السويداء | لم يكن سقوط مدينة بصرى الشام (شرق مدينة درعا)، الملاصقة للجنوب الغربي لمحافظة السويداء، بأيدي مجموعات إرهابية تتبع «تنظيم القاعدة» وحلفائه قبل نحو شهر، سوى جرس الإنذار بالنسبة إلى أهل جبل الدروز باشتداد خطر التكفير الزاحف من كلّ صوب.فقد اكتمل تقريباً عقد الحصار من الغرب والشرق والجنوب حول السويداء، بعد تمدّد «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» وغيره خلال العامين الماضيين في أغلبية قرى درعا المواجهة لـ«المقرن الغربي» للسويداء.

ومن الشرق، ازداد نشاط تنظيم «داعش» الآتي من البادية، على بعد كيلومترات قليلة من قرى الجبل، وبات يهدّد بشكل يومي القرى الشرقية بأكملها، من قرية الجنينة شمالاً إلى مَلَحْ جنوباً.
ولكي يكتمل العقد، فعّل الإرهابيون في «داعش» و«النصرة»، خلال الأسابيع الأخيرة هجماتهم شبه اليومية على مواقع الجيش السوري المحاذية لأوتوستراد «السويداء ــ دمشق»، كمطار خلخلة والتلال التي تحميه وقريتي الأصفر والقصر من الشرق، ومن اللجاة غرباً. وتزيد الطين بلّة، المعلومات الميدانية عن أن الجماعات المسلحة تضع نصب أعينها مهاجمة مجموعة مواقع للجيش السوري ملاصقة للسويداء، كمطار الثعلة على بعد 9 كيلومترات غرب مدينة السويداء، واللواء 52 شمال غرب المحافظة التي يسمح إسقاطها بحصار السويداء كلياً وإخراج الجيش من كامل الجنوب الشرقي السوري.
وتقول مصادر عسكرية معنية بالجبهة الجنوبية إن «محاولات قطع الطريق، هدفها فصل المحافظة نهائياً عن المركز وعن جسم الدولة السورية للضغط على السويداء، والإعداد لأي هجوم مستقبلي تشنّه المعارضة على العاصمة دمشق»

تفجير السويداء من الداخل

لا يشكّل سقوط بصرى الشام بهجوم أعدّته وأدارته وموّلته غرفة العمليات «الغربية ــ الإسرائيلية ــ العربية» في عمّان (غرفة «موك»)، ثمّ تسليم الأردن معبر نصيب الحدودي مع سوريا لإرهابيي «القاعدة» ورفعهم علمهم عليه، بالنسبة إلى السويداء، مؤشّراً على قرب الخطر الوجودي الخارجي الذي تمثّله الجماعات التكفيرية فحسب، إذ شكّل سقوط المدينة «كلمة السّر» لانطلاق حملة إعلامية/ أمنية تستهدف إضعاف السويداء من الداخل، مستغلةً حالة الخوف والقلق التي انتابت الأهالي، خصوصاً في قرى بكّا وذيبين المحاذية لبصرى وباقي القرى الغربية. وبحسب مصادر حزبية فاعلة في السويداء، فإن «ما لم تستطع المعارضة تحقيقه بالإعلام طوال السنوات الماضية لإقناع أهالي جبل العرب بالوقوف إلى جانب المجموعات الإرهابية، تحاول فعله اليوم عبر الضغط الميداني على قرى السويداء وتخويف الأهالي من المستقبل، وضرورة تمرّدهم على الدولة قبل فوات الأوان». وتشير مصادر بارزة في المؤسسة الدينية إلى الـ«ماكينة الإعلامية» التي «تبدأ برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في لبنان ولا تنتهي بمذيع قناة الجزيرة فيصل القاسم في العاصمة القطرية الدوحة»، التي بدأت تروّج مؤخراً بزخمٍ كبير لأمرين: أولاً، أن «الحرب تدور بين السنّة والشيعة ولا دخل للدروز بها»، وبالتالي لا مصلحة لهم بالقتال إلى جانب الجيش السوري والقوى الرديفة له، مع حملة تحريض وشائعات ضد حزب الله وإيران، كتلك التي أطلقها جنبلاط عن وجود آلاف ضباط الحرس الثوري الإيراني في السويداء. وثانياً، عبر «تلميع» صورة الإرهابيين، والتمييز بين ما تبقى من «الجيش الحر المعتدل» في درعا، و«النصرة» والفصائل الإرهابية الأخرى، و«إقناع الدروز بضرورة الوقوف في المعسكر المقابل لحكم الرئيس بشار الأسد، على قاعدة أنه المعسكر المنتصر، تحت طائلة دفع الثمن في المستقبل».
ومع أن غالبية أهالي السويداء لا تقنعهم «صكوك البراءة» التي تمنحها المعارضة لمسلحي «القاعدة» ولا تترك دعوات جنبلاط لديهم أثراً يذكر، إلّا أن خطاب «الحياد السلبي» الذي بدأ يظهر تحت وقع التهديدات التكفيرية الجديدة، وعلى لسان أكثر من فاعلية من بينها «الأمير» شبلي الأطرش ــ القريب من جنبلاط ــ وشيخ العقل أبو وائل حمود الحناوي، يضع السويداء أمام مرحلة جديدة ويعزّز التباينات الداخلية في الوقت الحرج، في ظلّ إصرار شيخ العقل حكمت الهجري على إرفاق صفة «شيخ العقل الأول» قبل اسمه، وما يثيره الأمر من «حساسية» لدى الحناوي وشيخ العقل يوسف جربوع.

