strong>محمد بدير
تستعد إسرائيل لزلزال يتوقع أن يضربها اليوم مع نشر لجنة فينوغراد لتقريرها الأولي عن عدوان تموز على لبنان. تستعرض «الأخبار»، في ما يلي، نشأة هذه اللجنة وصلاحياتها والسجال الذي دار حولها

  • كيف تشكلت لجنة فينوغراد، وما العوامل التي قادت إلى ذلك؟
    ــــــ بدأت الأصوات الداعية إلى إجراء تحقيق شامل بالأخطاء والإخفاقات التي ارتكبت قبل الحرب على لبنان، وخلالها، تعلو في الأيام الأخيرة منها. وكان الصحافيون أول من أثار هذه المسألة، إلا أنه، ما أن أُعلن وقف النار، حتى تزايدت الدعوات المطالبة بلجنة تحقيق رسمية وباستقالة ثالوث الحرب، رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ووزير الدفاع عامير بيرتس، ورئيس الأركان دان حالوتس. وأعطى جنود الاحتياط الذين شاركوا في الحرب وسُرِّحوا بعدها زخماً للمطلب الذي تبنته منظمات أهلية وقوى سياسية عن يمين ويسار الائتلاف الحكومي. وأخذ التحرك بعداً شعبياً مع إقامة هؤلاء الجنود، وأهالي آخرين قتلوا في المعارك، خيم اعتصام أمام المحكمة العليا وديوان رئاسة الحكومة في القدس المحتلة، أعلن بعض المرابطين فيها من أعضاء «حركة جودة الحكم» إضراباً مفتوحاً عن الطعام حتى تحقيق مطلبهم. وبلغ التصعيد الجماهيري ذروته مع تنظيم احتجاج ضخم في ساحة رابين في تل أبيب في 9 أيلول 2006 شارك فيه نحو 40 ألف شخص رفعوا جميعاً شعار لجنة التحقيق الرسمية.
    وكان موقف أولمرت، برغم إقراره بوجود «إخفاقات خلال الحرب يحظر تجاهلها أو إخفاؤها»، معارضاً لهذا المطلب بذريعة عدم الرغبة في شل الجيش والدولة لأشهر بانتظار أن تقدم لجنة التحقيق تقريرها وتوصياتها.
    وبشكل مفاجئ، انضم كل من عامير بيرتس وشاؤول موفاز إلى المطالبين بتشكيل لجنة كهذه، ما شكل حرجاً كبيراً لأولمرت، الذي سعى إلى احتواء الضغوط من خلال الإعلان في 28 آب عن تشكيل «لجنة فحص»، برئاسة رئيس الموساد السابق، ناحوم أدموني، للوقوف على أداء المستوى السياسي خلال الحرب، بموازاة لجنة أخرى لفحص أداء الجيش، برئاسة رئيس الأركان السابق أمنون شاحاك. كما أعلن أولمرت أن مكتب مراقب الدولة سيحقق في وضع الجبهة الداخليةإلا أن ارتفاع وتيرة الضغوط، والإرباك الذي اقترن بتشكيل لجنة أدموني، لجهة شطب المستشار القانوني للحكومة اثنين من أعضائها بسبب شبهة تضارب مصالح بين عضويتهما في اللجنة وعملهما الخاص، دفعا أولمرت إلى إجراء تعديل في تركيبة أعضائها وتعيين القاضي إلياهو فينوغراد رئيساً لها، إضافة إلى توسيع نطاق مهامها ليشمل فحص أداء المستويين السياسي والعسكري، في أعقاب تعثر إقامة لجنة الفحص العسكرية.
    يمكن القول إن لجنة فينوغراد كانت، بناء على ذلك، أشبه بحل تسووي بين الشارع الذي رغب برؤية رؤوس متطايرة، وقادة الدولة الذين لم يرغبوا بأن تُقطع رؤوسهم.
    في السابع عشر من أيلول 2006، صادقت الحكومة الإسرائيلية على تأليف اللجنة بغالبية 20 وزيراً ومعارضة اثنين وامتناع واحد. سبق ذلك إعلان أدموني انسحابه من عضويتها.

