هآرتس ــ تسفي برئيل
أخيراً، هناك شريك نموذجي للمفاوضات، هو ليس دولة عربية وليس زعيماً عربياً، بل وثيقة. بإمكان إسرائيل في مثل هذه الحالة أن تتجادل مع هذه الوثيقة وأن تصرخ عليها، أن ترفضها أو أن تتبناها. هذه الوثيقة شريك أبكم، وهي لا تملك حتى القدرة على الرد.
يدور الحديث هذه المرة عن المبادرة السعودية. هذه ليست وثيقة عمل وإنما إعلان مبادئ، وتحديداً للاستراتيجية العربية، وفقاً للمبادرة السعودية. إذا وافقت إسرائيل على الانسحاب إلى حدود حزيران 1967 والتفاوض على تسوية مقبولة لمشكلة اللاجئين فستوافق الدول العربية على «صنع السلام» مع إسرائيل وتطبيع علاقاتها معها.
إسرائيل، من ناحيتها، تعاملت حتى الآن مع الوثيقة وكأنها هي نفسها دولة معادية، أو على الأصح تنظيم إرهابي. ولكن هذه الوثيقة تصبح، كما يظهر في الأسابيع الأخيرة، ذخراً سياسياً إسرائيلياً لأنها تفتح أمامها مساراً جديداً للفرار.
من أجل استغلال هذا المنفذ، يُطوّرون في إسرائيل «صرعة» أصيلة جديدة. ووفقاً لهذه «الصرعة»، يمكن عبر حذف أو تخفيف بعض بنود قرارات الجامعة العربية من قمة بيروت لترفع الكوابح عن العملية السياسية كما فرضتها إسرائيل على نفسها. وكأن السلام العربي ـــ الإسرائيلي كله يعتمد على إعادة صياغة حق العودة، وليس على الانسحاب الإسرائيلي من المناطق والجولان، أو إزالة المستوطنات، أو حل مشكلة القدس، أو ترسيم الحدود أو حتى اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل.
هذه طريقة مُجرّبة لتذويب أهمية المبادرة السعودية، التي تهدف فقط إلى توفير مظلة لمفاوضات حقيقية وليس بديلاً منها، لأن إسرائيل تحاول، مرة أخرى، من خلال ذلك استخدام الصيغة المجرّبة القديمة القائلة بأن لا حاجة بالمرة إلى إجراء المفاوضات، وإنما إيجاد مُتّهم في إحباطها وإفشالها. «العالم العربي» أصبح، وفقاً لـ«الصرعة» الإسرائيلية الجديدة، شريكاً. وهذا شريك ممتاز، لأنه إذا لم يوافق على تغيير مواقفه فهو، وليس إسرائيل، المسؤول عن استمرار الجمود.
لذلك تسعى إسرائيل إلى إضفاء الانطباع بأن المبادرة العربية معزولة عن ضرورة إجراء المفاوضات الحقيقية مع سوريا ومع السلطة الفلسطينية. ذلك لأن هذين المسارين هما بؤرة الصراع المباشر، واللذين لا تكون هناك أهمية لأي موافقة إسرائيلية على المبادرة السعودية الأصلية أو المعدّلة، من دون حلّهما.
للمزيد من التيقّن، سارعت إسرائيل إلى وضع شروط مسبقة في كل مسار تفاوضي؛ مع الفلسطينيين تطالب بشروط الرباعية، ومع السوريين تطالب بالشروط الأميركية. والآن تبني سوراً جديداً: أولاً يجب إجراء مفاوضات وهمية حول قرارات الجامعة العربية، وحينئذ، إذا غيّر العرب مواقفهم، فإن الشروط التي تحول دون إجراء مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين والسوريين ستبقى على حالها. وبذلك تسعى إسرائيل إلى إعطاء حق القرار لآخر دولة عضو في الجامعة العربية.
من هنا يتبيّن أن التحليل الجراحي الدقيق الذي يجريه خبراء القانون والمستشرقون لقرارات قمة بيروت مثير أيضاً، ولكنه بلا معنى، لأن الواقع لن يتحدّد على يد محللي النصوص، وإنما من قبل السياسيين. فقرارات الجامعة العربية السابقة أو المستقبلية ستكون ذات صلة فقط إذا نضج هؤلاء المفاوضون الحقيقيون الى مستوى الاتفاق السلمي. حينئذ ربما يكون بإمكان إسرائيل أن تطالب الدول العربية بأن تعقد الاتفاق معها وفقاً لقمة بيروت.
ولكن ماذا ستفعل اسرائيل اذا رفض السودان أو لبنان أو العراق أو ليبيا؟ هل ستلغي اتفاق السلام مع الفلسطينيين أو مع السوريين؟ لأنه من الأفضل القول باستقامة أن هذا هو الجانب الآخر من قرارات الجامعة، مثلما توجد دول عربية استخفت بقرارات قمة الخرطوم التي رفضت أي تفاوض مع اسرائيل، ستظهر دول عربية الآن تستخف بقرارات قمة بيروت التي تضمن التطبيع.
حتى ذلك الحين، يجب على إسرائيل أن تعود الى واقعها والقيام بأعمال التنظيف البيتية الصعبة. عليها أن تبلور موقفها من الحكومة الفلسطينية الجديدة، وأن تقبلها كممثلة للجمهور الفلسطيني، وأن تسمح لها بأداء دورها، وأن تعتبرها منتجاً لمبادرة سعودية مباركة أخرى، «اتفاق مكة»، وأن تقوم أيضاً بصياغة ردّها العلني العملي على الدعوات السورية.