محمد بدير
خرجت إسرائيل الرسمية عن صمتها حيال ما يحصل في لبنان فكان كلامها قرعاً لنواقيس الخطر الذي رأت أن التطورات وراء حدودها الشمالية تحمله إليها. وإذ تحسّبت لانعكاسات محتملة لما يجري على الحدود نفسها، فرفعت جهوزية قواتها هناك

تداعت الحكومة الأمنية الاسرائيلية المصغرة للبحث في سبل دعم الحكومة اللبنانية الحالية، وعلى جدول أعمالها مقترحات بدأت من خيار «التنازل» عن شبعا، لتنتهي عند قرار الانسحاب من القسم الشمالي من بلدة الغجر المحتلة، بعد أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء العدوان الذي أعادت احتلاله فيه.
وبرغم تحذيرات أطلقها وزراء إسرائيليون من التدخل في الشأن اللبناني، إلا أن الوزراء أنفسهم لم يتمالكوا أنفسهم عن التطرق لما يحصل في لبنان، فكانت السمة البارزة لتصريحاتهم اشتمالها على عبارات «القلق» و«الخطر» و«الاستعداد لاحتمال حصول انقلاب» مع التشديد في إبداء الحرص على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
فقد قررت الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية أمس تسليم القسم الشمالي من بلدة الغجر إلى الأمم المتحدة. وأفادت تقارير إعلامية إسرائيلية أن المسؤولين في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وشعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي بحثوا خلال الأسابيع الماضية في عدد من الإمكانات المتعلقة بقرية الغجر. وجرى بحث قسم هذه المباحثات مع الحكومة اللبنانية، لكن ليس بشكل مباشر، بل بواسطة الأمم المتحدة.
وبحسب الخطة التي قدمها مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وصادقت عليها الحكومة المصغرة، فإن الأمم المتحدة هي التي ستشرف على القسم الشمالي من قرية الغجر وستكون مسؤولة عن منع نشطاء حزب الله من الدخول إليه، كما ستشرف الأمم المتحدة على العبور من وإلى القسم الجنوبي الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية.
ونص قرار الحكومة الإسرائيلية على أن يواصل سكان القسم الشمالي من الغجر حمل بطاقة الهوية بموجب قانون ضم هضبة الجولان الذي سنّه الكنيست عام 1980 والحصول على الخدمات الاجتماعية من إسرائيل.
ورغم تحذير وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني زملاءها من التطرق في تصريحاتهم العلنية إلى الحاجة إلى دعم حكومة السنيورة، معتبرة أن ذلك هو «الأمر الأخير الذي يحتاج إليه (السنيورة)»، فإن الوزراء لم يتمالكوا أنفسهم أمام حجم الحدث اللبناني. وكان القاسم المشترك لسلسلة التصريحات التي تناوب عليها عدد كبير من وزراء الحكومة الإسرائيلية هو الإعراب عن الخشية والقلق من تداعيات ما يحصل في لبنان على إسرائيل، من الناحية الأمنية والسياسية، وإبداء الحرص بالتالي على حكومة السنيورة.
وأكد رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، أن «كل الأجهزة الإسرائيلية تتعقب ما يحصل في لبنان». وقال «نحن نعرف الجهات والمنظمات التي تحاول إسقاط حكومة لبنان»، معتبرا أن «ثمة أهمية للحفاظ على الاستقرار السياسي في الدولة (لبنان)».
ورأى وزير الدفاع، عامير بيرتس، أن الوضع هش في لبنان، معلناً أنه أصدر «تعليماته إلى الأجهزة الاستخبارية بمتابعة التطورات هناك بشكل حثيث، وخاصة في ما يتعلق بالتداعيات الممكنة على إسرائيل».
وتحدث رئيس حزب «شاس»، وزير التجارة والصناعة، إيلي يشاي، بلسان حال زملائه عندما تمنى لو كان رئيس الوزراء اللبناني أكثر قوة. وأوضح «لا شك في أن ما يحدث في لبنان يحتم علينا الاستعداد لاحتمال حدوث انقلاب»، مسلّماً بأن «الأمور ليست في أيدينا». وتحفّظ يشاي على الانسحاب من القسم الشمالي من بلدة الغجر في سياق بحث الخطوات الهادفة إلى دعم السنيورة، معتبراً أنه «لا ينبغي لإسرائيل أن تتعجل في التنازل عن ممتلكاتها». أضاف «هناك حاجة إلى خطوات من شأنها أن تعزز قوة الحكومة اللبنانية الحالية أمام الضغوط الشديدة التي تمارس عليها».
