هآرتس» ــ عاموس هرئيل
تعيش إسرائيل مرحلة ما بعد العدوان على لبنان، أسيرة لتداعياته وتأثيراته السلبية عليها؛ فهي تريد استعادة قدرة الردع المفقودة، سواء في لبنان أو من خلاله، وسواء في قطاع غزة أو من خلاله، فيما تشخص التهديد الوجودي شرقاً، باتجاه إيران النووية. ومع تشعب التهديد الموجه لإسرائيل، لكثرة التحديات والمخاطر، ينطلق التقدير الإسرائيلي ليبحث عن الحرب وتوقعاتها ومكانها وزمانها.. آخرها كان تقدير استئناف المعارك شمالاً، في الصيف المقبل


ستندلع الحرب في الصيف، لكن ما لم يتحدد فيها بعد هو الجبهة، والحالة المزاجية في الجيش الإسرائيلي، في الشهر الأخير، متشائمة جداً.
تركت المعارك الأخيرة التي خاضها الجيش على جبهتي لبنان وقطاع غزة، عدداً كبيراً من المسائل غير المحسومة، وعدداً كبيراً من المتفجرات القادرة على إشعال النار من جديد. والاستنتاج لدى الجيش من كل ذلك هو أن الحرب وشيكة ومحتملة جداًوكما أفاد (المعلق الأمني) في «هآرتس» أمير أورن قبل أسابيع، يفترض الجيش اندلاع الحرب مع حزب الله، وربما مع سوريا أيضاً، في الصيف المقبل. ولا يتوقع الجيش، من جهة أخرى، أن يستمر وقف إطلاق النار الأخير في قطاع غزة مع الفلسطينيين لفترة طويلة، فسرعان ما ستنضم التهدئة الحالية على الجبهة الفلسطينية إلى سابقاتها، وتنهار.
يتحدثون في الجيش، علناً، عن إمكان التدهور في قطاع غزة، باعتباره أكثر احتمالاً من اندلاع الحرب في الشمال، إلا أن الجيش قلق من حقيقة الحرب على الجبهة الشمالية، خاصة في ظل إنجازاته الضعيفة في الجولة السابقة من الحرب. وتوقع نائب رئيس هيئة الأركان، موشيه كابلنسكي، اندلاع الحرب هناك في الصيف المقبل، وتحدث عنها في الآونة الأخيرة من منابر عسكرية مغلقة عديدة.
تستعد وحدات مختلفة في الجيش الإسرائيلي (للحرب المقبلة)، ومن بينها سلاح الجو وسلاح الاستخبارات وقيادة المنطقة الشمالية، ومنذ الآن وبكثافة، للاستفادة من عبر حرب لبنان الثانية. ويرى الإعلان في هذا الأسبوع عن استئناف تدريب الاحتياط في (منطقة التدريب المركزية) تساليم، تلميحاً للدول المجاورة إلى أن الجيش يرمم قدراته واستعداداته، ويرمي إلى تحقيق احتياجات داخلية: أي إعلام الجمهور الإسرائيلي، وأفراد المؤسسة العسكرية أيضاً، بأن عملية ترميم الجيش تجري جدياً، وكما يفترض بها أن تحصل.
لكن هل يفضي كل ذلك إلى حرب؟ يجيب مصدر امني رفيع المستوى بالنفي، ويقول إن المسألة تتعلق بالصورة، وليست مسألة جوهرية. ويضيف المصدر نفسه، أن التقدير المتطرف بشأن احتمالات نشوب حرب في الشمال، يهدف إلى دفع الجيش إلى أن يبادر خلال فترة زمنية محددة لاستكمال تجهيزاته، والعمل على لملمة أطرافه واستعادة قدراته، التي كان يعتقد خطأ أنها كانت متوفرة في الوقت الذي بادر فيه متسرعاً إلى شن الحرب في الصيف الأخير.