  • ما هي طبيعة اللجنة، وما هي أهم الفوارق بينها وبين لجنة التحقيق الرسمية؟
    ــــــ التوصيف الرسمي للجنة فينوغراد هو «لجنة فحص حكومية»، وهي لجنة يتم إنشاؤها بموجب قانون الحكومة، خلافاً «للجنة التحقيق الرسمية» (أو الدولتية) التي تُشكل استناداً إلى قانون لجان التحقيق. ويكمن الفارق الرئيسي بين اللجنتين في أن من يُعين أعضاء الأولى هي الحكومة، في حين أن هذه المهمة في الثانية هي من صلاحية رئيس المحكمة العليا حصرياً. ويشترط باللجنة الرسمية أن يرأسها قاض، وبالتالي فإنها تملك صلاحية إلزام الشهود بالامتثال أمامها وتقديم الوثائق التي تراها مناسبة وإصدار أوامر بالتفتيش والاعتقال وخلاف ذلك من صلاحيات القضاة. أما اللجنة الحكومية فيمكن أن يرأسها أي كان، وهي غير مخولة قانوناً بالصلاحيات المذكورة. ومن الفوارق الأخرى بين اللجنتين أن مداولات اللجنة الرسمية تكون علنية بموجب القانون، إلا في حالات استثنائية تقررها اللجنة بناء على مبررات أمنية. كما يوجب القانون أن تُنشر التقارير والتوصيات التي تصدرها هذه اللجنة في نهاية تحقيقها على الملأ. أما في حالة اللجنة الحكومية، فلا موجب قانوني لها لاعتماد الشفافية في عملها، كما أن نشر نتائج تحقيقاتها رهن بقرار الحكومة التي تملك حق التكتم عليها كلياً أو جزئياً بحسب ما تستنسبه. ويبقى فارق جوهري آخر بين نوعي اللجان، يتعلق بإلزامية التوصيات التي تصدرها كل منهما؛ ففي حين يوجد قرار قضائي صادر عن المحكمة العليا يرى أن قبول وتطبيق توصيات اللجنة الرسمية، وخاصة الشخصية منها، أمر ملزم، يكون هذا الأمر بالنسبة إلى اللجنة الحكومية رهناً باستنساب الحكومة ورئيسها.

  • ما هي المهمة الموكلة إلى «لجنة فينوغراد» وما الصلاحيات الممنوحة لها لتنفيذها؟
    ــــــ تحت وطأة الضغوط عليه، ولكي يعطي اللجنة التي عيّنها درجة مقبولة من الصدقية في مواجهة الانتقادات المشككة، منح أولمرت لجنة فينوغراد صلاحيات موسعة هي، إلى حد كبير، صلاحيات لجنة تحقيق. كما أن تعيين قاض متقاعد رئيساً لها عزز هذا المنحى لجهة تخويل اللجنة صلاحية إلزام الشهود على المثول أمامها والاطلاع على الوثائق التي تراها مناسبة.
    وقد حدد كتاب تعيين اللجنة حدود المهمة الموكلة إليها بالتالي: «استيضاح استعدادات وأداء المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية في ما يتعلق بالجوانب المختلفة للقتال في الشمال، الذي بدأ في 12 تموز 2006».
    وفي ما خص المستوى السياسي، نص كتاب التعيين على أن «تقوم اللجنة بفحص وتحديد معطيات واستنتاجات تتعلق بأداء المستوى السياسي في ما يرتبط بإدارة الحرب في الشمال، من الناحية السياسية والعسكرية والمدنية. كما تتطرق اللجنة، حسبما تستنسب، لأداء المستوى السياسي المرتبط بالاستعداد والجهوزية لأحداث قتالية وسيناريوهات تهديد منذ بدأت منظمة حزب الله بالتمترس على الحدود الشمالية».
    أما في ما خص المؤسسة الأمنية، فتقوم اللجنة بفحص وتحديد معطيات واستنتاجات وتقدم توصيات تراها مناسبة في ما يتعلق باستعداد وأداء المؤسسة الأمنية في ما يتصل بالحرب في الشمال بما في ذلك المجالات والمواضيع التالية:
    1ـــ استعداد وجهوزية المؤسسة الأمنية إزاء التهديد من لبنان، بما في ذلك الاستعداد الاستخباري وبناء القوة وإعدادها في مقابل سيناريوهات تهديد مختلفة.
    2 ــــــ إدارة الحرب وتشغيل القوات من بينها قيادة الجبهة الداخلية والمنظومات المساعدة خلال القتال، بما في ذلك آلية صناعة القرارات ابتداء من حادثة الاختطاف وحتى موعد دخول وقف النار حيز التنفيذ.
    وبناء على كتاب التعيين، قررت اللجنة لاحقاً أن توسع نطاق عملها ليشمل الفترة الممتدة بين عام 2000 و 2006 على الصعيدين السياسي والعسكري.
