علي حيدر
كشفت صحيفة «هآرتس» محاضر مداولات هيئة الأركان الإسرائيلي خلال عدوان تموز الماضي، التي أظهرت أن رئيس الأركان المستقيل، دان حالوتس، عارض تنفيذ عمليات برية في الجنوب اللبناني طوال فترة الحرب

ذكرت صحيفة «هآرتس» أمس أن ما تعرضه ما هو إلا صورة جزئية عن محاضر سلسلة اجتماعات لهيئة الأركان برئاسة حالوتس، لكنها تعكس إدارة جنرالات إسرائيل للحرب، ويبدو فيها «كم كانت مربكة ومتخبطة».
ونقلت الصحيفة عن نائب رئيس الأركان موشيه كابلينسكي قوله لحالوتس، في اجتماع لهيئة الأركان في 12 تموز، اليوم الذي بدأت فيه الحرب، «انتبه عندما نقول (يذكر هنا الاسم العملياتي لإحدى خطط الجيش، التي معناها هجوم جوي ومدفعي واسعة على الأراضي اللبنانية) فإنه علينا أن ندرك، وفق منطقنا، أنه يأتي فوراً بعد ذلك ماي ماروم (أي مياه الأعالي، وهي خطة عسكرية تقضي باستخدام فرق عسكرية لتنفيذ اجتياح بري واسع في لبنان)».
وذكرت «هآرتس» أنه في 15 تموز سادت أجواء من «النشوة» في هيئة الأركان العامة للجيش على أثر التقرير الذي تحدث عن تدمير معظم منظومة صواريخ «فجر» المتوسطة المدى التابعة لحزب الله.
ومعروف أن حزب الله أطلق هذا النوع من الصواريخ بعد هذا التاريخ.
وكان حالوتس، حتى ذلك الحين، متمسكاً بالاستمرار في الغارات الجوية. وقال، في جلسة 15 تموز: «ما بقي الآن خراب بيروت، وسنركز الآن جميعاً، كل جيش الدفاع الإسرائيلي، على اصطياد صواريخ الكاتيوشا، وإذا كان الطقس جيداً غداً، فإن كل منظومتنا (الجوية) ستهاجم جنوب لبنان وسيخيم ظل (أسراب الطائرات الحربية) على جنوب لبنان».
وفي هذه المرحلة، اقترح قائد شعبة العمليات غادي آيزنكوت تنفيذ عمليات عسكرية برية أولية ومحدودة، على قاعدة «غزوات ضمن نطاق زمني ومكاني محدد، ندخل ونخرج».
في اليوم التالي، في 16 تموز، طرح قائد سلاح البر اللواء بيني غينتس، للمرة الأولى، مدينة بنت جبيل هدفاً محتملاً للعملية، مبرراً ذلك بأنه في هذه المدينة ألقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خطاب النصر بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000. وقال إنه «يجب تفكيك هذا المكان، إنها بلدة شيعية، وإبعادهم (أي سكان بنت جبيل) باتجاه الشمال»، مضيفاً: «كنت أدرس لو أنه عبر عملية برية محدودة على هذه المنطقة يمكن استيعابها».
وتحدث آيزنكوت عن استعداد الجيش الإسرائيلي لتنفيذ خطة «مياه الأعالي» بدءاً من يوم 16 تموز أيضاً، موضحاً قصده بأنه «يجب الإعداد للعملية، لا البدء بمسار صدامات، إذ عندها سنفقد الهدف وسيكون ذلك (بدء العملية العسكرية على الفور) خطأ».
ورد حالوتس قائلاً إنه لا يستبعد تنفيذ حملة برية، لكن ليس خلال الأسبوع الأول.
وواصل حالوتس، في مداولات خلال جلسة عقدت في 18 تموز، معارضة عملية عسكرية برية واسعة. وقال: «أنا أتبنى توجه آيزنكوت بتنفيذ عمليات صغيرة».
في هذا الوقت، تغيّر توجه كابلينسكي وآيزنكوت بخصوص تنفيذ اجتياح بري واسع في جنوب لبنان.
ومع دخول الحرب على لبنان أسبوعها الثالث، وعلى أثر مقتل وإصابة عدد كبير من الجنود الإسرائيليين في معارك مع مقاتلي حزب الله في بنت جبيل، طالب يدلين ونيحوشتان، وهما ضابطان في سلاح الجو، القيام باجتياح بري واسع.