  • استقالة حالوتس؟
    تندرج إعادة بناء جهوزية الجيش في سلّم أولويات رئيس هيئة الأركان دان حالوتس، كي يبرز أن عمل لجنة تقصّي حقائق نتائج الحرب، التي ستنهي عملها خلال أسبوعين، مسألة جوهرية وأساسية في عمله. وحالوتس، رغم النفي الوارد من ناحيته، يفكر جدياً بالاستقالة، لكنه يبحث عن سياق ملائم لهذه الخطوة. وبالتالي، فإن استكمال التحقيقات التي يصفها رئيس الأركان بأنها معمقة وصادقة جداً، قد يوفر له سياقاً ملائماً، ذلك أنه يستطيع (بعد إعادة جهوزية الجيش) أن يقول إنه ترك لخلفه طاولة نظيفة، وأن الجيش عاد إلى السكة الصحيحة بعد عملية بناء وترميم واسعة وشاملة.
    تفرض استقالة حالوتس على كثيرين في الجيش البدء بعملية الاستعداد. لكن إذا استقال حالوتس فعلاً، فمن الصعب أن نرى كيف سيتفق (رئيس الوزراء إيهود) أولمرت و(وزير الدفاع عامير) بيرتس على تعيين خلف له. كان تعيين حالوتس رئيساً للأركان قد فرض على وزير الدفاع شاؤول موفاز من رئيس الوزراء القوي أرييل شارون. والعلاقات بين إيهود أولمرت وعامير بيرتس، الشريكين الائتلافيين والخصمين السياسيين، مع خصومة شخصية، هي علاقات مختلفة عن علاقات موفاز بشارون، وقد يكون لبيرتس تأثير حاسم في تعيين رئيس هيئة الأركان المقبل.
    إذا كان قرار التعيين بيد بيرتس فعلاً، فهناك احتمال كبير لتعيين المدير العام لوزارة الدفاع اللواء احتياط غابي اشكنازي في هذا المنصب. لكن أولمرت، وكما يسود الاعتقاد في المؤسسة الأمنية، يفضّل أن يكون المرشح للمنصب من خارج الجيش، أي لواء يعود إلى صفوفه، ويجري تداول اسمين عدا اشكنازي، هما المتخرجان الناجحان من الوسط التجاري، اللواء احتياط ايلان بيران واللواء احتياط شلومو يناي.
  • حرب مع سوريا
    يتحدث رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، اللواء عاموس يادلين، في مواجهة خطورة اندلاع الحرب مع سوريا، عن ضرورة العمل على درس احتمالات استئناف العملية السياسية مع دمشق، وبذلك ينضم يادلين إلى رئيس الاستخبارات السابق اللواء أهارون زئيفي (فركش). إلا أن أولمرت، كما شارون في السابق، يرد بفتور على هذا الطرح، ويتساءل وبصوت عال، عما إذا كان رئيس شعبة الاستخبارات قد تجاوز صلاحياته. لكن أولمرت، وفي الجبهة اللبنانية على الأقل، يفكر بإمكان التجاوب مع حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة في قضية مزارع شبعا.
    وتلفت في ذلك، مع أو من دون صلة، مباشرة دائرة ترسيم الخرائط في الأمم المتحدة مشروع وضع خريطة لمزارع شبعا؛ فقد تقدم الأمم المتحدة على حسم مصير هذه المنطقة المتنازع عليها، وتعتمد في عملية الترسيم على الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية، إلا أن الحكومة اللبنانية غائبة كليا عن المشاركة في هذا المشروع.
    تلقّى أولمرت وجهة نظر تقول إن احتمال موافقة سوريا على تسوية، تسلّم إسرائيل في إطارها مزارع شبعا إلى لبنان، هو احتمال ضئيل. وهذا التقدير يرى أن (الرئيس السوري) بشار الأسد غير متحمس لهذا الاحتمال، فعندما طُرحت أمام الأسد اقتراحات لإعادة ترسيم الحدود السورية ــ اللبنانية، أجاب أنه يوافق على ذلك، شرط أن تبدأ عملية الترسيم من منطقة طرابلس في شمال لبنان، أي بعيداً قدر المستطاع عن مزارع شبعا.
  • جمود فلسطيني
    تعود الأطراف على الساحة الفلسطينية إلى المربع الأول، رغم أن عمليات إطلاق صواريخ «القسام» قد انخفضت في الأيام الأخيرة؛ فحكومة حماس بقيادة إسماعيل هنية، ترفض إخلاء مكانها.
    يجول هنية على الدولة العربية في جولة تمتد لأسبوعين، والى أن يعود، لا مفاوضات عملية بين حركتي فتح وحماس بشأن تأليف حكومة وحدة وطنية.
    رسم الجانب الإسرائيلي، في مطلع الأسبوع الجاري، وفي أعقاب وقف إطلاق النار، سيناريوهات معقدة ومتعددة المراحل لصفقة شاملة، تتضمن إطلاق جلعاد شاليط وتأليف حكومة وحدة جديدة. لكن، وكالعادة، كانت الساحة الفلسطينية أكثر تعقيداً وحرجاً مما تعتقد إسرائيل. ويبدو أن قضية شاليط لا تزال بعيدة عن الحل، كما أن مصير حكومة التكنوقراط، التي جرى التفاوض عليها بين هنية ومحمود عباس لأشهر، لا تزال غامضة المصير.
    أعربوا في ديوان رئيس السلطة الفلسطينية عن غضبهم هذا الأسبوع، وليس فقط من «حماس»، وهو ما اسر به عباس لهنية في اللقاء الذي جمعهما في غزة يوم الاثنين. قال الرئيس لرئيس الوزراء، إنه لن يواصل التفاوض بشأن حكومة الوحدة، «وإذا كنت تعتقد أنك قادر على رفع الحصار عن حكومتك من دون مساعدتي، فتفضل».
    الإحباط في حاشية عباس موجّه تحديداً إلى المصريين، الذين بالغوا هذا الأسبوع في الثناء على رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» في دمشق، خالد مشعل؛ فقد بدأت الحفاوة في المؤتمر الصحافي لمشعل في نادي الصحافة في القاهرة، واستمرت من خلال المقابلة التي أجراها مع قنوات التلفزة المصرية، وانتهى بزيارة هنية وحاشيته إلى القاهرة، المحطة الأولى في رحلة رئيس الوزراء. ويعبر أحد أتباع عباس عن خيبة أمل، ذلك أن وزير الاستخبارات المصري عمر سليمان، وعد بنفسه أبو مازن بألا تسمح مصر لهنية بالخروج عبر معبر رفح من اجل جمع الأموال لحكومة «حماس».
    ثمن رحلة هنية واضح لمحمود عباس؛ فقد استطاع اثنان من قادة «حماس» جلب 25 مليون دولار في حقائب عبر معبر رفح، وهو مبلغ كبيرا جداً في مقياس اقتصاد غزة هذه الأيام، ذلك أن دولاراً واحداً من هذا المبلغ لن يصل إلى خزينة السلطة، وسيمرر إلى جهاز الصدقات التابع لـ «حماس» والى جناحها العسكري. إن عودة هنية من الخارج تعني مزيداً من عشرات الملايين من الدولارات لـ «حماس»، ونافذة فرصة إضافية للخروج من الضائقة المالية المتزايدة.
  • إطلاق البرغوثي
    يخشى مقربو عباس في نهاية المطاف من أن تستفيد حركة «حماس» وحدها من صفقة إطلاق شاليط، ذلك أن إطلاق إسرائيل لسراح المئات من السجناء الفلسطينيين، سيسجل لحساب قوة ذراع «حماس»، وليس لنهج عباس السلمي، رغم وعود أولمرت بإعطاء السجناء لأبو مازن.
    لقد حاول معاونو عباس هذا الأسبوع محاولة أخيرة، لكن شبه يائسة، لحرف المجريات لمصلحتهم. وتوجهوا إلى الفصيلين اللذين ساعدا «حماس» على اختطاف شاليط، وطرحا عليهما تسليم الجندي لأبو مازن، لكن احتمال نجاح خطوة كهذه معدوم.
    يبدو أن «حماس» ستخرج من وقف إطلاق النار قوية، بل ستتحسن مكانتها أيضاً بعد صفقة شاليط، كما أن الدعم المصري المفاجئ لـ «حماس» سيدفع هنية ومشعل إلى التشدد في مفاوضات حكومة الوحدة.
    تستطيع حركة «فتح» أن تستفيد من الصفقة بإنجاز واحد، إذا شملت إطلاق مروان البرغوثي المحكوم بخمسة أحكام بالسجن المؤبد بالتراكم، ذلك أن إطلاقه سيخفف من ضرر إنجاز «حماس»، ويعيد رجال فتح الميدانيين إلى صدارة الاهتمام في الوعي الشعبي الفلسطيني.
    يتداولون في إسرائيل، ومنذ سنوات، إطلاق البرغوثي، ويرون أن إطلاقه سيحرك آمال العملية السياسية مع قيادة «فتح»، بل إن بعض الجنرالات في الأركان العامة يعبّرون أيضاً عن تأييدهم لهذه الخطوة التي ستواجه بمعارضة شديدة من رئيس الشاباك السابق، آفي ديختر، وخليفته يوفال ديسكن. ويذكر أن أحداً ما في إسرائيل حرص على إعلام المراسلين السياسيين بأن البرغوثي أسهم ايجاباً في التوصل إلى اتفاق وقف النار.
    سيطرح ديختر وديسكن ادعاءات مقنعة؛ فالبرغوثي كان ضالعاً في قتل إسرائيليين، والمجموعة التي تقود الجناح العسكري ل «فتح» في الضفة عملت بأوامر منه في بداية الانتفاضة. إلا أن البرغوثي، من ناحية ثانية، يبدي مشاركة نشطة، ومنذ سنوات، في التوصل إلى تهدئة. ويحتمل أن يشكل ذلك رصيداً لإطلاقه في صفقة مستقبلية.
  • فشل وقف إطلاق النار
    رغم أن أولمرت أعطى الأمل بانطلاق العملية السياسية مع الفلسطينيين، تشكك الجهات الأمنية في إسرائيل في احتمال إجراء تسوية مع السلطة. وألمح حالوتس إلى ذلك لدى قوله إن المستوى السياسي لم يشاور الجيش سوى جزئياً بشأن اتفاق وقف إطلاق النار. ويتفق الجيش والشاباك في ما يجري في القطاع، ذلك أن «حماس» تقوم في القطاع ببناء طبعة جديدة جنوبية لحزب الله لاند، والهدنة ستتيح لها تعزيز قوتها من دون إزعاج، من خلال عمليات التهريب. سينهار الهدوء في الفترة المريحة جدا للخصم لا لإسرائيل.
    يتوقع الجيش، على المستوى المنظور، وفي إطار حماية نفسه من الاتهامات إفشال وقف النار، وصول تعليمات دقيقة من المستوى السياسي. كالعادة، وكما هو متوقع، لا تصل هذه التعليمات، الأمر الذي يدفع الجيش إلى تخمين نيات السياسيين واشتقاق تعليمات إطلاق النار منها.
    يعتبر الغموض والإبهام سيئان للجيش، ذلك أن القادة العسكريين يضطرون إلى اتخاذ القرار في كل معضلة، بشأن قواعد فتح إطلاق النار أمام التهديدات المباشرة. وكان ديوان بيرتس قد عبر عن غضبه هذا الأسبوع من تجاهل قيادة المنطقة الجنوبية لتعليمات الوزير بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية بشأن نشر العناصر الأمنية الفلسطينية لمنع إطلاق صواريخ «القسام» من شمالي القطاع. يستغربون في الجيش: منذ متى كنا ننسق مع الأجهزة الفلسطينية؟ الم نقاطعهم بالكامل بعد انتصار حماس في الانتخابات البرلمانية؟.