وقال وزير الإسكان مئير شطريت، من جهته، إنه «لا شك في أن الوضع في لبنان مقلق وخاصة إذا نجح السوريون في إسقاط حكومة السنيورة، بواسطة حزب الله»، محذّراً من أن ذلك إذا حصل فإنه سيعني أن «ذراعاً إيرانية طويلة ستسيطر على لبنان». ورفض شطريت «تنازل» إسرائيل عن مزارع شبعا. وقال «لا يمكن أن تواصل إسرائيل العطاء على الدوام من دون أن تنال شيئاً في المقابل». أضاف «إن شبعا هي منطقة سورية وكانت كذلك على امتداد التاريخ. الأمم المتحدة تريد أن تجعل الأمر سهلاً عليها، وإذا كانوا يريدون التحدث في شأن شبعا، فليعلنوا أولاً أنها منطقة لبنانية».
ورأى الوزير رافي إيتان (حزب المتقاعدين) أنه «إذا وصل الإيرانيون إلى لبنان، فهذا وضع جديد يشكل خطراً على إسرائيل. لكن ينبغي لنا أن نتذكر أن كل تدخل إسرائيلي في ما يحدث في لبنان يعود بنتيجة عكسية ويقوّي هؤلاء الذين نعارضهم، لهذا يجب الامتناع عن أقوال زائدة». أضاف إن «إسرائيل لا تستطيع التدخل في ما يحدث في لبنان، فتعزيز قوة السنيورة لا يمكنه أن يأتي عن طريق إسرائيل، فهذه مهمة الولايات المتحدة».
أما وزيرة التربية، يولي تامير (حزب العمل)، فكانت واضحة في دعوتها إلى «تعزيز قوة السنيورة، وجهات أخرى معتدلة»، معتبرة أن ما يعزز قوته ليس تسليم مزارع شبعا، بل «يجب أن يحصل على كامل الدعم (الدولي) وينبغي لنا أن ننتبه كثيراً من التدخل في الشأن اللبناني».
وكانت مسؤولة في مكتب أولمرت قد صرحت أمس لوكالة «فرانس برس» أن «الحكومة الاسرائيلية تتابع بأكبر قدر من الانتباه الأحداث الحالية في لبنان وترى أنها ستخلف عواقب مباشرة على اسرائيل». وقال المتحدث باسم الحكومة، آفي بازنر، إن "إسرائيل لا تنوي التدخل في هذه الأزمة السياسية اللبنانية لأن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية".
من جهة أخرى، رأى مسؤول في وزراة الخارجية الإسرائيلية في تصريح للوكالة نفسها أن التظاهرات التي ينظمها حزب الله «تشكل في المقام الاول مؤشر ضعف سياسي لهذه الميليشيا الشيعية التي تراهن بكل ما لديها»، ورأى أن حكومة السنيورة التي «حصلت على دعم مصر والسعودية تصمد افضل بكثير مما كان متوقعاً». أضاف إن ثمة «احتمالات كبيرة بأن تنتهي هذه الأزمة بتسوية هشة بين الحكومة وحزب الله».
ودخل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق أهارون زئيفي فركش على خط التعليقات على التطورات اللبنانية، فرأى في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أن «استقالة الحكومة اللبنانية ستزيد من احتمال نشوب حرب أخرى (بين لبنان وإسرائيل) في الصيف المقبل». لكن فركش أكد أنه «لا يجدر بإسرائيل أن تتدخل في الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان» وأن «دور أوروبا هو منع سيطرة جهات متطرفة تحاول تحويل لبنان إلى موقع إيراني».
إلى ذلك، أصدر الجيش الإسرائيلي أمس تعليمات لقواته عند الحدود الشمالية برفع حالة الاستنفار تحسباً من محاولة حزب الله تنظيم تظاهرات ومسيرات عند الشريط الحدودي في إطار التظاهرات والنشاطات الداعية لإسقاط الحكومة اللبنانية.