محمد بدير
أزالت إسرائيل أمس كل لبس حول دوافعها الحقيقية لشن عدوانها على لبنان الصيف الماضي على لسان المسؤول المباشر الثاني عن قرار الحرب، وزير الدفاع عامير بيرتس، الذي نفى أن تكون عملية أسر الجنديين التي نفذتها المقاومة عشية العدوان السبب في شنه، في وقت حذر فيه وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، من سيطرة حزب الله على لبنان ومن تشكل «هلال شيعي» رأى فيه الخطر الأكبر على الدولة العبرية والمنطقة

في تصريح هو الثاني من نوعه، بعد تصريحات وزير الداخلية روني بار أون قبل أسابيع، هزئ بيرتس، في معرض مدافعته عن قرار شن الحرب، ممن يعتبر أن «الحادث الذي وقع في الشمال (عملية الأسر) هو الذي أدى إلى الحرب» التي قال إنها «فتحت عيون إسرائيل، في نهاية المطاف، على مخاطر أكبر».
وشدد بيرتس، في مقابلة تلفزيونية مع القناة الإسرائيلية الثانية، على أن الذي دفع باتجاه شن الحرب هو «تراكم الأحداث» الذي بدأ، بحسب الشرح الذي قدمه، بخطف غلعاد شاليط في غزة والمستوطن في الضفة الغربية إلياهو أشري. وتابع: «كان هناك تراكم لعمليات الخطف، وتبين أنها ستتحول إلى سلوك لدى المنظمات الإرهابية... تصور لو أننا تصرفنا مثلما كنا نتصرف طوال الوقت، ولم نرد، ونترك الحادث ينتهي مع حزب الله (عند هذا الحد)، سواء أعاد الجنديين أو لا، لكنا وجدنا أنفسنا بعد سنين أمام تعاظم صعب لتهديدات أخطر بكثير مما كشفناه وعالجناه».
في هذا الوقت، قدم وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، عرضاً رؤيوياً لوضع المنطقة، تطرق فيه إلى الحرب الأخيرة على لبنان وإمكان تكرارها أو اندلاع أخرى مع سوريا وإلى الوضع الداخلي اللبناني والتهديد النووي الإيراني والخيارات المتاحة لمواجهته.
وحذر رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف من سيطرة حزب الله وحلفائه على لبنان، مشيراً إلى أن حصول ذلك «أمر حتمي» وأن «المسألة هي مسألة وقت». وتوقع أن يتحقق ذلك في «مدى زمني لا يتجاوز العام أو العام ونصف العام»، واضعاً الأمر في سياق «تغيير تام للحدود يتجه نحوه الشرق الأوسط».
وأوضح ليبرمان أن «الخطر الأكبر الذي لا ينبغي أن نتوه عنه هو نشوء تواصل لهلال شيعي يضم إيران والعراق وحزب الله في لبنان»، مضيفاً: «نحن نتعامل مع وضع جديد في منطقتنا، في مواجهة دول ليست بدول، وقبالة منظمات ليست دولاً».
وتابع ليبرمان، صاحب الطروحات العنصرية: «إن العراق لن يصمد كدولة وهو ولبنان سيصبحان رافعتي تأثير لإيران؛ فالعراق سيتحول إلى قاعدة إيرانية إضافة إلى أخرى متقدمة في لبنان مع قاعدة متقدمة أيضاً في قطاع غزة»، مشيراً إلى أن «هذه هي الخريطة وهذا هو التهديد وعلينا أن نأخذ أسوأ الاحتمالات بالاعتبار وأن نستعد لمواجهته، لكن لا يوجد استعداد، سواء في العناوين أو في العلاقات العامة أو في الخطاب» السياسي.
وبادر ليبرمان إلى شرح ما يراه «الآلية» التي يعمل حزب الله وفقاً لها في جنوب لبنان، فرأى أنه «يقوم بغرس علم على بعد عشرة أمتار من الحدود، ثم يعمد (حزب الله) إلى عمليات حفر قرب العلم وفي النهاية يتحول (العلم) إلى موقع». وشدد على أن عملية «تهريب الأسلحة وتجنيد الأفراد لا تدل على نيات سلمية لحزب الله».
ورغم إعراب ليبرمان عن أمله في ألا يتدهور الوضع إلى حرب مع سوريا، قال، رداً على سؤال يتعلق بتوقعاته لتجدد الحرب على الحدود الشمالية سواء ضد دمشق أو ضد حزب الله: «سمعت بالأمس (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله، وأنا اسمع تصريحات من دمشق ومن قطاع غزة، وأعتقد أن الأمور تتحدث عن نفسها، لكن آمل ألا يجازف السوريون وألا ينجروا إلى استفزاز إسرائيل»، معرباً عن أسفه لكون «الصراعات الداخلية في لبنان قد تدفع بحزب الله إلى محاولة توجيه النار تجاهنا».
وأسهب ليبرمان في شرح التهديد الإيراني وحتمية مواجهته، إذ إن «إيران دولة فيها عشرات الملايين من البشر وتبيع نفطاً بمليارات الدولارات وتعلن صباح مساء أنها تنوي تدمير دولة إسرائيل». أما مسألة العتبة التكنولوجية النووية لإيران فهي، بحسب ليبرمان، «مصطلحات صحافية تستخدم عشية الانتخابات»، مشدداً على أن «الحكومة الحالية لإسرائيل تعمل بجدية وشمولية لمواجهة التهديدات غير التقليدية لإيران أكثر من أي حكومة إسرائيلية سابقة».
وفي رده على سؤال يتعلق بالمعالجات الحالية للملف النووي الإيراني، قال ليبرمان إنه ينطلق «من فرضية أن الغرب لن يتجاوز التصريحات العلنية والخطوات التجميلية، وأنا أؤمن بأن إسرائيل قادرة وحدها على التعامل مع المشكلة الإيرانية، فنحن لا نجلس مكتوفي الأيدي ننتظر أن تحصل إيران على السلاح النووي وأن نتلقى الصاروخ النووي الأول، هناك أمل وإمكانات نستند إليها»، مشيراً إلى أن «فرضية العمل (الإسرائيلية) هي أننا سنضطر في نهاية المطاف إلى مواجهة إيران وحيدين».
ودعا ليبرمان إلى إعادة احتلال قطاع غزة لمنع تحول حماس إلى حزب الله. وقال: «إن سيطرة حماس حتمية إن لم نتدخل، وإذا أردنا منع سيطرة نموذج حزب الله في قطاع غزة فلا مناص لنا سوى العمل، وكلما عجلنا بذلك كان ذلك أفضل وكانت الخسائر أقل، وإلا فسنجد أنفسنا في واقع شبيه تماماً لواقع حزب الله في لبنان».