    وحث كتاب التعيين اللجنة على إنهاء عملها في أسرع وقت ممكن، من دون تحديد موعد لذلك. وينص الكتاب على أن تقدم اللجنة تقاريرها لرئيس الحكومة ووزير الدفاع، وعلى أن تكون هذه التقارير علنية، أي أن تُنشر، باستثناء ما يمكن أن يمس بأمن الدولة. كما فوض قرار التعيين إلى اللجنة البت في علنية أو سرية اجتماعاتها.

  • كيف مارست اللجنة نشاطها، وما أبرز معالم هذا النشاط؟
    ــــــ قررت اللجنة تجزيء مهمتها إلى ثلاث مراحل، تتناول كل منها فترة محددة. وتمتد الفترة الأولى من تاريخ انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان حتى تاريخ عملية أسر الجنديين في 12 تموز. أما الفترة الثانية فهي الأيام الخمسة الأولى من الحرب، بدءاً من قرار شن العدوان وانتهاء بخطاب أولمرت في الكنيست في 17 تموز، بينما تقع بقية أيام الحرب، أي حتى 14 آب، ضمن الفترة الثالثة.
    وقد استمعت اللجنة إلى إفادات 74 شاهداً مثلوا أمامها، من ضمنهم رئيس الحكومة ووزير الدفاع وأعضاء السباعية الوزارية التي قادت الحرب، وكذلك أعضاء المجلس الوزاري الأمني المصغر خلال الحرب، فضلاً عن وزراء وأعضاء كنيست آخرين.
    كما أدلى بإفاداتهم أمام اللجنة رؤساء الأجهزة السرية ومجلس الأمن القومي ورئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات وقادة أسلحة الجو والبحر وضباط كبار في هيئة الأركان وقائد المنطقة الشمالية وقادة الفرق وآخرين. كما استمعت اللجنة إلى إفادات أشخاص عاديين توجهوا إليها، إضافة إلى إفادات خبراء في مواضيع تتعلق بعمل اللجنة.
    واطلعت اللجنة على كل المواد المتعلقة بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب، من مختلف المؤسسات الإسرائيلية، المدنية والأمنية. وكذلك اطلعت على نتائج التحقيقات التي أجرتها بعض هذه المؤسسات، وخاصة تحقيقات الجيش ولجان الكنيست ومراقب الدولة.
    وقامت اللجنة، في بداية عملها، بزيارة الحدود الشمالية وعاينت المكان الذي حصلت فيه عملية الأسر واستمعت إلى تقارير تفصيلية من القادة الميدانيين للمنطقة.

  • ما حقيقة الجدل الذي دار حول نشر محاضر الشهادات؟
    ــــــ أبقى كتاب التعيين للجنة أمر البت بشأن علنية جلساتها، ولاعتبارات تتعلق «بأمن الدولة وحماية علاقاتها الخارجية وسلامة التحقيق»، قررت إبقائها سرية. إلا أن جدلاً كبيراً دار حول نشر محاضر الشهادات التي قُدمت أمام اللجنة. واندلع السجال حول ذلك مع تقديم عضو الكنيست عن حزب ميريتس، زهافا غالؤون، التماساً إلى المحكمة العليا تطالب فيه بنشر المحاضر. وفي 6 شباط، أمرت المحكمة اللجنة بنشر المحاضر «ضمن وقت معقول، وقبل تقديم تقريرها النهائي للحكومة». في 23 آذار الماضي، نشرت اللجنة إفادات كل من نائب رئيس الوزراء، شمعون بيريز، والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس مالكا، ورئيس هيئة الطوارئ الاقتصادية، أرنون بن عامي. إلا أن نشر هذه الإفادات أطلق سجالاً واسعاً حول سوء الفهم الذي يمكن أن يسببه الاجتزاء، الذي يحصل لدواع أمنية، في الإفادات بحق أصحابها، وأدى ذلك إلى تراجع اللجنة عن نشر محاضر قادة العدوان الثلاثة أولمرت وبيريتس وحالوتس، قبل عيد الفصح اليهودي مطلع نيسان الماضي كما كانت وعدت المحكمة العليا. ووجهت اللجنة رسالة إلى المحكمة شددت فيها على أن «نشر الأجزاء المسموح نشرها يخرج الإفادة عن سياقها ويولد انطباعاً مشوهاً حول مجمل الأقوال التي أدلى بها الشاهد... وبالتالي يعزز التوجه لدى الرأي العام لإصدار أحكام تستند إلى صورة جزئية».