عودة البلعوس

بدروه، وجد الشيخ وحيد البلعوس في التحوّلات الميدانية و«اللحظة» التي رافقت سقوط بصرى، فرصة لإعادة تحركّه وإثبات قوّته وجمع مناصرين جدد من حوله، بعد فترة من الركود أصابت حركته على إثر توجيه المؤسسة الدينية «إبعاداً دينياً» له قبل نحو شهرين، على خلفية مهاجمة حاجز للقوى الأمنية على طريق بلدة المزرعة، حيث يقطن. وإذا كان خطاب البلعوس قبل «الإبعاد» قد حمل نقداً لاذعاً للدولة السورية، وصل حدود التحريض على عدم الالتحاق بالجيش والتهديد بـ«الحكم الذاتي»، فإن الخطاب الجديد لـ«شيخ الكرامة»، كما تسمّيه مواقع المعارضة على صفحات التواصل الاجتماعي، يطغى عليه من جهة «الحياد السلبي» الذي بات يتماهى معه الحناوي مؤخراً، ومن جهة ثانية الترويج لحركة البلعوس الميدانية على أنها القوّة الأبرز في المحافظة، والطليعية في الدفاع عنها.

وجد الشيخ البلعوس في التحوّلات الميدانية فرصة لإعادة تحركه
غير أن الخطاب الجديد يترافق مع «جرأة» بدأ يتّسم بها أتباع الشيخ، بإقامة الحواجز واختطاف المدنيين، وحتى بتوجيه التهديدات بالقتل وحمل السلاح في وجه مشايخ آخرين لا يدورون في فلك البلعوس، كما حصل قبل أسبوع خلال تجمّع في مضافة الحناوي. وتحرّكت جماعة البلعوس يوم الأحد الماضي، وأقامت الحواجز «الطَيّارة» على طرقات الأصلحة ــ كناكر، والعفينة على الحدود الغربية للمحافظة، ومنعت عدداً من القادمين من درعا من دخول السويداء، وتردّد أن الجماعة قامت بخطف عددٍ من أبناء بلدة الكرك، من دون أن تظهر أعدادهم أو مصيرهم. وخلال «عجقة» الحواجز، أشيع على مواقع التواصل الاجتماعي أن الجماعة نفّذت عملية داخل درعا وخطفت شخصين من الكرك، مسؤولَين عن «إهانة» فتاة من آل أبو لطيف، خطفها مسلحون منذ أسبوعين مع شقيقيها من منزلهم في بلدة عِرى. مصادر أمنية وحزبية في المحافظة قالت لـ«الأخبار» إن «المخطوفين عند جماعة البلعوس لم يخطفوا من داخل درعا أو الكرك، بل من قرية عريقة في السويداء، ولا نعرف مدى صحّة السبب الذي تم اختطافهما على أساسه». وقالت المصادر إن «الحركة الأخيرة للبلعوس إعلامية وغير مبرّرة، وتخلق توترات غير ضرورية، ومشكلة الخطف الذي تقوم به الجماعات الإرهابية لا تُحلّ بالخطف المضاد للأبرياء». وقالت مصادر أخرى إن «البلعوس يحاول جمع مناصرين جدد له في القرى، وقد صار واضحاً وجود أموال تضخّ في المحافظة، بعضها يوضع تحت خانة التبرعات من الأقرباء في لبنان وفلسطين والمغتربات لطمس المصدر».

