ألوف بن ــ «هآرتس»
من الأجدر أن نُسمي عام 2006 «عام الصاروخ»، العام الذي أملى فيه إطلاق الصواريخ على الأراضي الاسرائيلية من قطاع غزة ومن لبنان، أكثر من أي عامل آخر، السياسة الخارجية والأمنية الاسرائيلية. الكاتيوشا التي أطلقها حزب الله والقسام التي أطلقها الفلسطينيون أثرت أكثر من تبدّل القيادة في القدس، ومن تعزّز قوة إيران.
سديروت ومحيطها تعرضا في السنة الماضية لأكثر من ألف صاروخ «قسام» من غزة، وإبان الحرب (على لبنان) أُطلقت على المناطق الشمالية في الدولة 4 آلاف صاروخ. كانت الخسائر والأضرار صغيرة بالمقارنة مع تلك التي لحقت بنا في الحروب الماضية وفي العمليات الانتحارية. ولكن الصواريخ جرّت اسرائيل الى تمديد فترة القتال في لبنان وأقنعت رئيس الحكومة إيهود أولمرت وغالبية الجمهور أن الانسحاب من مناطق أخرى في الضفة الغربية وفي الجولان خطير.
دفن أولمرت خطة الانطواء التي كان قد طرحها لسبب واضح: بإمكان اسرائيل أن تتعايش مع سقوط الصواريخ على سديروت، وكذلك مع الصواريخ في الشمال لفترة محدودة، ولكنها ستجد صعوبة في تحمل صواريخ «القسام» التي تسقط على القدس وتل أبيب. كان من الممكن إغلاق الميناء والمصافي في حيفا لمدة شهر لوجود منشآت بديلة في أسدود، ولكن ليس هناك بديل لمطار بن غوريون ولا لمقار الحكم والتجارة والثقافة في غوش دان (المنطقة المحيطة بتل أبيب) والقدس. لذلك يصعب الحديث عن انسحاب ملموس في الضفة يؤدي الى سحب الجيش الاسرائيلي من المناطق المطلة والاستراتيجية قبل ايجاد حل لصواريخ «القسام».
أخطأت المؤسسة السياسية والأمنية في اسرائيل في فهم المغزى الاستراتيجي للصواريخ. لقد استخفوا بها وسموها «أشياء متطايرة» وكأنها خُردة من خردوات العصابات. من الصعب أن يتأثر الانسان كثيراً بسبب ماسورة فولاذية مملوءة بالسكر وبعض المواد المحترقة المندفعة بالمقارنة مع السلاح المتطور الموجود في الترسانة الاسرائيلية. ما هي كل هذه الأسلحة بالمقارنة مع طائرة «إف 16» ومروحية «أباتشي» والقنابل الذكية التي يملكها الجيش الاسرائيلي؟ ولكن قوة القسام لا تنبع من تكنولوجيته بل من الجمع بين الإطلاق المكثف وانعدام وجود أسلحة مضادة فعالة لدى الطرف الآخر. عمليات القصف والاغتيالات في قطاع غزة ووقف إطلاق النار كذلك لم توقف إطلاق الصواريخ.
القسام الأول أصاب اسرائيل في الثاني والعشرين من شباط 2002. خمس سنوات مضت منذئذ كان بالإمكان خلالها تحسين التحصين والحماية وتطويرهما في التجمعات السكانية الموجودة في محيط غزة، وتطوير نظام لاعتراض الصواريخ. بحسب رأي الخبراء، من الممكن خلال سنتين تطوير أول منظومة دفاعية ضد القسام أو الليزر. المنظومة لن تغطي اسرائيل كلها بمظلة دفاعية مُحكمة، ولكنها ستقلص الإصابات والأضرار. ولكن قادة الجيش ووزارة الدفاع اعتبروا ذلك هدراً للمال.
إن انعدام الحساسية العسكرية يبدو غريباً بعد مضي الوقت. أولاً، التهديد كان معروفاً ــ اسرائيل هوجمت في الماضي بالكاتيوشا في الجليل وفي بيسان. ثانياً، الجيش الاسرائيلي حذّر من وجود آلاف الصواريخ لدى حزب الله، ولكنه طور رداً فقط على الصواريخ البعيدة المدى وأهمل صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى. ثالثاً، اعتبروا في الجيش أن «كي الوعي» هو الذي يحسم الحروب وليس عدد القتلى وعدد القذائف التي أُطلقت. هذه الاستخلاصات لم تُترجم الى عملية بحث عن رد ملائم على صواريخ «القسام».
خلال المداولات الأخيرة التي أجراها أرييل شارون قبل ساعات من انهياره، ضرب على الطاولة وطالب المؤسسة الأمنية بطرح أفكار جديدة لمواجهة صواريخ «القسام» قائلاً إن هذا الوضع لا يمكن أن يتواصل على هذا النحو، قالها صارخاً.
أولمرت وبيرتس ملزمان بوضع تهديد الصواريخ في مستوى عالٍ من الأهمية والبحث عن رد متنوع، عسكري وسياسي، عليه. الرد يجب أن يسعى لإنقاذ سديروت وعسقلان وكذلك لإعادة حرية الحركة السياسية للحكومة. من دون هذا الرد، سيجد رئيس الوزراء صعوبة في تجسيد وعده بترسيم حدود ديموغرافية جديدة لإسرائيل وإنزال المستوطنين عن قمم الجبال.