مهدي السيّد
أثار قرار رئيس حزب «العمل» عامير بيرتس، تعيين عضو الكنيست العربي عن الحزب، غالب مجادلة، وزيراً للثقافة والرياضة في الحكومة الحالية، علامات استفهام وردود فعل متباينة حول الدوافع الحقيقية التي تقف وراء هذا القرار، والجدوى المتوقّعة منه، ومدى ملاءمة هذا الأمر للنضال السياسي والاجتماعي، الذي يخوضه فلسطينيو 48 ضد سياسات التمييز والتهميش الإسرائيلية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التعيين، في حال إقراره، يكتسب أهمية خاصة لكونه المرة الأولى التي يتم فيها تولّي عربي مسلم حقيبة وزارية في حكومة إسرائيلية. ولا يُقلل من أهمية هذا الحدث كونه يرتبط بمناورات سياسية وحسابات شخصية، وجاء في سياق منقطع عن مسيرة المطالبة بالحقوق الفردية والجماعية، التي يُطالب بها فلسطينيو 48. وفي هذا المجال يمكن تسجيل جملة من الملاحظات على هذا التعيين:
أولاً، إن قرار تعيين مجادلة جاء ليملأ الفراغ الوزاري في وزارة الثقافة والرياضة إثر استقالة الوزير السابق أوفير بينس من منصبه، على خلفية تعيين اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، وزيراً في الحكومة. فإذا بنا أمام واقع يأخذ فيه عربي حقيبة وزارية بعدما استقال منها وزير يهودي احتجاجاً على ضم وزير معاد للعرب.
ثانياً، إن قرار التعيين جاء في ظل احتدام الصراع داخل حزب «العمل» حول موقع الرئاسة مع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحزب في أيار المقبل، وتراجع شعبية الرئيس الحالي للحزب بيرتس، وانضمام مرشحين أقوياء، على رأسهم رئيس الحزب السابق إيهود باراك. وبالتالي ثمة إجماع بين المراقبين داخل إسرائيل على أن قرار بيرتس ما هو إلا مناورة سياسية ذكية تهدف إلى كسب تأييد العرب المنضوين ضمن صفوف حزب العمل في مواجهة باراك، الذي يُعارضه هؤلاء على خلفية الأحداث التي وقعت إبان عهده والتي أدت إلى مقتل 13 عربياً في صدامات مع قوات الأمن الإسرائيلية.
ثالثاً، ثمة سؤال يطرحه كثيرون، وهو أنه إذا كان عامير بيرتس حريصاً حقيقة على مكانة العرب، فأين كان هذا الحرص عند تأليف الحكومة قبل عام، ولماذا تذكّر الآن وفي هذا التوقيت بالذات العرب وحقوقهم.
رابعاً، إن مجادلة لا يمثل العرب ولا المسلمين من فلسطينيي 48، بل هو في أحسن الأحوال يُمثل العرب في حزب «العمل» الصهيوني، وهو بالتالي يعمل وفق أجندة صهيونية لا وفق أجندة عربية، وخصوصاً أن لفلسطينيي 48 أحزاباً وتيارات سياسية عربية صرفة، ذات تمثيل داخل الكنيست وخارجه، وبالتالي هم أولى بتمثيل العرب وأصدق تمثيلاً، بغض النظر عن أصل الموقف الانضمام إلى الحكومة.
خامساً، إن من شأن هذا التعيين أن يمس تحديداً بالجهود والنشاطات، التي تقوم بها التيارات السياسية والجمعيات الأهلية لتأمين الحقوق الفردية والجماعية لفلسطينيي 48، ذلك أن من شأنه منح صك براءة «للديموقراطية الإسرائيلية» أمام الداخل والخارج من خلال الصورة المشوّهة، التي يرسمها هذا التعيين، بحيث يوحي أن العرب يحصلون على التمثيل المناسب وعلى الحقوق، بينما الواقع هو خلاف ذلك تماماً.
وعملية التعيين هذه تشهد على ذلك، فهي جاءت من خارج التمثيل الحقيقي لهم، ووفقاً لاعتبارات سياسية وحزبية وشخصية، لا على أساس تصوّر واضح وشامل يمنح العرب التمثيل المناسب والمساواة الحقيقية في المواطنة.
سادساً، يشكّل هذا التعيين رسالة سياسية مفخخة إلى فلسطينيي 48، مفادها أن خياراتهم الوطنية والقومية لن تحقق لهم شيئاً، وبالتالي فإن نيلهم لحقوقهم وتحسين مكانتهم مرهون بعملهم ونشاطهم ضمن أُطر الأحزاب الصهيونية لا ضمن أُطر الأحزاب العربية، القومية أو اليسارية أو الدينية.
إن تولي عربي لحقيبة وزارية في حكومة إسرائيلية، سابقة في الحياة السياسية الإسرائيلية، رغم تعيين وزير عربي سابق من الطائفة الدرزية، صالح طريف، وزيراً من دون حقيبة في حكومة شارون الأولى. وأياً يكن الموقف والتقويم الحقيقي لهذا التعيين، إلا أنه كسر في الواقع تابو الحقائب الوزارية التي كانت حكراً على يهود الدولة، والسؤال هو: هل يكسر «تابو التمييز التهميش واحتكار مواقع السلطة والقرار؟»
إذا كان التابو الأول قد احتاج كسره إلى أكثر من خمسين عاماً، وما كان ليحصل لولا الاعتبارات الشخصية والحزبية، فكم من العقود، إن لم نقل القرون، سيحتاجها كسر التابو الثاني؟