    وبعد سجال مطول اتسم بالحدة والتوتر في قاعة المحكمة، واقترن بتلويح اثنين من أعضاء اللجنة بالاستقالة إذا ألزمت المحكمة اللجنة نشر المحاضر الثلاثة قبل إصدار تقريرها الأولي، انكفأت المحكمة وأذعنت لإصرار اللجنة على نشر المحاضر خلال أسبوعين من صدور التقرير.

  • ما الذي سيتضمنه تقرير اللجنة الأولي، وما هي تداعياته المتوقعة؟
    ــــ قطعت لجنة فينوغراد شك التسريبات والتحليلات حول مضمون تقريرها بيقينِ بيانٍ رسميٍ أصدرتْه في 13 آذار الماضي أوضحت فيه المواضيع التي سيشتمل عليها التقرير. وجاء في بيان اللجنة أن تقريرها الأولي سيعنى بالقضايا التالية:
    ــــــ مناقشة المبادئ العامة لعمل اللجنة لجهة تشخيص الوقائع والاستنتاجات والتوصيات.
    ــــــ نظرة اللجنة لقواعد العدل الطبيعي.
    ـــ تحليل الفترة التي سبقت الحرب، منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 وانتهاء الحرب نفسها، واستنتاجات عامة عن هذه المرحلة.
    ــــــ تحليل القرارات المرتبطة بالخروج للحرب، منذ حادث الاختطاف في الثاني عشر من تموز وحتى خطاب رئيس الحكومة في الكنيست في 17 تموز.
    وأكد بيان اللجنة أن تحليل القرارات المتعلقة بشن الحرب سيكون في ثلاثة فصول: وقائع مفصلة، واستنتاجات منظوماتية، واستنتاجات شخصية عن مسؤولية كل من رئيس الحكومة، وزير الدفاع ورئيس الأركان عن القرارات التي سبقت الخروج للحرب وطريقة اتخاذها.
    وفيما أشار بيان اللجنة إلى أن ما سيتضمنه تقريرها الأولي لا يعني بالضرورة خلاصات نهائية حول الحرب برمتها، لفت إلى أن تقريرها النهائي، المتوقع صدوره منتصف الصيف المقبل، سيعالج، من بين جملة أمور، المسائل التالية: تحليل مجريات القتال بكل جوانبها، وخصوصاً مبادئ الجيش وقضايا مثل الجهوزية، وبناء القوة، واستخدامها، وإعداد القادة ونظرية التشغيل. وكذلك قرارات المستوى السياسي أثناء المعركة، بما في ذلك القرار بشأن شروط وقف النار والقتال في اليومين الأخيرين بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1701.
    كما سيتطرق التقرير النهائي إلى «العلاقات بين المستويين السياسي والعسكري في ما يرتبط بتفعيل القوة العسكرية كجزء من نظرة استراتيجية لأهداف دولة إسرائيل»، إضافة إلى «البحث في نتائج الحرب».
    ووفقاً لتقارير صحافية إسرائيلية، فإن تقرير اللجنة سيتضمن، إلى جانب انتقاد أداء المستويين السياسي والعسكري خلال الحرب، انتقادات شديدة لأداء الحكومة والجيش في السنوات التي سبقت الحرب. وستتركز هذه الانتقادات على التسليم بوجود نقاط لحزب الله على امتداد الحدود وبالتقليص المتواصل للتدريبات في الجيش خلال الانتفاضة الثانية.
    ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن أعضاء في اللجنة قولهم إنهم لن يكرروا خطأ لجنة «أغرانات»، التي حققت في إخفاقات حرب يوم الغفران عام 1973، وركزت انتقاداتها على المستوى العسكري من دون المستوى السياسي. وبحسب هؤلاء الأعضاء، فإن المسؤولية في هذه الحرب «مشتركة بين الساسة والعسكر».
    كما أشارت توقعات إعلامية إلى أن تقرير اللجنة سيعيد بعض الاعتبار لقائد فرقة الجليل، العميد غال هيرش، الذي استقال من منصبه في أعقاب انتقادات حادة تعرض لها في تقرير ألموغ الذي حقق في عملية الأسر. وترى اللجنة في هذا الخصوص أن «هيرش كان قد أعد فرقته بطريقة جيدة لعملية الأسر».
    وفي خضم دوامة التوقعات المتوترة لمضمون التقرير والمدى الذي ستصل إليه تداعياته على الحلبة السياسية في إسرائيل، ثمة إجماع بين المحللين على حقيقة واحدة، هي أن إسرائيل ستكون في بؤرة عاصفة ستضع المستقبل السياسي لكل من أولمرت وبيرتس على المحك.