رام الله | «إن لم تحصلي على هوية تثبت من أنت فلن تستلمي شهادتك الجامعية، حتى وإن سجل حضوركِ طوال أربع سنوات في الجامعة»، ببساطة كان هذا تنبيه الجامعة لسوسن، وهي فتاة فلسطينية من أم تحمل هوية زرقاء (الهوية الإسرائيلية) وأب يحمل هوية خضراء (السلطة الفلسطينية)، سوسن أصيبت بلعنة ألوان بطاقات التعريف، فأمها التي تحمل الهوية الإسرائيلية كانت تسكن في الأراضي المحتلة عام 1948، وقد تزوجت بوالدها منذ قرابة 27 عاما، والأخير يقطن في جنين، شمال الضفة المحتلة، ويحمل هوية السلطة، ولكن، حالما بلغ الأبناء السن القانونية للحصول على هوية (16 سنة) بدأت المعاناة.
سوسن مثال على كثيرين يحملون قصة صراع الوجود بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليس للناحية السياسية فقط، فالبنية الاجتماعية والديموغرافية باتت أهم أسس الخطر الذي يقلق إسرائيل التي لا تخفي قلقها من ارتفاع نسبة الولادات في قطاع غزة المعزول عنها، فيما تواصل إفراغ ما تبقى من فلسطينيين في القدس والـ48، عن طريق سحب الهويات ومنع إصدارها في حال وصول الأطفال إلى السن المذكورة، ليصبح هؤلاء بلا (بدون) جنسية.
الإسرائيليون
ينظرون إلينا كخطر أمني، والسلطة كخونة!

حتى داخل حدود وصلاحيات السلطة في الضفة وغزة لا يتمكن من الحصول على الهوية الفلسطينية من سجل على هوية أبيه أو أمه الإسرائيلية رغم أن مقر سكنهم في أراضي السلطة، وذلك نتيجة لاتفاقية أوسلو التي انتهى مداها الزمني فعليا، ولكن بروتوكولاتها لا يزال معمولا بها حتى الآن، وتنص على أن إصدار الهويات الفلسطينية (أي الخضراء)، يحتاج إلى الموافقة الإسرائيلية، وتطبع الهوية باللغة عربية وعبرية.
تقول المحامية في مركز «عدالة» في الداخل المحتل، سوسن زهر، إن «الكنيست الإسرائيلي سنّ عام 2003 قانونا ينص على منع دخول فلسطينيي الضفة وغزة إلى إسرائيل بهدف لمّ الشمل والحصول على هوية زرقاء (أي لمن كان والده أو والدته يحمل الجنسية الإسرائيلية)، وهذا يشمل كثيرين ممن تزوجوا بين الفلسطينيين في الداخل والضفة، ما أثر في حياة الآلاف منهم». وتضيف: «ردت السلطات بعد تهجم مؤسسات حقوق الإنسان في محكمة العدل العليا على هذا القانون بأن كثيرين ممن يحصلون على الهوية يستغلونها للدخول إلى اسرائيل وتنفيذ عمليات ضد أمن الدولة ومواطنيها».
وتشير المعطيات إلى أنه منذ عام 1996 حتى 2006 كان هناك أكثر من 130 ألف طلب للحصول على هوية زرقاء، فيما لم يسجل ضد أي منهم لائحة اتهام بشأن أي عملية أمنية.
أما على الجانب الفلسطيني، فإن وكيل وزارة الداخلية، حسن علوي، يذكر أن من يحمل هوية إسرائيلية لا يستطيع أن يسجل ابنه لدى السلطة، «لأن إصدار هوية فلسطينية له تصبح قضية صعبة ومعقدة ولها أبعاد سياسية». يقول علوي: «نحن مقيدون في اتفاقية أوسلو التي ذكرت هذه القضية... هذا كان اتفاقا مؤقتا وقعناه مع الإسرائيليين على أمل انتهاء إجراءات الاحتلال بعد ثلاث سنوات من تاريخ توقيعه، على اعتبار أنه أفضل من الاحتلال المباشر، ونصبح في حال انتهائه جيرانا مع الاسرائيليين»، مستدركا: «للأسف لم يتحقق أي شيء بعد مرور ما يزيد على عشرين عاما على توقيع أوسلو».
بالعودة إلى الطالبة سوسن، فإن والدتها الجالسة بجوار أخواتها اللاتي ينتظرن العذاب نفسه، تقول إن الاسرائيليين رفضوا منح ابنتها هوية زرقاء على اعتبار أن مكان سكنهم هو الضفة، وفي المقابل «حاولنا الحصول على هويات فلسطينية لأولادي المسجلين في هويتي الاسرائيلية عند الولادة، لكن السلطة الفلسطينية رفضت ذلك لأن هذا من وجهة نظرها خيانة». تتساءل الأم بحرقة: «أي خيانة هذه... نحن فلسطينيون ونريد هويتنا، والآن لا نستطيع الحركة ولا السفر؟».
وفي نظر القانون الدولي، ترى المحامية زهر أن «هذه القضية تمس الحق في الكرامة الإنسانية، بما ينافي «تعليمات القانون الدولي الذي يمنع التمييز ضد مجموعة من الأشخاص بسبب انتماء قومي أو ديني أو إثني».
وبناء على أن هذه القضية مثار حديث اجتماعي حساس، فإن عائلات كثيرة ترفض شرح التصريح بأوضاعها خوفا من الملاحقة الإسرائيلية وتعطل سير حياتها في الضفة، برغم أن هذه الأسر تعيش حياة غير طبيعية أصلا. كذلك تشير والدة سوسن إلى أن هوية ابنتها لا تحرمها التخرج من الجامعة فقط، بل تمثل هاجسا عند كل شخص يفكر في التقدم للزواج بها، «لأن لا أحد يستعد لجعل زواجه بفتاة لا تحمل هوية تعريف رحلة أو مغامرة غير معروفة النتائج».