هآرتس ــ أمير أورن
سئل وزير الدفاع، عامير بيريتس، أخيراً: «لماذا لا يزال (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله على قيد الحياة؟». السؤال كان يغمز من قناة التصميم المعلن لكل من الحكومة والجيش وبيرتس نفسه ـ الذي تعهد ألا ينسى نصر الله اسمه ـ لاستهداف زعيم حزب الله، الذي أوقعهم في مشاكل جمة وحرض عليهم كلاً من (مراقب الدولة) ميخا ليندنشتراوس و(رئيس لجنة التحقيق) إلياهو فينوغراد. بيرتس لم يعترض على أصل السؤال، لكنه تحاذق قائلاً للسائل: «لم تزودنا بالإحداثية الدقيقة لمكان وجوده، يبدو أن الـ GPS خاصتك تعطل».
وكأنه يريد أن يقول إننا سنعود ونهاجم الهدف المسمى نصر الله، والأمر رهن فقط بأن نعلم بشكل مؤكد بوجود فرصة عملياتية لإغلاق الدائرة الاستخبارية. كما لو أن ما يفصل بين نصر الله والله هو فقط معلومة موثقة وجاهزة. ليس حرياً بنصر الله أن يكون متراخياً، إلا أن على بيرتس، وفوقه (رئيس الوزراء ايهود) أولمرت، وتحتهما (رئيس الأركان) غابي أشكنازي (الأكثر اعتدالاً منهما) أن يكونوا جريئين جداً، ويائسين جداً، من أجل المخاطرة بالجبهة الداخلية في إسرائيل في الرد المتوقع على الاستهداف المفاجئ لنصر الله، إضافة إلى ردود سيتضح جوهرها مع الوقت.
رئيس قسم الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد في الاحتياط عاموس غلبوع، حقق في مقتل سلف نصر الله، عباس الموسوي. شرح غلبوع، في محاضرة له العام الماضي، كيف تدحرجت عام 1992 فكرة اختطاف الموسوي للمساومة عليه برون أراد، إلى مناورات لجمع المعلومات الاستخبارية عن تحركاته في حدث معين، ومن ثم التخطيط لقتله. وخلص غلبوع إلى أن عملية صناعة القرار كانت مصابة بالإهمال والخرق.
في تموز 2006، اتخذ أولمرت وبيرتس ورفاقهما في الحكومة قراراً ارتكز على الفصل بين المعرفة وما تقتضيه. لم تكن تنقصهم المعطيات، بل إدراكها واستيعابها وترجمة المعلومات إلى عمل منظم للتنفيذ. الآن، بينما الجميع، على جانبي الحدود، يرون الإخفاقات التي لم يتم إصلاحها حتى الآن، يمكن تفسير أي قرار بشأن عملية تنطوي على مخاطرة بكشف الجبهة الداخلية مجدداً للضربات، على أنه رهانٌ مغامر أخير بالأوراق.
الثمن البشري لإخفاقات الجبهة الداخلية لا يحتاج إلى تفصيل. يوازيه في الأهمية الثمن السياسي والأمني: تقليص حرية العمل الإسرائيلية. إذا كان لا يمكن حماية الجبهة الداخلية، فإن الحكومة ستجد صعوبة في اتخاذ قرار بهجوم سيستتبع رداً. الدخول الواعي إلى مواجهة محدودة لم يعد خياراً حقيقياً. في دائرة المعقولية ثمة خياران ظرفيان: إما ضربة شاملة، على أمل تدمير كل ما يمكن أن يستهدف الجبهة الداخلية مع المخاطرة بالتصعيد نحو حرب شاملة، وإما ضبط النفس.
من المفترض أن يكون أولمرت مطلعاً على تقدير الوضع الاستراتيجي للجيش. هذا التقدير، الذي تم إعداده في شعبة التخطيط وصادقت عليه المستويات العليا، شخص انخفاضاً في مستوى الاستقرار الإقليمي، كما شخص ساحات قد تنفجر، مثل لبنان وسوريا وإيران، والفلسطينيون. ويشير التقدير إلى «زيادة احتمال التصادم مع سوريا ولبنان»، ويحذر أيضاً من اقتراب الجهاد العالمي من المنطقة. تعزيز جهوزية الجيش يركز على تطوير الردود العملانية على الصواريخ التي تهدد بشكل مباشر الجبهة الداخلية، فضلاً عن القواعد العسكرية. إذا كان أولمرت لا يحمي هذه الجبهة، فإنه يسمح لنصر الله وبشار الأسد وآيات الله في طهران بتحويل سكان إسرائيل أجمعين إلى رهائن.
قبل أسبوعين من 12 تموز 2006، أجرت الجبهة الداخلية مناورة «حرس الخليج»، وفقاً لخطة تدهور في الوضع على الجبهة الشمالية. وقد كانت الخطة مذهلة من حيث قدرتها على التنبؤ بما سيحصل: «الصعود درجة في حوار الردع، بحيث يقوم حزب الله بتصعيد نشاطه الإرهابي ويطلق النار على الداخل الإسرائيلي بشكل مستمر لمدة عشرة أيام. يكون هناك احتمال لعملية عسكرية واسعة، وخصوصاً في مقابل لبنان. في حال حصول عملية برية، فإنها ستستمر لثلاثة أسابيع. الجبهة الداخلية المدنية تتعرض للقصف من بداية التدهور وحتى نهاية الحرب. القصف يكون بعيد المدى، ويصل حتى 40 كيلومتراً، على أن يبقى المدى الأبعد لمراحل متقدمة في التدهور، كرد على نشاط إسرائيلي».
أين كان أولمرت وبيرتس أثناء المناورة؟ هل قرآ الخطة ودرساها قبل أن يتخذا قرارهما بالتصعيد، مهما كان هذا القرار مبرراً في أعقاب عملية الخطف؟