strong>سكان سديروت هجروها، ومن بقي منهم يعاني «الأرق والانهيار والاكتئاب». والسبب طبعاً الصواريخ الفلسطينية البدائية الصنع. هم غاضبون على الدولة. يقولون إنها لا تهتم بهم لأنهم... «فقراء»في سديروت، المدينة الصغيرة الواقعة في جنوب اسرائيل، والتي تستهدفها صواريخ فلسطينية تطلق من قطاع غزة، تحولت المدارس الى ملاجىء وضرب الاكتئاب السكان وهجر الأطفال ساحات اللعب.
ولأن مداها لا يتجاوز عشرة كيلومترات إلا نادراً، لا تطال هذه الصواريخ اليدوية الصنع التي تنتج باستخدام قساطل وأنابيب في مشاغل سرية في غزة، إلا سديروت، البلدة الصغيرة البالغ عدد سكانها 24 ألف نسمة.
وهذا ما يحصل باستمرار إذ سقط حوالى ألف من هذه الصواريخ على هذه المدينة ومحيطها منذ أيلول عام ألفين، فقتلت ستة أشخاص وخلّفت الصدمة في نفوس السكان.
وتعاني عالمة النفس أدريانا كات، في مكتب مركز الصحة العقلية، اليأس. تقول «إننا نتابع حالة أكثر من خمسة آلاف شخص بينهم 1700 أتوا للاستشارة منذ شباط الماضي وهذا عدد هائل»، موضحة أن هؤلاء «يعانون الأرق والانهيار والاكتئاب والعجز عن العمل ومآسي عائلية وإدمان الأدوية. إنها أمور خطرة للغاية».
وتتابع كات قائلة «الأسوأ انه لا يمكننا ان نقول لهم: تحلّوا بالصبر فستهون الأمور، كما حصل مع سكان الشمال خلال الحرب مع لبنان هذا الصيف. هنا نعرف ان الغد سيكون أسوأ».
ويقوم منطاد أبيض يتم التحكم به عن بعد يحلّق بشكل عمودي فوق الحدود مع غزة بمراقبة الأجواء، وهو مجهّز بمعدات إلكترونية ويرصد الصواريخ ويتصل بجهاز كمبيوتر يراقبه ستة جنود في وسط المدينة.
وفي غضون ثوان يطلق «الإنذار الأحمر»، وتعلو صفارات الإنذار: أمام السكان 20 ثانية للنزول الى الملاجئ.
ويقول مساعد رئيس البلدية جورج إلجاج «إذا كنت على مقود السيارة، توقف السيارة وتسرع الى مدخل مبنى أو منزل وإذا لم يتوافر المبنى تنبطح أرضاً». ويضيف «الانعكاسات فظيعة على الاقتصاد: أغلقت الكثير من المؤسسات أبوابها وغادرت أخرى. كانت المدينة تشهد نشاطاً كبيراً في السابق، ولا سيما في الصناعة النسيجية مع يد عاملة من غزة لكن كل شيء أغلق».
ففي هذه المدينة الفقيرة، حيث نصف السكان من المهاجرين الروس الذين أتوا بعد عام 1992، انهارت أسعار العقارات واستشرت البطالة.
وعرضت البلدية أخيراً 53 قطعة أرض صالحة للبناء في مقابل شيكل واحد (0.18 يورو) للقطعة. ويوضح إلجاج «أربعة أشخاص استفهموا عن الموضوع ولم يشتر أي واحد منهم».
في الباحة الخلفية لمركز الشرطة، تكدست بقايا الصواريخ، وهي كناية عن مئات الأنابيب الحديدية الصدئة، كُتب عليها بالطبشور تاريخ السقوط ومكانه، ويحمل الأنبوب الأخير تاريخ 26 كانون الأول 2006 وقد أدى الى جرح شابين.
وسقط صاروخ قبل ستة أسابيع في الساحة الصغيرة التي كان يحتسي سيمون غاباي (54 سنة)، العاطل عن العمل منذ أربع سنوات، القهوة في أحد مقاهيها.
يقول غاباي «هنا الجميع فقراء لذا نحن غير مهمين. لو كانت الصواريخ تسقط في ضاحية تل أبيب، لكان الجيش وجد حلاً». ويضيف «الوضع مستمر منذ ست سنوات. من يملك الإمكانات غادر منذ فترة طويلة. الأشخاص الذين بقوا هم مثلي لا خيار لهم».
في شارع مجاور، يضع العمال على سطح أحد المصارف لوحاً فولاذياً تبلغ سماكته 15 مليمتراً. وبالقرب من المصرف، تبيع إيلانيت الغازر (25 سنة) سندويشات في مطعم متواضع. وكلما سمعت صفارات الإنذار تسرع الى المطبخ الخلفي. تقول «أحلم بمغادرة هذه المدينة المشؤومة، لكن زوجي يعمل هنا.. الحل هو ان يجتاح الجيش غزة ويقضي على الإرهابيين. وإذا أدى ذلك الى قتل مدنيين فليكن. هم يقتلوننا فلم لا نقتلهم؟».
(أ ف ب)