معاريف ـــ بن كسبيت
12 سؤالاً وجواباً يسعى من خلالها المحلّل الإسرائيلي بن كسبيت إلى شرح جولة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في المنطقة، من ناحية استهدافاتها وأبعادها الأميركية والإسرائيلية

1 ـــ ما هي أجندة كوندوليزا رايس؟
تحقيق إنجاز للرئيس (الأميركي جورج) بوش ولنفسها بأي ثمن في الموضوع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي. والتقدير السائد في أوساط أصحاب القرار في القدس يقضي بأن رايس سيطرت على محيط الرئيس، وأن خصومها المحافظين الجدد انقرضوا تماماً تقريباً.
والمعنى: من ناحيتنا (اسرائيل)، مشكلة صعبة. فحتى الآن اعتمد (رئيس الوزراء الإسرائيلي) ايهود اولمرت على رفض بوش ورجاله لكل ما يتعلق بالقفز عن المرحلة الأولى في خريطة الطريق. أما الآن فقد تلاشى هذا الأمر. حتى الآن كان هناك محوران رئيسيان: المحور المحافظ الجديد لإليوت ابرامز، الذي عمل حيال يورام توربوبيتش، وأيد استمرار مقاطعة حكومة حماس والجمود السياسي، في المقابل محور كوندوليزا رايس وتسيبي ليفني، الذي بحث عن السبل للالتفاف على هذا الحاجز.
من الآن فصاعداً، كما أسلفنا، بقيت «كوندي رايس» وحدها. وهي تريد أن تتوصل حتى الشهر المقبل الى خطة أميركية يوافق عليها المحور المعتدل في المنطقة لتحريك المسيرة السياسية بين إسرائيل و«المحور السني المعتدل» على الرغم من حكومة الوحدة الفلسطينية بقيادة حماس.
2 ـــ كيف تعتزم القيام بذلك؟
الفكرة الجديدة هي «مؤتمر العشرة»: مؤتمر سلام كبير يعقد في شهر نيسان ويضم الرباعيّتين (الدولية والرباعية)، ايهود اولمرت و(الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن. الرباعية الدولية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة)، والرباعية العربية (مصر والأردن، السعودية والإمارات)، إسرائيل والفلسطينيين.
وسيكون على جدول الأعمال استئناف المفاوضات السياسية على أساس المبادرة العربية، فيما تدير اسرائيل، في الواقع، الأمر ليس حيال ابو مازن وحده، بل حيال جملة من الدول العربية المعتدلة، التي تتعهد لها بإقامة علاقات دبلوماسية، وتطبيع، واستقرار وأفق سياسي.
3 ـــ ما هو العائق الأكبر الذي يمنع ذلك؟
بند واحد فقط في المبادرة العربية الذي يحبطها من ناحية اسرائيل، حالياً: عودة اللاجئين. والمساعي هي لإيجاد صيغة تجعل هذا البند غامضاً. العرب، حتى الآن، يرفضون. وهم يرون في كلمة «بالاتفاق»، المضافة الى الدعوة إلى حل مشكلة اللاجئين، منح حق فيتو لإسرائيل على دخول لاجئين الى أراضيها، وهذا من ناحيتهم كاف ومناسب. إسرائيل، في المقابل، تطالب بشيء آخر إضافي. ربما موقف مرافق يعترف بأن حل مشكلة اللاجئين لن يكون داخل نطاق إسرائيل السيادية، أو اعتراف بأن الحل سيؤدي الى إقامة دولتين، الواحدة الى جانب الأخرى وما شابه.
في هذه المرحلة، لا توجد انطلاقة في هذا الموضوع، ولكن من غير المستبعد أن تحصل. يحتمل أن يبعث الأميركيون إلى هنا بمبعوث خاص يقوم بجولة مكوكية بين الأطراف المختلفة الى حين التوصل الى صيغة متفق عليها.
السعوديون هم المعارضون البارزون لمثل هذا المؤتمر، قبل أن توافق اسرائيل على مبادرتهم. وهم يطالبون بمقابل اسرائيلي. من ناحيتهم، لقد قدموا التنازل الأكبر بمجرد تحديد أن حل مشكلة اللاجئين سيكون «بالاتفاق». أما الآن فدور إسرائيل كما يقولون.
4 ـــ ما هي علاقات القوى داخل الساحة الإسرائيلية تجاه هذه المعضلة؟
(وزيرة الخارجية الإسرائيلية) تسيبي ليفني تقود هذه المعارضة. لديها «جنون» خاص في كل ما يتعلق بحق العودة. في هذه المرحلة، ايهود اولمرت الى جانبها. من الجانب الآخر، هناك سياسيون آخرون، ولا سيما من حزب العمل، مثل (وزير الدفاع) عامير بيرتس و(نائبه) افرايم سنيه، يعتقدون بأن المبادرة العربية يمكنها أن تشكل أساساً لبداية المفاوضات. يمكن قبولها مع تحفظات، مثلما قبلنا خريطة الطريق مثلاً. وفضلاً عن أنهم يقبلون برواية أن صيغة «حل متفق عليه» تعطي إسرائيل حق الفيتو على دخول لاجئين الى أراضيها. وفي جهاز الأمن، يعتقد الكثيرون أن إسرائيل يمكنها أن تبدي انفتاحاً أكبر تجاه المبادرة العربية.
