كان خروج عادل الجبير في آذار الماضي، ليعلن بنفسه من واشنطن بدء حملة «عاصفة الحزم» على اليمن، دليلاً كافياً على أن الرجل لن يكون اسماً عابراً في المرحلة المقبلة من تاريخ السعودية. اختير الجبير الذي شغل منصب السفير السعودي في الولايات المتحدة منذ عام 2007، ليكون واجهة المغامرة الأخيرة للرياض في المنطقة، قبل أن يرقّيه الملك سلمان بين ليلةٍ وضحاها، مسلّماً إياه وزارة الخارجية، بعد 40 عاماً من تولّي سعود الفيصل السياسة الخارجية للمملكة، ليكون بذلك الجبير ثاني وزير للخارجية من خارج الأسرة الحاكمة، بعد إبراهيم السويل الذي شغل المنصب نفسه بين عامي 1960 و1962.
ويبدو أن تعيين الجبير (53 عاماً) في هذا المنصب يصبّ في مساعي الملك سلمان لإحكام قبضته على مفاصل الحكم كافة، عبر إزالة الأسماء التي يمكن أن تمثل له عثرات على طريق التفرّد، فوقع الاختيار على موظف دبلوماسي يلتزم بالاملاءات الملكية كاملةً، من دون أن يمثل قطباً قائماً مثل خلفه الفيصل. كذلك يأتي تعيين الجبير، الذي أمضى نحو ثلاثين عاماً في الولايات المتحدة، معظمها في كنف بندر بن سلطان، في لحظةٍ مفصلية من تاريخ علاقة الرياض بواشنطن، في ضوء التباين الذي ظهر بوضوح أخيراً بين الحليفين، إزاء ملفات إقليمية كبرى مثل الاتفاق النووي بين أميركا وإيران، وأخيراً الضغوط التي مارستها واشنطن على الرياض، والتي لم تعد سرّاً، لإيقاف العمليات العسكرية الفاشلة ضمن «عاصفة الحزم». هذه المعطيات التي تثير التساؤلات بشأن مستقبل العلاقات بين الحليفين التاريخين، تجعل من تعيين الجبير، رجل السعودية في أميركا الذي بات خبيراً بذهنية الأميركيين، الشخص المناسب في التوقيت المناسب.

خرج اسم الجبير الذي ولد في مدينة المجمعة (شمال الرياض)، للمرة الأولى، إلى دائرة الضوء في حرب الخليج الثانية (1990)، حين ظهر إعلامياً بصفته متحدثاً باسم السفارة السعودية في أميركا، وظلّ يشغل هذا المنصب حتى عام 1994، عندما انضم إلى الوفد الدائم للسعودية في جمعية الأمم المتحدة. قبل ذلك، عيّنه بندر بن سلطان في منصب مساعد لشؤون الكونغرس وفي الشؤون الإعلامية التابعة للسفارة عام 1986، وكان عمره حينها 24 عاماً فقط. ويرجع الفضل الأساسي في تقدمه السريع في السلك الدبلوماسي إلى عمل والده الذي شغل منصب الملحق الثقافي في عدد من السفارات السعودية حول العالم. وتفيد المعلومات بأن الجبير، من خلال وظيفته تلك، كان المسؤول السعودي الأكثر اتصالاً بالاسرائيليين على مدى العقدين الماضيين، كما كان مكلفاً بالعلاقة مع اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة، مهمة جعلته المكلف بتأمين شخصيات يهودية لزيارة الرياض للمشاركة في حوار الحضارات الذي سبق أن أطلقه الملك الراحل عبدالله.
حصل الجبير على درجة البكالوريوس من جامعة شمال تكساس في الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم حاز درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة «جورج تاون» في العلاقات الدولية. وخلافاً للطلاب السعوديين، كان الجبير يجيد الانكليزية بلكنةٍ أميركية، ما سهل دوره كمترجم للملك السعودي الراحل عبدالله الذي قرّبه من الأسرة الحاكمة، بالتزامن مع علاقته الوطيدة بالأمير بندر وبعمله دليلاً لأمراء آل سعود خلال زياراتهم لواشنطن حيث كان يقيم. وعُرف بعلاقاته الاجتماعية بالمسؤولين العرب، من أمثال رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري.
خلال أحداث 11 أيلول 2001، ظهر الجبير بصورةٍ مكثفة في وسائل الإعلام الأميركية ليدافع عن السعودية بعد اتهامها برعاية الإرهاب، في وقتٍ عُرف فيه الرجل بحماسته الشديدة لسياسات بلاده حين كان لا يزال طالباً في «جورج تاون»، حتى إن أحد أساتذته طلب منه ذات مرة أن «يميّز بين الدراسة الأكاديمية والبروباغندا».
التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الجبير خلال العدوان السعودي على اليمن اتسمت بحدّةٍ لافتة وبسقفٍ عالٍ، حتى إنه بدا المتحدث الرسمي باسم الحملة العسكرية، إذ حدّد بنفسه أهداف الحرب، قبل أن يكرر خلال العمليات العسكرية، المتواصلة حتى الساعة، الهجوم على إيران. وفي هذا السياق، قال الجبير قبل أسبوع إنه «لن يكون لها (إيران) دورٌ في مستقبل اليمن». وكانت وثائق قضائية قد ذكرت عام 2011 أن «السلطات الأميركية أحبطت مؤامرة إيرانية لتفجير سفارة السعودية في واشنطن واغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل جبير».
يبقى المؤكد أن نظام آل سعود مقبلٌ على تعديلات مهمة في سياسته الخارجية سعياً إلى مواكبة التطورات الدولية والاقليمية، حتى ولو كلّف ذلك الاستعانة بمسؤول من «الرعية»، في محاولةٍ ـ قد تكون الأخيرة ـ للحفاظ على وضعية المملكة في عالمٍ يتغيّر.

(الأخبار)