strong>واشنطن ـ عمر أحمد
الجدل الذي أثارته «المحادثات السورية ـ الإسرائيلية غير الرسمية»، والتي تعرف باسم «القناة السويسرية»، لم يتوقف بعد، خاصة مع شهادة المفاوض السوري فيها إبراهيم سليمان اليوم أمام الكنيست ومعه المفاوض الإسرائيلي ألون ليئيل

قال الوسيط الأميركي اليهودي جيفري آرونسون في المحادثات السورية ـ الإسرائيلية، التي توقفت في شهر تموز الماضي، إنها لا تزال جارية رغم عدم جلوس سليمان وليئيل معاً في الوقت الراهن، موضحاً «إننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، ولا تحتاج الاتصالات الفعالة إلى الجلوس معاً في مكان واحد».
وقال آرونسون، الذي يدير «مؤسسة سلام الشرق الأوسط» في واشنطن ويصدر نشرة دورية عن نشاطات الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، إن تلك المحادثات توصلت إلى اتفاق «غير رسمي» يقضي بانسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان السورية المحتلة في مقابل وصول إسرائيل إلى مصادر المياه في المنطقة.
وأوضح آرونسون، لـ «الأخبار»، إنه رغم عدم وجود خطط لمحادثات رسمية سورية ـ إسرائيلية في الوقت الراهن، فإن المحادثات، التي كان هو شخصياً وسيطها، تميزت بشيء من القيمة. وقال «من المهم بالدرجة الأولى الإشارة إلى أن المحادثات لم تكن رسمية، ولم يكن أي من المشاركين فيها مسؤولاً حكومياً، ومشاركتي فيها بسبب معرفتي بكل المشاركين، فأنا أعرف ألون ليئل وعوزي أراد»، مشيراً إلى أن آراد كان في السابق رئيساً لإدارة الأبحاث في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية (الموساد) ثم مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق بنيامين نتنياهو، فيما كان سليمان قد أدى دوراً نشطاً للسماح بهجرة اليهود السوريين إلى خارج سوريا، وهو ما نفته مصادر سورية مطلعة.
وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة إن سليمان وآرنسون أقنعا السفير السويسري لدى الولايات المتحدة، أورز زيسزويلار، بتنبي الموضوع، حيث أبلغه سليمان بأنه على اتصال وثيق بالرئاسة السورية وأنها على معرفة بجهوده. لكن مصادر أخرى أوضحت أن سليمان، الذي يطلق عليه الإسرائيليون وآرنسون اسماً عبرياً وهو «أبي سولومون»، لا علاقة له بالرئاسة السورية.
وقال آرنسون إن الفكرة التفاوضية هي من بنات أفكار سليمان لا الحكومة السورية. وهو ما أكده سليمان نفسه خلال تعليقه على نفي السلطات السورية أي علم لها بتلك المحادثات. وقال «لم أقم بالمهمة نيابة عن الحكومة السورية، بل بجهد ذاتي». واضاف أنه فوجئ بالتقرير الذي نشرته «هآرتس»، حيث كان في طريقه لحضور مؤتمر هرتسليا الأمني في فلسطين المحتلة لإلقاء محاضرة، ولدى سماعه بالخبر قطع رحلته وهو في أوروبا وغيّر مسارها إلى دمشق.
وعما ذكر من أن محادثات سليمان ـ ليئيل لم تسفر عن نتائج مهمة بسبب رفض الحكومة الإسرائيلية المشاركة رسمياً في نهايتها بضغط من الولايات المتحدة، قال آرونسون «إن ذلك أمر تخميني ولا أريد أن أصف الأمور وكأنها انتهت من دون أي نتيجة. إنها عملية انخرطنا فيها وحسب علمي، فإن العملية نفسها لم تنته بعد».
وعزا آرونسون الشكل الذي انتهت إليه تلك المحادثات إلى «سوء فهم». وقال إنه حسب علمه فإن الحكومة الأميركية لم تكن تعلم بمجريات المحادثات، رغم أن ليئيل قال إنه كان يطلع مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية عليها.
وكانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قد ذكرت في تقرير لها في شهر كانون الثاني الماضي، أن مساعد وزير الخارجية الأميركية للشرق الأوسط ديفيد ولش حضر جانباً من اللقاءات، وأن الإدارة الأميركية عملت على إفشال المحادثات.
وقال آرونسون إن الإدارة الأميركية وطاقم وزارة خارجيتها سعوا جاهدين لتجاهل الجهد التفاوضي والدبلوماسي خارج الأطر الرسمية. وأعرب عن اعتقاده جازماً بأن الجولة التفاوضية المقبلة ستلتئم، بالرغم من إفشائها في الصحافة الإسرائيلية، معتبراً أن ما تم التأسيس عليه من مفاهيم مشتركة يصعب تجاهله من أي فريق تفاوضي مقبل.
واعترف آرونسون بأنه أحد الذين أفشوا قصة المحادثات. وعزا إفشاءه للقصة إلى أنه في أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام الماضي، ساد اعتقاد لدى الإسرائيليين بأنه ينبغي النظر بإيجابية لتصريحات كبار المسؤولين السوريين بشأن عزم سوريا التفاوض مع إسرائيل، وهو مناخ مثّل فرصة للضغط على القيادة السياسية الإسرائيلية بعدم استمرار تجاهلها للدعوات السورية. وقال إن لدى سوريا دوراً إيجابياً يمكنها ممارسته على الصعيد الإقليمي من شأنه «إعادة اصطفاف التحالفات الإقليمية» الراهنة.
وأوضح آرونسون أن «المحادثات لم تكن تطمح إلى وضع اتفاق سلام أو الإجابة عن كل الأسئلة التي من الضروري أن يتضمنها مثل هذا الاتفاق. وما طمحت إلى تحقيقه هو محاولة بذل جهد خلاّق لتجاوز العقبات التي حالت دون التوصل إلى اتفاق في السابق، ووضع خطوط عريضة لتفكير جديد حول هذه المشاكل على أمل أن نظهر بأن أناساً معنيين يمكنهم أن يحلّوا المسائل التي أعاقت التوصل إلى اتفاق في السابق».
وقال السفير السوري لدى واشنطن، عماد مصطفى، لـ «الأخبار»، في معرض تعليقه على أنباء المحادثات «لقد شعرنا بالريبة وقلت لهم لسنا بحاجة إلى مسار دبلوماسي من الدرجة الثانية، نحن نبحث عن دبلوماسية الدرجة الأولى». وأضاف «لقد أبلغناهم في النهاية بأن هذا الأمر ليس جدياً، فإذا كان الإسرائيليون جديين دعونا نتحدث على مستوى حكومي. يمكن التوصل إلى 25 اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، لكن إذا لم تكن الحكومتان مشاركتين فيها فإن أياً من تلك المفاوضات لن تكون مفيدة».
وفي ما يتعلق بالنقاط الرئيسية التي كانت قيد البحث، قال آرونسون «إن النقاط الرئيسية هي التي كان اسحق رابين يطلق عليها الأعمدة الأربعة، التي يفترض أن يقوم عليها أي اتفاق وأبرزها المياه وحل العلاقة بين مطلب سوريا بالسيادة على أراضيها التي احتلتها إسرائيل في حزيران عام 1967 ومحاولة مزاوجة مفهوم السيادة، هذا مع مسألة السيطرة الفعالة على بعض الأراضي والموارد في المناطق التي ستعاد إلى السيادة السورية. وقد حاولنا حل مسائل السيادة والسيطرة وخاصة المتعلقة بالمياه وحرية الوصول إلى بحيرة طبريا».
وأشار آرونسون إلى أن حل هذه المسألة بعد انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان وشمال شرقي بحيرة طبريا الذي احتلته إسرائيل في حرب 1967، بأن يدفع الإسرائيليون رسوم دخول مالية قليلة للوصول إلى البحيرة في إطار السيادة السورية.
وقال آرونسون إن إسرائيل تدرك تماماً أن مرتفعات الجولان سيتم التخلي عنها وإخلاء المستوطنات المدنية منها وبسط السيادة السورية عليها، فيما يدرك الجانب السوري أنه يتعين عليه تقديم بعض التنازلات، لا سيما في استخدام مياه بحرية طبريا وحرية الدخول إليها.


محاولة لعقد قمة أميركية ــ سورية لم تحصل