5 ـــ هل يوجد اتفاق على باقي البنود في المبادرة العربية؟
نعم، وهذا هو الجزء المذهل في القصة. إسرائيل، في واقع الأمر، تعترف بالمسار السعودي الذي يتضمن عودة الى حدود 1967 مع تعديلات طفيفة وتقسيم القدس حسب «مسار كلينتون». وهذه هي الخطوط الرئيسية للتسوية المتوقعة، عندما يكون ممكناً حل مشكلة اللاجئين. وبالتوازي، تطرح أفكار حول كيفية تأجيل اللاجئين والقدس الى موعد آخر وحل باقي المشاكل حالياً. كل هذا في إطار المبادرة نفسها من كوندوليزا رايس (وتسيبي ليفني) للتوجه الى صياغة التسويات الدائمة بشكل نظري حتى قبل ان ينشأ على الأرض وضع يتيح تطبيقها.
6 ـــ ماذا سيحصل بين كوندوليزا رايس وأبو مازن والملك الأردني عبد الله؟
عبد الله هو أحد المحركات الكبرى للمسيرة في المنطقة. نفوره من حماس وخوفه منها يفوقان النهج الاسرائيلي، بل وأبو مازن نفسه. وهو أحد أكبر خائبي الأمل من توجه أبو مازن الى اتفاق مكة. وهو يتوسط منذ زمن بعيد بين إسرائيل والمحور العربي المعتدل. وتجري لقاءات ايهود اولمرت مع الأمير (السعودي) بندر (بن سلطان) برعايته. وكذلك محاولات الصياغة والغموض للمبادرة العربية. وسيطرح عبد الله يوم الأربعاء في الرياض، حيث ستجتمع دول المحور العربي المعتدل، بعض اقتراحات الصيغ الجديدة.
7 ـــ ما أهمية هذا اللقاء؟
أولاً وقبل كل شيء، إن حقيقة انتزاع السعوديين من خالد مشعل، في زيارة سرية عقدها في الرياض الأسبوع الماضي، الموافقة على قبول وطاعة كل ما يتقرر هناك. مثل هذه الموافقة الحماسية، يمكنها أن تشير ربما الى بداية تفاؤل بشأن إمكان تحرير الجندي جلعاد شاليط في وقت ما. مسار التحرير واضح للجميع منذ زمن بعيد، وقد نشر هنا قبل أشهر: «حوالى 500 سجين فلسطيني من ضمنهم معتقلون ملطخة أيديهم بالدماء».
8 ـــ من كل هذا، هل من المتوقع شيء دراماتيكي قريباً؟
من شبه المؤكد، لا. الحملات المكوكية ستستمر. المحور العربي المعتدل سيفكر بتشكيل فريق خاص من الوزراء العرب، يكون في واقع الأمر قوة مهام لتسويق المبادرة العربية في العالم، بما في ذلك إقرارها في الأمم المتحدة، في محاولة لإجبار اسرائيل على التوافق معها وعدم اتخاذ صورة الرافضة للسلام. مثل هذه المسيرة خطيرة جداً.
9 ـــ إذاً لماذا لا توافق اسرائيل على هذه المبادرة وكفى؟
الضعف السياسي البارز لإيهود أولمرت لا يسمح له في هذه المرحلة بأن يتخذ قراراً بهذا الحجم الكبير. ومن جهة أخرى، يوجد أبو مازن، الذي هو الآخر ضعيف جداً سياسياً. كلاهما مطوّقان بسلسلة من الضرورات والقرارات والتصريحات الإشكالية، وكذلك الأمر في ما يتعلق بخصوم سياسيين عنيدين. وعندما يكون الطرفان ضعيفين بهذا القدر، من الصعب مطالبتهما باتخاذ قرارات دراماتيكية.
10 ـــ ما هي العلاقات بين أولمرت وأبو مازن في هذه المرحلة؟
علاقات عمل وتقدير من جهة، اشتباه وخيبة أمل من جهة أخرى. وقال أولمرت، الأسبوع الماضي، في حديث مغلق إن أبو مازن هو «خرقة بالية»، فقد وعده صراحة في موضوع جلعاد شاليط وليس لديه أي قدرة على الإيفاء بوعده.
11ـــ ماذا يحصل مع تسيبي ليفني؟
ليفني تواصل الإبقاء على محور وثيق مع كوندوليزا رايس وتجتهد لتنسيق المواقف مع أولمرت، رغم العلاقات المهزوزة جداً بينهما. ليفني مليئة بالأفكار والاقتراحات والصيغ، كالرمانة، ولكن ليس لديها الجبهة الداخلية السياسية أو المستشارون المجربون الذين يمكنهم أن يساعدوها في تحويل الرؤيا الى واقع. وهي تكتفي في هذه المرحلة بعضوية شرف في المحور البراغماتي حيال رايس ورجال وزارة الخارجية الأميركية في البيت الأبيض والاتصالات المكثفة التي تجريها مع العالم العربي، بما في ذلك اللقاءات السرية العديدة مع وزراء ومسؤولين كبار في كل أرجاء العالم العربي.
12 ـــ في هذه الأثناء، يواصل القطاع الغليان. ما هو احتمال حملة عسكرية اسرائيلية هناك قريباً؟
سؤال ممتاز. الجيش الإسرائيلي يستعد لمواجهة محتملة في غزة. ومن جهة أخرى، الاتصالات السياسية الموصوفة هنا، نافذة الفرص الضيقة التي تظهر أمام ناظرينا، كل هذا يعزز الأمل بمنع المواجهة مع الفلسطينيين في غزة. إيهود أولمرت يتمزق بين التفسيرات التي يتعين عليه إعطاؤها للجنة التحقيق المقبلة («كيف سمحت إسرائيل لحماس بالتعاظم بهذا القدر؟»)، وبين التفسيرات التي سيتعين عليه إعطاؤها للجمهور ولنفسه حيال تفويت فرصة سياسية أخرى. إنه أمر ليس سهلاً.