«يديعوت أحرونوت» - ايال زيسر
استجاب مئات الآلاف من الشيعة لنداء الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بالخروج الى شوارع بيروت، والمطالبة باستقالة حكومة فؤاد السنيورة. جاؤوا من كل أرجاء لبنان، بانضباط يذكّر بانضباط العسكر. وليس في ذلك أي مفاجأة، ذلك أن حزب الله، كما هو واضح للجميع، يحظى اليوم بتأييد غالبية الشيعة، الطائفة الأكبر في لبنانوليس هناك أيضاً أي مفاجأة في ضبط النفس الذي يمارسه المتظاهرون، فقد أثبت حزب الله في السنوات الماضية أنه قادر على السيطرة على مؤيديه: إذا شاء أخرجهم بهدوء ونظام مثالي في تظاهرات ضخمة، واذا شاء ألقى بهم في المعركة.
وفّرت تظاهرة الجمعة مفاجأة وحيدة، وهي هوية المتحدث الرئيسي فيها ــــ الجنرال الماروني ميشال عون، الذي كان في الماضي البعيد عدواً لدوداً للسوريين وها هو اليوم حليف لهم – أو ربما عميل ـــ لنصر الله، ويضع الآمال على تأييد حزب الله له للوصول الى قصر الرئاسة في بعبدا.
يدل ضبط نفس المتظاهرين، وكذلك التخفي وراء الجنرال عون، على أن هدف نصر الله ليس تحطيم الأواني أو الحرب الأهلية، إنه يسعى فقط الى إلحاق الهزيمة بالسنيورة وإجباره على تلبية مطالبه.
يهدف نصر الله في هذه المرحلة الى إخضاع السنيورة لبعض من مطالبه، وفي أساسها تأليف حكومة جديدة على أن يملك فيها، إضافة الى حلفائه من المعسكر الشيعي، قدرة تأثير وحق نقض أي قرار يصدر عنها. إنه الهدف الحالي لنصر الله، لكن على المدى البعيد، يهدف الى السيطرة على لبنان باعتبار أنّ الشيعة هم الطائفة الأكبر في لبنان. لدى نصر الله صبر وطول نفس، وهو على استعداد لأن ينتظر كي تنضج الظروف لخطوته الكبرى.
تصرّف رئيس الحكومة اللبنانية السنيورة بكثير من الشجاعة غير العادية، نظراً لمظاهر الرعب التي يبديها نصر الله. ويتمتع السنيورة بتأييد غالبية أبناء الطائفة السنية، وكذلك الطائفة المارونية والدرزية، كما أنه يتمتع أيضاً بتأييد من الأسرة الدولية ومعظم الدول العربية المعتدلة. إلا أن ذلك كله لا يكفي، فإذا واصل نصر الله ومؤيدوه مقاطعة الحكومة، فسيجد السنيورة صعوبة في أداء مهماته.
يُتوقع أن نشهد بازاراً لبنانياً نموذجياً، يخرج فيه كل طرف من الأطراف بنصف أمانيه: يضطر السنيورة الى الخضوع لبعض من مطالب نصر الله، بينما يتراجع نصر الله عن مطالب أخرى. ويمكن بذلك تأجيل الأزمة المقبلة وما سيأتي بعدها، إن لم يكن منعها، لكن المعركة على الحكم في لبنان ستبقى من دون حسم.
لبنان هو لبنان، ليس بالضرورة أن يقرر المنطق سياق الأحداث فيه، وبالتالي قد يخرج الاحتجاج الهادئ لمؤيدي حزب الله عن السيطرة، أو يُحشر السنيورة ويستقيل، والأكثر معقوليةً أن يصدر الرئيس اللبناني المؤيد لسوريا، إميل لحود، مرسوم الاستقالة. وبما أن الغالبية البرلمانية لن تسمّي سوى السنيورة رئيساً للحكومة، فسيكون المخرج الوحيد في التوجه نحو الشعب وإجراء انتخابات نيابية جديدة.
إذا وصلت الأمور الى انتخابات جديدة، فقد يكون لمؤيدي سوريا اليد العليا فيها، ذلك أن لدمشق خبرة ثابتة في تصفية الخصوم المحتملين وتنظيم انتخابات في لبنان حسبما تريد.
الى الآن، صدت واشنطن محاولات دمشق في العودة للسيطرة على لبنان، إلا أن رياحاً جديدة تهب في واشنطن، وهناك أصوات تطالب بالحوار مع السوريين، في ضوء المأزق الذي علق فيه الأميركيون في العراق.
أول من سيدفع ثمن عودة مؤيدي سوريا للسيطرة على لبنان هم اللبنانيون الشجعان، الذين أملوا صعود لبنان على متن قطار الديموقراطية والحرية. ستكون إسرائيل ثاني من يدفع الثمن، لأنها ستكتشف أنها أبعدت حزب الله عن الحدود الشمالية فتحوّل الى معيّن للسياسيين اللبنانيين وللحكومة المقبلة في بيروت. وستدفع الولايات المتحدة أيضاً الثمن؛ فسقوط السنيورة سيكون نهاية مغامرتها في لبنان، وهي إشارة على طريق التراجع الأميركي في العراق وإنهاء رؤية الرئيس بوش في شأن شرق أوسط جديد.