمرها، خصوصاً أنها تواجه مثل هذا التحدي لأول مرة في تاريخ بغداد.
وبالفعل كانت بغداد طوال عام هي أقل مدينة عراقية تستقبل النازحين بعد أحداث الأنبار مطلع عام 2014 وسقوط الموصل في منتصف العام نفسه، حيث نزح مئات الآلاف ووصل عدد النازحين داخل العراق إلى 2،5 مليون نازح.
واستطاعت مساجد بغداد وحسينياتها أن تحل جزءاً كبيراً من المشكلة، حيث أمر رئيسا ديواني الوقفين «الشيعي والسنّي» بفتح جميع دور العبادة أمام العوائل النازحة، فضلاً عن المصانع والمعامل المتوقفة عن العمل منذ سنوات في المناطق الشمالية والغربية من العاصمة.
«داعش» الذي تسبّب في مأساة هذه العوائل لم يتركهم حتى في نزوحهم، حيث عمل على دسّ المئات من عناصره بين النازحين، بعد أن حلقوا اللحى وتنكر بعضهم بزي النساء، كما تبين ذلك بعد إلقاء الأجهزة الأمنية على عدد من عناصر التنظيم الإرهابي متنكرين بزي نساء وإلقاء القبض على عنصر آخر عربي الجنسية، بحسب ما أكده الناطق باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن.
وزارة الدفاع أعلنت استمرار قيادة عمليات بغداد في استقبال النازحين من محافظة الأنبار مع التحقق من أوراقهم الثبوتية بدقة، في محاولة منها لمنع دخول مندسين من الإرهابيين إلى العاصمة بحجة كونهم نازحين.
ولكن من جانب آخر يتحدث رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، عن «مؤامرة داعشية» من وراء هذا النزوح، كاشفاً عن تجنيد «داعش» لمئات المقاتلين في بغداد، ليحقق التنظيم حلمه الأزلي بالزحف نحو العاصمة والسيطرة عليها، كما أعلن المتحدث باسمه أبو محمد العدناني، عقب سقوط الموصل، ولكن هذه المرة بهدوء وبلباس النازحين، وليضرب عصفورين بحجر واحد.
الزاملي قال في حديث إلى «الأخبار» إنه قام بتسليم تلك المعلومات ومعلومات أخرى متوافرة في حوزته إلى الجهات المعنية في الحكومة لاتخاذ التدابير المناسبة، داعياً البغداديين إلى الحذر من المخطط الذي يحاك ضد مدينتهم.
مصدر في مكتب رئيس الحكومة أعلن تلقّي الحكومة الاتحادية معلومات من هذا القبيل من نواب في البرلمان (لم يكشف عن أسمائهم) وأكد أنه يجري التحقق من صحتها وكيفية التعامل معها.
المصدر الذي رفض بشدة في البداية التحدث في هذا الموضوع، حتى مع حجب اسمه، أشار في حديث إلى «الأخبار» إلى أن الحكومة في موقف محرج ولا تريد أن تخلق زوبعة أو فتنة بشأن قضية «ربما يكون داعش يثيرها أصلاً لإرباك الوضع العام وتخريب اللحمة التي حصلت بين أهالي بغداد من مختلف طوائفهم ونازحي الأنبار».