لا يجد وزير العمل خلف العبد الله ما يدلل به على عمق التأثيرات السلبية التي تركتها الأزمة على سوق العمل، أفضل من القول إن «بعض أرباب العمل، ممن كانوا يؤمنون سابقاً فرص عمل يصل عددها إلى عشر، يتوسطون اليوم للحصول على عقد عمل لمدة ثلاثة أشهر في إحدى مؤسسات الدولة».
ما قاله العبد الله خلال حديثه لـ «الأخبار» يتقاطع في مدلولاته مع مؤشرات كثيرة، أبرزها التقديرات غير الرسمية لتطور نسبة البطالة خلال سنوات الأزمة، التي ارتفعت من نحو 14% عام 2011 إلى نحو 58% في نهاية العام الماضي من إجمالي قوة العمل البالغة أكثر من 5.8 ملايين عامل، فضلاً عما آلت إليه أوضاع صناعيين وحرفيين وعمال كثر وجدوا أنفسهم «في الشارع» بعد سنوات طويلة من العمل والإنجاز.
صحيح أن «سيف» الأزمة كان مصلتا على رقاب أصحاب العمل والعمال معاً، عبر إغلاق آلاف المعامل والمنشآت بفعل التخريب والتدمير، إلا أن هذا «السيف» استغله، في حالات عديدة، بعض أصحاب العمل لـ «حز رقاب» العمال والتهرب من منحهم حقوقهم المادية. فإن نجا هؤلاء من «شبح» التسريح التعسفي وفقدان فرصة العمل بحجة الأزمة، وقعوا في «مصيدة» خفض الرواتب وتأخر تسديدها لأشهر دون أن يكون لدى العمال خيار آخر. ولذلك، كان من الطبيعي أن تتسع المساحة التي باتت تمثلها الأنشطة غير الرسمية من إجمالي النشاط الاقتصادي العام في البلاد من جهة، وزيادة معدلات الفقر والحرمان من جهة ثانية، وربما الانخراط في اقتصاد العنف والحرب من جهة ثالثة.
وبالتوازي مع استمرارية العمل على معالجة الشكاوى المقدمة والمتعلقة بالتسريح التعسفي، يقر رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري بالفشل في إلغاء المادة التي تسمح بتسريح العامل، وذلك خلال النقاشات التي جرت أخيراً لتعديل قانون العمل الرقم 17، الناظم للعلاقة بين العامل ورب العمل في القطاع الخاص، لكنه يشير في المقابل إلى أن التعديلات المرتقبة «ستجعل صاحب العمل يتردد كثيراً قبل التفكير في تسريح أي عامل، إذ جرى بناءً على الشكاوى المتعلقة بالاستخدام الجائر للقانون إدخال تعديلات وضوابط وكوابح من شأنها حفظ حقوق العمال».

أجازت الحكومة تحويل نظام المياومة إلى عقود سنوية والعقود إلى عمل ثابت

وهذا أيضاً ما يذهب إليه رأي وزير العمل، الذي يؤكد أن «مشروع تعديل قانون العمل الرقم 17 الذي وافق عليه أخيراً مجلس الوزراء يعزز الحماية القانونية للعمال. ويجري حالياً استكمال الأسباب القانونية لصدور تلك التعديلات ووضعها موضع التنفيذ».
التعديل التشريعي المرتقب قد يكون مفيداً لعمال المنشآت والشركات في القطاع الخاص المنظم، لكن المشكلة تبقى قائمة في القطاع الأهلي غير المنظم، الذي يضم النسبة الأكبر من قوة العمل سواء قبل الأزمة، أو اليوم بعد أربع سنوات على بدايتها. وفي هذا القطاع، تكون خيارات العامل محدودة. فإما أن يتقدم بشكوى لوزارة العمل ويوجِد حلا وسطا مع صاحب العمل، أو ان يستسلم للأمر ويبحث عن فرصة عمل في مكان آخر.
هاجس التسريح التعسفي الذي يؤرق عمال القطاع الخاص، يقابله هاجس آخر لدى شريحة واسعة من عمال القطاع العام تطمح لتبديل الصيغة القانونية لتعاقدها الوظيفي من نظام «المياومة» إلى العقد السنوي المؤقت، أو من العقد المؤقت إلى العمل الدائم. وبحسب القادري فقد «جرى أخيراً تنظيم محضر حكومي أجاز تحويل عقود العمال المياومين إلى عقود سنوية»، يحصلون بموجبها على جميع مزايا وتعويضات العامل الدائم. و»البداية كانت مع ما يقرب من 900 عامل في معمل إسمنت طرطوس. وجرى تكليف اتحاد العمال بالتعاون مع الجهات الحكومية حصر أعداد العمال المياومين في جميع المؤسسات العامة، وممن تنطبق عليهم الشروط المحددة لمعالجة أوضاعهم».
من جانبه يذكر وزير العمل أن الوزارة «عملت بجد لكي توافق الحكومة على الاقتراح المتعلق بتمديد عقود العمال السنوية المنظمة وفق مشروع تشغيل الشباب في مؤسسات الدولة، وذلك لسنة جديدة قابلة للتجديد». ويوضح أن محاولة تصحيح بعض أوضاع سوق العمل لم تقتصر على إعادة قراءة قانون العمل ومعالجة شكاوى العمال المقدمة، وإنما قادت الوزارة كذلك إلى «إنجاز تعديلات جديدة على القانون الأساسي للعاملين في الدولة، شملت عشر مواد، أهمها تعديل شروط تثبيت العاملين بوظائفهم، ووضع آلية جديدة لتلبية احتياجات المؤسسات والجهات العامة من الموظفين، وذلك من خلال اعتماد إجراء مسابقتين مركزيتين للتوظيف سنوياً». ويضيف القادري إلى ما سبق في حديثه مع «الأخبار»، فيشير إلى أن الاتحاد العام للعمال أيد «إعادة العمل بالرتب الوظيفية في مؤسسات الدولة وجهاتها العامة، الأمر الذي من شأنه الحد من المحسوبيات والعلاقات الشخصية عند اختيار الأشخاص لشغل المواقع والمناصب الوظيفية»، إضافة إلى تجاوز أحد أبرز عيوب القانون الحالي، الذي يتعامل مع جميع القطاعات بـ «مسطرة واحدة» من حيث المزايا والإجراءات وسلم الرواتب والأجور، فقد أكد الاتحاد على «خصوصية كل قطاع، بغية إتاحة الفرصة لاجتذاب كفاءات وخبرات مهمة».