لم تكن طريق تشكيل الحكومة الإسرائيلية بالسهولة التي أوحت بها نتائج الانتخابات بعدما أدت إلى فوز معسكر «اليمين» بـ67 مقعداً في الكنيست، ومن بينها 30 لحزب «الليكود»؛ إذ تسببت التجاذبات داخل المعسكر نفسه وسياسة الابتزاز والابتزاز المضاد في إطالة المفاوضات الائتلافية واستنزاف الأطراف الحزبية. ومع ذلك، فإن الخلافات والضغوط المتبادلة لم تجعل سيناريو استحالة تشكيل الحكومة مرجحاً، وخاصة أنه سيؤدي إلى الدفع نحو انتخابات مبكرة بعد أقل من شهرين على الانتخابات الأخيرة، وهو ما ليس له سابقة في التاريخ الإسرائيلي، كما ليس من مصلحة أي من الأحزاب تحمل مسؤولية هذا المسار.
على هذه الخلفية، فإن التقارير عن تحقيق اتفاقات ائتلافية في الطريق إلى تشكيل الحكومة المقبلة، أو حتى نشر توقعات تتصل بتركيبتها ليس أمراً خارج السياق أو المتوقع. بل يمكن التقدير أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أدرك منذ اللحظات الأولى، بحكم خبرته ومعرفته لواقع الأحزاب وشخصيات قادتها، ما سيواجهه من صعوبات، من دون أن يعني ذلك أن تولي نتنياهو رئاسة الحكومة المقبلة ليس أمراً مفروغاً منه.

نتنياهو تبنى، في الطريق إلى تشكيل حكومته وتمهيداً لعرضها على الكنيست، استراتيجية تقوم على الاستفراد بكل تيار وحزب. إذ ركز مساعيه منذ اللحظات الأولى على محاولة التوصل إلى اتفاق مع الأحزاب الحريدية وحزب «كولانو»، وخاصة أنه يوفر له غطاء نيابياً عريضاً يُمكِّنه من التفاوض مع حزبي «البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا»، وذلك من موقع أقوى لإجبارهما على خفض سقوفهما.
ما يعزز فرص نجاح هذا التكتيك، تراجع مكانة الحزبين اليمينيين لمصلحة «الليكود»، إضافة إلى ضغط الوقت على الأطراف كافة، كما أن مما يخدم نتنياهو وجود خيار بديل، ولو نظرياً، في هذه المرحلة، والمقصود خيار بديل من مشاركتهم، وهو يتمثل على الأقل، بالتلويح بمشاركة «المعسكر الصهيوني» في الحكومة.
وقد أعلن «الليكود» و«كولانو» و«يهدوت هتوراة» بعد أسابيع من المفاوضات التوصل إلى اتفاقات ائتلافية تشكل أساساً للحكومة الجديدة، وضمن نتنياهو بذلك، حتى الآن، تأييد 46 عضو كنيست، على أمل الإعلان أيضاً عن التوصل إلى اتفاق مع حزب «شاس» الحريدي، تمهيداً لاستكمال الاتفاقات مع باقي الأطراف المفترض مشاركتها في الحكومة.
من أهم العناصر التي تم الاتفاق عليها، مع رئيس حزب «كولانو»، موشيه كحلون، أنه نال حقائب المالية والإسكان وحماية البيئة، وهكذا يصبح بإمكان كحلون العمل وفق ما تعهد لجمهور ناخبيه، أي على مواجهة أزمة السكن التي تتفاقم منذ أكثر من سبع سنوات. كما اتفق نتنياهو وكحلون على إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية ومنها مواجهة غلاء المعيشة في إسرائيل. وقد حظي رئيس حزب «كولانو» بامتلاك حق «الفيتو» في عدة مواضيع مهمة تتصل بـ«الطابع الديموقراطي للدولة»، ومنها تشريع كان يفترض أن يمس صلاحية المحكمة العليا وتشريع آخر يؤكد يهودية دولة إسرائيل.
في المقابل، استطاع حزب «يهدوت هتوراة» الحريدي انتزاع موافقة نتنياهو على إلغاء التعديل المتصل بتجنيد الحريديم في الجيش، وأن يلغي من قانون التجنيد العقوبات الجنائية المنصوص عليها. أيضاً سيحتفظ وزير الأمن بصلاحية وضع سياسة تجنيد جديدة بالتشاور مع طاقم جديد يجري تشكيله ويقدم توصيات خلال خمسة أشهر، فيما بادر مسؤولو حزب «يوجد مستقبل» إلى اتهام نتنياهو بأنه قضى على كل إنجازات الحكومة السابقة.
وينص الاتفاق مع «يهدوت هتوراه» على الحفاظ على ما يسمى «قدسية السبت» ومنع تغيير الوضع الراهن في قضايا الدين والدولة، وكذلك رفع مخصصات الأولاد إلى المستوى الذي كانت عليه، وإدخال إصلاحات في مجال علاج الأسنان إلى سلة الصحة.
في السياق نفسه، تشير التقارير إلى إمكانية أن يحتفظ أفيغدور ليبرمان بوزارة الخارجية، على أن ينتقل رئيس «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، إلى وزارة التربية. ولكن بقي أمام نتنياهو وفق القانون أقل من أسبوع حتى الأربعاء المقبل، للاتفاق مع كل الشركاء على توزيع الحقائب الوزارية.
من ناحية أخرى، كان لنتائج المفاوضات أصداؤها داخل «الليكود» الذي رأى بعض مسؤوليه أن الاتفاقات الائتلافية لم تترك حقائب وزارية كبيرة لوزراء حزب السلطة. وأوضح مسؤولون محيطون برئيس الوزراء قولهم إن «التذمر والتباكي كما لو أن نتنياهو لم يترك حقائب كافية لليكود، هو هراء لا أساس له من الصحة». وإن نتنياهو كافح كي ينال «الليكود» ثلاثين مقعداً وتصدى لهجمات شخصية لا تتوقف ضد عائلته. فالآن يواصل رئيس الحكومة «القتال» كي يكون للحزب 12 وزيراً في الحكومة مع حقائب مهمة وحيوية في قيادة الدولة. ولفت هؤلاء إلى أن لدى الشركاء في الائتلاف مطالب، وهو أمر طبيعي ومتعارف عليه في نظام الحكم المتبع في إسرائيل، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى العمل على تغيير النظام الانتخابي بما يؤدي إلى رفع مستوى الاستقرار الحكومي ويمنح وزناً أكبر للأحزاب الكبيرة.