عمان | يبدو أن الدولة الأردنية حسمت موقفها في سحب الاعتراف من جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد ترخيص الجماعة الجديدة بقيادة عبد المجيد الذنيبات، تحت مسمى «جمعية الإخوان المسلمين». فقد أكد وزير الداخلية، حسين المجالي، أنه لن يسمح لأي جهة أو جماعة بتنظيم أي نشاطات أو فعاليات عامة على الأراضي الأردنية «نيابة عن جماعات خارجية تفرض أجندتها على الدولة الأردنية»، وذلك بعد إعلان «جماعة الإخوان» إقامة احتفاليتها في الأول من أيار المقبل، لمناسبة مرور 70 عاماً على تأسيسها.المجالي برر ذلك بالقول إن «الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير هي حقوق أصيلة ومصانة للمواطن الأردني بموجب الدستور، شرط انسجامها وتطابقها مع النصوص الدستورية والقانونية النافذة».

الإشارات التي يمكن استخلاصها من حديث وزير الداخلية واضحة، وهي سحب الترخيص من الجماعة واستبدالها بجمعية ذنيبات الجديدة، وتحديداً بعد تكرّر وصف الجماعة بعبارة «ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين» في البيانات الرسمية الحكومية، عدا تأكيد المجالي، في السياق، أنه «لا فعالية على الأرض الأردنية، نيابة عن جماعات خارجية».
في مقابل ذلك، اعتبر المتحدث الإعلامي باسم «الإخوان المسلمين»، معاذ الخوالدة، أن التلميحات بشأن التمويل الخارجي لا تمت للجماعة بصلة، مؤكداً أنها ليست هي المقصودة في حديث المجالي، وموضحاً في الوقت نفسه أن «الإخوان منذ تأسيسها تعمل وفقاً للدستور ولم تخرج عن إطار القانون».
ونبه الخوالدة، في حديث إلى «الأخبار»، بالقول إن الجماعة «تلتزم قانون الاجتماعات العامة في ما يخص المهرجان الجماهيري: سبعون عاماً من العطاء».
في الإطار، ذكر مراقبون قانونيون بأن تصريح المجالي بشأن الجماعة غير مقبول دستورياً، ذلك أن «الجماعة تمارس عملها في مقارها وعلى ضوء النهار، إضافة إلى أنه لم تتم الإشارة مثلاً إلى أنها غير مرخصة طوال سبعين عاماً». وأضاف بعض هؤلاء إن الدولة تتعامل مع «الإخوان» كفصيل أساسي في الحياة السياسية، كما أن «الدستور كفيل بضمانة إقامة فعالية الجماعة المقررة، إذا ما تم إشعار الداخلية بذلك، وفق قانون الاجتماعات العام».
ويتساءل مصدر مقرب من الجماعة، لم يرغب في ذكر اسمه، أنه «كيف لصانع القرار في عمان أن يتعامل مع جماعة تتبع لجماعات خارجية طوال تلك العقود»، إذا كانت جماعة «الإخوان المسلمين» المقصودة بتصريحات المجالي؟
وبين شد الدولة وجزر الجماعة، هاجم عضو المكتب التنفيذي في «الإخوان»، أحمد الزرقان، الجمعية الجديدة والمرخصة من الدولة أخيراً. وقال الزرقان إن «ما يسمى جمعية الإخوان المسلمين المرخصة مولود مشوّه ولد ميتاً»، معتبراً أنها «الآن في العناية الحثيثة ومصيرها الحتمي هو الموت قريباً». وأشار، في حديث صحافي، إلى أن «عملية الاستهداف» الحالية للجماعة من بعض الجهات الرسمية «سياسة قديمة، لكنها تمر بحالات مدّ وجزر وفق مقتضيات المصالح والظروف».
الطرف المقابل، أي الدولة، يرى أن الجماعة «عفا عليها الزمن، فالواقع الحالي مختلف، وهي أصبحت غير مرخصة، بعد ترخيص الحكومة لجمعية الذنيبات المنشقة عنها، وخصوصا أن الجماعة القديمة تتبع لجهات خارجية»، وفق ما أفاد به المنشقون عنها أخيراً. يذكر بعض هؤلاء أن «أي فعالية أو نشاط تقوم به الجماعة، سيكون مخالفة دستورية وقانونية تعرّض أفرادها للمحاسبة أمام القضاء، وإصرارهم على الفعالية هو تحدٍّ قد يؤدي إلى عواقب غير سليمة».
أما المتحدث الإعلامي باسم فعالية «الإخوان» المنوي عقدها، بادي الرفايعة، فرد على هذه التصريحات بالتأكيد أن «الجماعة لا تتحدى أحداً، ونحن عاقلون ونقدر اللحظة». وقال: «نحن والحكومة في مركب واحد ولسنا معنيين بإثارة القلاقل»، مضيفاً: «نتحدث عن نشاط عام والقانون يمنح الحق لأي 7 أشخاص يريدون إقامة نشاط إبلاغ وزارة الداخلية، ولا يتحدث عن شيء آخر كما نلتزم الحالة التوافقية من حكومة وأحزاب».
مصادر مقرّبة من الحكومة قالت لـ«الأخبار»، إن هناك «اجتماعاً ثنائياً بين الداخلية والجماعة، خلال الأسبوع الحالي، يحمل مناقشة المهرجان، وقد تحدث مساومة على مضمون المهرجان، ولا سيما أنه يحمل رسائل عديدة». لكن الكاتب في صحيفة «الدستور»، حلمي الأسمر، ذكر لـ«الأخبار»، أن «الدولة العميقة في الأردن قرّرت أن تخوض معركة مع الجماعة بإخراجها من دائرة الشرعية، وهذا موقف غير عقلاني ونوع من الاستئصال الناعم، وهو غير مبرر أمنياً وضد التوجهات الشعبية». كما انتقد الأسمر النظام العربي الرسمي «الذي أنهى صراعه مع المشروع الصهيوني»، معتبراً أن هذا النظام «بدأ يشن حرباً لا هوادة فيها، ضد أي مشروع شعبي نهضوي، إسلامياً كان أو بوذياً أو وثنياً».
إلى ذلك، تبقى الحبال مشدودة بين الدولة التي تمارس قوانينها على جماعة أصبحت في مهب الريح، وجماعة تعتبر أن الدولة تحاول إضعافها بالتضييق عليها، ليبقى المشهد الأردني الداخلي رمادياً، من غير المتوقع كيف يمكن أن يكون فيه السيناريو في الأول من أيار.