التهديدات والحماية الخارجية

في ما يشبه لعبة «العصا والجزرة»، تمارس الأجهزة التابعة للدول الداعمة للإرهابيين، وعلى رأسها الأردن وإسرائيل، شدّ حبال في السويداء، بين التهديدات التي بات يشكّلها الإرهابيون بشكل جدّي على الجبل، ودفع الدروز لطلب المعونة والدعم الخارجي. وتشير المعلومات المجمّعة عند أكثر من جهة أمنية معنية بالجبهة الجنوبية إلى نشاط محموم تقوم به شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ورجال الاستخبارات الأردنية، من تفعيل عددٍ من الضباط الدروز المنشقين عن الجيش السوري في الأردن وتركيا، إلى تفعيل شبكات العملاء داخل المحافظة، وقنوات الاتصال مع بعض الدروز المتعاملين مع الاستخبارات الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، إضافة إلى مئات الشائعات اليومية التي تُطرح على مواقع التواصل الاجتماعي. وتتحدّث مصادر أمنية سورية عن رصد إسرائيلي دقيق، و«عن قرب»، للجبهات المتاخمة للسويداء، من المدينة القديمة في بصرى الشام إلى محيط مطار الثعلة العسكري. ويترافق النشاط الأمني مع نشاط متزايد للنائب الإسرائيلي في الكنيست من أصول درزية أيوب قرّا، ومساعده منذر الصفدي (مندي) الذي يبذل جهداً بين بلغاريا وتركيا والأردن وإسرائيل، لتوجيه النصائح لأعضاء «الائتلاف الوطني السوري» وقادة الإرهابيين بكيفية التعامل مع الدروز، وبالتوازي، لتسويق «الحماية الإسرائيلية» لهم داخل أروقة القرار الإسرائيلية.
وفي ذروة التعاون الأمني والسياسي الأردني ــ الإسرائيلي في الجنوب السوري، تُعوّل المعارضة على تدخّل خارجي، ربّما من «التحالف الدولي»، انطلاقاً من الأردن، فيما يشيع جنبلاط جوّاً من الطمأنينة لتهدئة المشايخ الدروز في لبنان، القلقين على إخوانهم في السويداء، عن وعودٍ تلقاها من الملك عبدالله الثاني لضمان التدخّل الأردني في حال هجوم الإرهابيين (المدعومين من الأردن!) على السويداء.




الدفاع عن السويداء أولوية

على الرغم من التطورات الميدانية بعد سقوط بصرى الشام، يقول مرجع عسكري سوري لـ«الأخبار» إن «الجيش يضع حماية السويداء في سلّم أولوياته، ويدافع عنها كما يدافع عن دمشق وكل بقعة أخرى من دير الزور إلى حلب». ولا تخرج العملية العسكرية التي بدأتها القوات السورية في شمالي غربي السويداء وشمال شرق درعا قبل أيام، في محيط مدينة بصر الحرير وبلدة مليحة العطش، عن سياق تعزيز حماية المحافظة وطريقها إلى دمشق. كذلك «تعيد خطوة الجيش رفع معنويات الأهالي في السويداء ودرعا وثقتهم بالدولة والقوات المسلحة، بعد تقدّم الإرهابيين في المرحلة الماضية».
ويرفد الجيش منذ أسبوعين المواقع المحيطة بالسويداء بقوات وأسلحة جديدة، واستفاد من القوات التي انسحبت من معبر نصيب والمخافر المحيطة، مع دباباتها وعرباتها ومدفعيتها، لاستحداث مواقع جديدة. كذلك تقوم الفصائل المحليّة الرديفة للجيش، كالدفاع الوطني والحزب السوري القومي الاجتماعي وكتائب البعث واللجان الشعبية، بزيادة عديدها واستقبال مقاتلين جدد من أبناء المحافظة، مع ازدياد مطالب الأهالي لتسليحهم والدفاع عن قراهم.