أثار خروج رئيس تيار "بناء الدولة" المعارض لؤي حسين من البلاد إلى إسبانيا، حيث تقيم عائلته، جدلاً واسعاً في الشارع السوري. منشور «فايسبوكي» بسيط شرح خلاله حسين استعداده لزيارة إسطنبول، بهدف الاجتماع مع قادة "الائتلاف" المعارض، وما يسمى «الحكومة الانتقالية»، للوقوف على «برنامج عمل يمكنه إنقاذ البلاد من المخاطر التي تشكلها القوى التفتيتية، أي النظام وداعش والنصرة». البعض قرأ في انتقال حسين إلى حالة القطيعة مع السلطات السورية إفلاساً سياسياً، وبدئه في منشورات «فايسبوكية» تتحدث بلسان حال الأقليات الطائفية في البلاد.
التغييرات الأخيرة في مواقف «تيار بناء الدولة»، أدت إلى استقالة ما يقارب 50 عضواً فاعلاً في التيار، بينهم: أنس جودة، رواد بلان، نائل حريري وآخرون، الأمر الذي زاد وتيرة الحديث عن سحب الشرعية من حسين ونائبته منى غانم، التي سافرت معه إلى مناطق "الإدارة الذاتية" التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية، منذ أسبوعين، قبل أن تتبنى خلال الأيام الفائتة جميع مواقفه الأخيرة.
في حديث خاص لـ«الأخبار»، يشرح حسين تغييرات موقفه، مشيراً إلى أنها جاءت نتيجة "معطيات الواقع" السياسي والميداني داخل البلاد، إذ «بدأ النظام بالانهيار الجدّي منذ بضعة أشهر»، حسب تعبيره، ما يعني «انهيارات حادة في بنية الدولة ومؤسساتها، وازدياد حالات الفوضى الأمنية التي ستتمثل باستقلالات كُبرى للميليشيات التابعة للنظام أو الموالية له». وبحسب حسين، فإن «بنية النظام ورؤيته لم تعودا تسمحان بأن يكون شريكاً في أي مفاوضات جدية، أو قبوله المشاركة في حلول سياسية، أو مشاركة معارضيه في السلطة». وفي قراءات حسين السياسية، يبدو أن «النظام لا يستجيب إطلاقاً لروسيا»، وهذا ما ظهر بوضوح، حسب تعبير حسين، خلال اجتماعي موسكو الأخيرين: «النظام يتمرد على رغبات وتوجهات حلفائه». وأعلن رئيس "تيار بناء الدولة" أن نقل مركز التيار إلى خارج البلاد لن يجعل التيار محسوباً على ما يمسي «معارضة الخارج»، إذ «سيبقى ملتصقاً بالأرض السورية عبر أصدقائه ومواليه»، معتقداً أن فريقه السياسي «لن يغيب طويلاً قبل أن يعيد مكاتبه المركزية إلى الداخل السوري».
ولا يجد حسين الحديث عن الطوائف متعارضاً مع التوجه العلماني، «إلا في حال الحديث عن محاصصة طائفية في السلطة، وإقصاء إحدى الطوائف من الشراكة في عملية التغيير». وطالب حسين «الأطراف والشخصيات التي تسعى إلى تغيير وطني حقيقي ديموقراطي في البلاد» بأن «تبني خطاباً وسلوكاً جديداً مع الأقليات ينطلق من كونهم شركاء، ومعرفة هواجسهم ومخاوفهم وطموحاتهم». إذ لا يمكن، حسب تعبيره، «تصور تغيير وطني حقيقي في البلاد دون مشاركتهم بشكل فاعل».
يضيف حسين: «أغلب أعضاء التيار يعرفون أني سأغادر البلاد عند رفع منع السفر عني، إنما تفاجأ قسم منهم بسفري دون رفع منع السفر. وقد حدث ذلك لدواعٍ أمنية، إذ لم يعلم بسفري سوى 4 أشخاص. وأنا أحترم خيارات من استقال من الأعضاء، إذ إنهم لن يستطيعوا، من دمشق، تحمل تبعات مواقف التيار الأخيرة».
نائب رئيس «تيار بناء الدولة» المستقيل، أنس جودة، أكد في حديث لـ«الأخبار»، أن «تصريحات لؤي حسين الأخيرة غريبة وبعيدة عن فكرة تأسيس التيار». ويضيف: «لقد بدأ لؤي يتحدث عن السوريين حسب انتماءاتهم الطائفية، لا كمواطنين. وصار يرفض التشاركية مع السلطة متبعاً الخطاب ذاته، الذي يتبناه الائتلاف الوطني المعارض. لقد انسحب جميع أعضاء الداخل الفاعلين في العمل ضمن التيار. يقارب عددنا 50 عضواً، سحبوا من حسين شرعية الداخل، ليتحول التيار إلى جناح خارجي لا تمثيل له على الأراضي السورية». ويعزو جودة هروب حسين المفاجئ من البلاد إلى التأثيرات النفسية لمسألة اعتقاله الأخير، رافضاً الحديث عن مبررات متعلقة بمصالح شخصية، أو الخوض في متاهات التخوين، في «ظل حديث سعودي عن ضرورة تشكيل قطب أو كتلة سياسية مفاوِضة في مواجهة السلطة». ويرى جودة أن «التشارك مع السلطة واستراتيجية الحل السياسي كانا أهم مبادئ التيار، التي اعتمدها خلال مرحلة الحرب، ساعياً إلى تنفيذها على الأرض». واستشهد جودة بالجهد المبذول من قبل أعضاء التيار ضمن المناطق السورية التي دخلت في هُدن، كالزبداني والنبك، بهدف تحويلها لاحقاً إلى مصالحات حقيقية. وأضاف: «كانت لدينا محاولات إحراز هدنة في برزة، إضافة إلى محاولاتنا الجديدة في التلّ، كجزء من النشاط المدني للتيار». وشرح المتغيرات الأخيرة في صفوف التيار باعتبارها «هزّة كبيرة ستؤثر على عملنا، لكن سنستوعبها لاحقاً»، مؤكداً أن «أعضاء التيار المنسحبين سيتابعون العمل السياسي». ويرى جودة أن «الثقة والتقارب بين حسين ومنى غانم، أدتا إلى اتخاذهما قرارهما بالخروج من البلاد دون إعلام أي من أعضاء التيار بالأمر». ويضيف: «فاجأني موقف لؤي حسين. كنتُ أراه مثالاً. وأعرف أنه تأثر بتجربة الاعتقال، على اعتبار أنّ من الممكن للنظام الإقدام على أي شيء». وختم قوله مخاطباً حسين: «لن تنظر إليك السعودية كمناضل علماني ليبرالي، بل كعلوي منشق عن النظام».