وقال نيحوشتان لحالوتس في جلسة 26 تموز: «عليك أن تضع الأمور على طاولة الحكومة وأن تقول باستقامة إنه من دون الحملة البرية الواسعة لا يمكننا إزالة تهديد صواريخ الكاتيوشا، وإذا لم توافق الحكومة يجب القول إنه يجب وقف الحملة (أي الحرب) الآن. وحقيقة أنه يمكن وصف (نتيجة) الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله بالتعادل هو من ناحيتنا خسارة ويحظر علينا أن نخسر». وأضاف: «يجب القول للحكومة إننا لن نتمكن من تقليص (إطلاق الكاتيوشا) أكثر مما تحقق حتى الآن، إلا إذا قمنا باحتلال حتى الليطاني وأنا لا أفهم ماذا نفعل على المستوى التكتيكي، ما هو الإنجاز إذاً؟ ماذا يريدون؟».
من جانبه قال قائد الجبهة الشمالية اللواء أودي آدم: «لقد اتفقنا على عدم احتلال بنت جبيل، فاحتلالها يعني التنقل هناك بين خمسة آلاف بيت، من منزل إلى آخر». وانضم رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية العميد يوسي بايداتس إلى الرأي القائل إن التغيير سيتحقق «من خلال عملية برية».
ورد حالوتس: «أنت تنظر إلى حزب الله وأنا أنظر إلى نموذج غزاوي فلسطيني، وأعتقد أن خطوة بعد خطوة بعد خطوة ستقودنا، إلى مكان آخر، ليس بشكل كامل، ولكن سننتقل إلى مكان آخر»، في إشارة إلى الضربات الجوية ومحاولة وقف إطلاق صواريخ الكاتيوشا على غرار الضربات التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي في قطاع غزة لوقف إطلاق صواريخ «القسام».
وقال يدلين: «يصعب علي التصديق بأن دولة إسرائيل بفرقها العسكرية وبسلاح جوها غير قادرة على شن حملة برية للتعامل مع 200 ناشط (من حزب الله) وإذا مر أسبوع آخر من دون وقف الكاتيوشا، فإن السوريين ينظرون إلينا والجميع ينظر إلينا، ويجب علينا تنفيذ ذلك (أي عملية برية)».
واقترح آيزنكوت تجنيد قوات احتياط من دون اتخاذ قرار فوري بحجم العملية العسكرية البرية.
لكن حالوتس لخص النقاش قائلاً: «لقد طُرحت البدائل، وما نحتاج إليه هو ضم كل البدائل معاً. لا يوجد هنا بديل يؤدي إلى النصر، وعلى مستوى الاستعداد، علينا أن نكون مستعدين للقيام بكل شيء». وعاد ليكرر خيار الغارات الجوية، على أن يشمل ذلك ضرب منشآت مدنية في لبنان. وقال: «أعتزم طرح هذا مجدداً على الطاولة، وقبل تحريك فرق عسكرية (نحو نهر) الأولي والزهراني والليطاني، هذا ليس مهماً، يجب أن نأخذ لبنان إلى مكان آخر».
وفي اجتماع هيئة الأركان في 28 تموز، قال يدلين: «إننا في الدرك الأسفل (أو في نقطة الحضيض) في مقابل حزب الله والوضع ليس جيداً، وحزب الله يشعر بأنه ينتصر، ويعتبروننا، بحق أو من دونه، كمن لا يؤمن البضاعة المرجوة، وأعتقد أن واجبنا يحتم علينا تغيير ذلك، ولدينا من خمسة إلى عشرة أيام». وأضاف: «علينا بناء خطة والتمسك بها وعدم تغييرها طوال الوقت، وعلينا أن نثبت أن بالإمكان الانتصار على الكاتيوشا، وإلا فإن ذلك سيلاحقنا لسنوات، وعلى ما يبدو فإنه يمكن تنفيذ ذلك فقط بعملية برية».
وأضاف يدلين موجهاً كلامه لحالوتس: «بربك، آباؤنا احتلوا الدول العربية في ستة أيام (في 1967) ونحن غير قادرين على الدخول مع فرقتين عسكريتين وإنهاء الأمر حتى جنوب الليطاني؟».
واستمر الارتباك في صفوف قيادة الجيش حيال تنفيذ عملية برية أو عدم تنفيذها أسبوعاً آخر، وبعدها قررت هذه القيادة أن هذا هو الحل المطلوب لوقف صواريخ الكاتيوشا وفقاً لخطة «تغيير اتجاه 11» التي تقضي بمحاولة الوصول إلى منطقة نهر الليطاني حتى 11 آب، لكن في هذه الأثناء بدأت الحكومة الإسرائيلية تتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب.