الجزائر | في العام الثالث في المنفى، مازلت أجلس على السرير وأتأكد أن قدميي ملتصقتان بالأرض. خلفي تماماً، الشباك المفتوح على العاصمة والبحر والميناء. الزاوية الأقل جمالاً للعاصمة. أنا أعلم تماماً أني شخص متكور على نفسه وعلى اهتمامي برؤية الصور والأصوات والمفاهيم وأعلم أني أكره وبشكل كبير أن ألتقي بالسوريين أو الفلسطينيين السوريين هنا. أصاب بالاكتئاب وباختلال توازن العالم من حولي ويلتصق بتجربتي ما كنت أحاول الهروب منه مراراً.
ذاتية التحليل وإعادة صياغة الذاكرة والجسد والمفاهيم جعلتني أرفض بشكل قاطع أي رومانسية أو قدسية تحملها الذاكرة المشوّهة فينا. تلك الرومانسية التي أفضّل أن أصدم جبهتي بالحائط عند سماع تفاصيلها.
اللاجئ هو كائن مشوّه. تاريخه مشوّه ومنطقه مشوّه وذاكرته مشوّهة ومكانه أيضاً. من الصعب على اللاجئ أن يمتلك الحقيقة. أحيانا أنا لا أفهم نفسي! عندما أتحاور مع الأنا العميقة التي ما زالت تجلد نفسها بصور من مخيم اليرموك ومنزل العائلة هناك. مازلت لم أحدد بوضوح موقفي من المنازل أو الأماكن التي تحويني. لكن المدن تغتالني. جسدي دمية مليئة بالحلوى، كلما ضربتي المدن أفيض بالألم والسكّر.
لا أستطيع تحمّل سماع السوريين يتحسّرون على سوريا. أنا أنتظر من دون تقصّد البحث، لاجئ يقول لي إن المدن التي يراها تجلده بالسوط والعبث والفضاء المطلق، هي أجمل من دمشق. انتظر لاجئاً يستيقظ صباحاً ليتأكد أن قدميه ما زالتا تلامسان الأرض، ورئتيه مازالتا تعملان، وحين يطمئن لذلك، يسرق ما استطاع من أوكسجين هذا الكوكب.