الحسكة | ينتظر السوريون موسماً زراعياً استثنائياً هذا العام، ما سيمكّن الحكومة السورية من رفع مخزونها العام من القمح، وتحقيق حالة أمان أكبر في الأمن الغذائي، وتأمين رغيف الخبز، بما يدحض ما تمّ الترويج له، من أنّ سوريا تنتظر مجاعة، بدأت ملامحها باكتساب الرغيف اللون الأسمر. وهو أمر ينفيه المدير العام للحبوب في سوريا، موسى نواف العلي، الذي كشف في حديث إلى «الأخبار» أن «الاقتراب من موسم تسويق الأقماح، والوفرة المتوقعة في الإنتاج، واستئناف بعض العقود الموقعة في الفترة المقبلة ستعزز حالة الأمن الغذائي في سوريا.
«لا مجاعة تنتظر السوريين»، يضيف العلي، ويلفت إلى أنّه «قمنا بتأمين كل مستلزمات إنجاح الموسم الزراعي لهذا العام، بانتظار التسعيرة، وتعليمات التسلّم».
ومن المتوقّع أن ترفع الحكومة السورية هذا العام سعر كيلوغرام القمح، عشر ليرات زيادة عن العام الفائت، الذي تسلمت فيه القمح الطري بـ44 ليرة سورية، و45 ليرة للقمح القاسي، بما يشجع الفلاحين على تسليم محاصيلهم للمراكز الحكومية، فيما سيترك تسويق الشعير للسوق المحلية.

مليون و5470 طناً مخزون الحسكة

لا تصريح رسمياً عن المخزون العام الذي تمتلكه سوريا من مادة القمح، إلا أن فرع مؤسسة الحبوب في الحسكة نفى، بشكل قاطع، الوثائق التي سربها بعض الناشطين، والتي تقول «إن المؤسسة لا تسيطر إلا على 4 مراكز حبوب، يوجد فيها 60 ألف طن، داخل الحسكة والقامشلي». وبحسب مدير الفرع، محمد زكي الخالدي، فإن «المؤسسة تدير 6 مراكز، بشكل كامل، في مدينتي القامشلي والحسكة، تحتوي على 332925 طناً من إجمالي مخزون المحافظة، والذي يصل حالياً إلى مليون و5470 طناً»، مبيناً أنه «تمّ نقل أكثر من مئة طن من القمح، من المحافظة، عبر عقود خاصة».

الإنتاج هذا الموسم قد يتجاوز عتبة 750 ألف طن من القمح
وتسيطر «وحدات حماية الشعب» الكردية على 26 مركزاً، أبرزها: مركزا حطين وكبكا، فيما يسيطر «داعش» على 9 مراكز، في المناطق الجنوبية والغربية والشرقية لمدينة الحسكة. ولا تزال الكثير من المراكز، الواقعة تحت سيطرة «الوحدات» تشهد دواماً إدارياً للعاملين الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة السورية. ويتوقع أن يسوّق القمح في الحسكة على ثلاثة مراكز هي «الثروة الحيوانية» و«جرمز» في القامشلي، ومركز «غويران» في الحسكة، وجميعها تحت سيطرة الجيش السوري.

الفلاحون متفائلون

الفلاح أبو أحمد يواظب، بشكل منتظم، على العناية بأرضه، في قرية خربة غزال، في ريف الحسكة. البسمة تكاد لا تفارق شفتيه، تيمناً بموسم زراعي خيّر، نتيجة الهطولات المطرية الغزيرة والمنتظمة. «منذ عام 1988 لم نشهد موسم خير كهذا. السماء أغدقت علينا الأمطار، ومحاصيلنا لم تصبها الحشرات رغم قلة المبيدات، بسبب قطع الطرقات من قبل المسلحين»، يقول أبو أحمد. ويضيف: «ننتظر أن يرزقنا الله موسماً استثنائياً هذا العام، يساعدنا على تحمل عناء الغلاء الذي يضرب البلاد». أمّا أبو غسان، الذي يملك أرضاً زراعية في قرية ملا سباط في ريف عامودا، فيرى أن «الموسم استثنائي بالأمطار والإصابات»، ويضيف لـ«الأخبار»: «حتى المساحات المروية لم نسْقِها إلا مرتين، ما وفّر علينا كميات كبيرة من المحروقات التي تكلّف كل سُقية منها قرابة 150 ألف ليرة لكل 100 دونم، فيما كانت في العام الماضي 4 سقيات».

الظروف العامّة شجّعت على الزراعة

حالة الطقس والظروف الجوية العامة التي شهدتها المحافظة، والتحسّن الأمني في ريف مدينة الحسكة القريب، وبلدتي تل براك وتل حميس، عوامل شجّعت الفلاحين على زراعة أراضيهم، رغم قلة مستلزمات الإنتاج الزراعي، من سماد ومبيدات، وهو أمر تؤكده إحصاءات مديرية الزراعة التي تقول إن «المساحات المزروعة لهذا العام تجاوزت 465 ألف هكتار، منها 154 ألف هكتار مرويّ، و311 ألف هكتار بعل، من القمح. فيما كانت في الموسم الماضي 319 ألف هكتار، منها 115 ألفاً مروية، و204 آلاف بعل، ما سيمكن الحكومة السورية من الاستفادة من ذلك، في تعزيز مخزونها الاستراتيجي، وخاصّة أنها حصرت مراكز التسلّم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري. بدوره، مدير زراعة الحسكة، عامر سلو، أكد لـ«الأخبار» أنّ «الإنتاج سيكون وفيراً هذا الموسم، وقد يتجاوز عتبة 750 ألف طن من القمح»، مع توقّع أن الإنتاج كان سيتضاعف، مرّة أو مرتين، وبما يزيد على مليوني طن، فيما لو كانت الظروف طبيعية. وهذا ما أكده سلو بالقول: «إننا كمديرية زراعة، لم نتمكن من استثمار سوى 42% للمساحات المروية و67% للمحاصيل البعلية، بسبب خروج مساحات كبيرة، في المناطق الجنوبية والغربية عن السيطرة، وعدم توفر حوامل الطاقة من كهرباء ومحروقات لأسباب أمنية».
وفي ظل هذا الواقع، بات من المؤكد أن المحافظة ستتجاوز رقم الموسم الماضي، والذي لم يصل إلى 500 ألف طن، وسيكون الموسم العام في سوريا أفضل نسبياً من العام الفائت، بما يساعد السوريين في تعزيز مقومات صمودهم، وتأمين رغيف خبزهم اليومي.