«هآرتس» ــ يوفال شتاينيتس *
ما هي علاقة مصر الحقيقية بالسلطة الفلسطينية والمنظمات الإرهابية في المناطق؟ إن قسماً كبيراً من السلاح والذخيرة ينقل الى حماس وكل المنظمات الارهابية في غزة، عن طريق الاراضي السيادية لمصر. واذا لم تقم دولة ما بفعل كل ما بوسعها لمنع عمليات تهريب السلاح الى المنظمات الارهابية، فيعني ذلك انها تؤيد الإرهاب تأييداً صامتاً

زادت معدلات التهريب من مصر في العام الماضي، بحسب معطيات «الشاباك»، الى اكثر من عشرين الف بندقية في العام وملايين الطلقات النارية، ومئات صواريخ الـ«ار بي جي» المضادة للدروع، وعشرات الاطنان من المواد المتفجرة، اضافة الى تجهيزات تكفي لتسليح عدد من وحدات فرق المشاة.
بخلاف الانطباع القائم، يجب على مصر أن تعمل على صد التهريب، لا عن طريق الصراع مع الانفاق في محور فيلادلفي، بل عليها اقامة نقاط تفتيش على الشوارع والطرقات الترابية التي تفضي الى منطقة رفح، وعليها ان تعرقل قوافل السلاح والذخيرة في اقرب وقت. عليهم أيضاً أن يعتقلوا زعماء التهريب في العريش وفي القاهرة وزجهم في السجون. عليهم تدمير شبكات التهريب، كما فعل الاردنيون بالضبط.
عندما تقوم مصر، في المجال الدبلوماسي، بدعوة خالد مشعل ورفاقه الى القاهرة مرة تلو الاخرى للقاء وزراء مصريين، فإن الامر يتعلق بتعزيز دبلوماسي حيوي لـ «حماس»، لا في وجه اسرائيل وحسب، بل في وجه «فتح» و(الرئيس محمود عباس) ابو مازن ايضاً.
في واقع الأمر، الحديث لا يتعلق بظاهرة موجهة الى اسرائيل فقط. انه سلوك اقليمي معمول به من اطراف اخرى في المنطقة: لقد شجعت سوريا، ومنذ سنين، ارهاب حزب الله ومنظمات اخرى مضادة للبنان، وشجعت الارهاب الكردي لجبهة «بي.كي.كي» المضادة لتركيا، كما شجعت الارهاب الداخلي في الاردن والعراق؛ وكذلك شجع عراق صدام حسين الارهاب السني في سوريا، والارهاب الفلسطيني في الاردن، والارهاب الشيوعي والكردي في ايران.
لماذا تتصرف مصر هكذا؟ يبدو أنها تريد الوصول الى نتائج عديدة من سياستها مع «حماس». أولى هذه النتائج وأوضحها هي استنزاف اسرائيل لسنين، وإضعافها. إن تسلح الفلسطينيين الكثيف في السنة الأخيرة يهدف الى التمكين من اقامة جهاز في غزة على نحو يشبه حزب الله في لبنان، وهو شيء يفترض أن يُثقل على اسرائيل في حالة اشتعال اقليمي.
يعتقد المصريون أن زيادة التهريبات وسوء الوضع في أعقاب ذلك، سيثبتان أهمية اعادة السيطرة العسكرية المصرية في شرقي سيناء.
هناك موضوع آخر يجب البحث عنه وهو تعاظم مصر عسكرياً. الدولة التي لا يهددها اي خطر وجودي، ولا حتى نزاع حدودي متأجج مع جاراتها. على أية حال، لقد اصبحت مصر مالكة لقوة عسكرية، يساعدها في ذلك المساعدة العسكرية الاميركية، التي تجعلها متفوقة من ناحية عسكرية تقليدية مثيرة للانطباع، على كل دولة عربية أو افريقية اخرى.
التفسير السائد في الدوائر الاستخباراتية، كما في الاعلام، لاستمرار تعاظم مصر، هو أن مصر لا تزال تشعر بتهديد اسرائيل. انه تفسير غامض. اليوم، بعد 25 عاماً من تعاظم مثير للانطباع، بلغت التوازن الكمي مع اسرائيل في مجالات عديدة؛ فعدد الطائرات الحربية الحديثة لسلاح الجو المصري، وأكثرها طائرات «اف 16» اميركية، يعادل عدد طائرات سلاح الجو الاسرائيلي، أما في عدد الدبابات الغربية، والمدافع، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، والسفن الحربية، فإنها تتفوق بنسبة كبيرة على ما لدى الجيش الاسرائيلي.
هناك ايضاً تطور مقلق آخر يتعلق بالتدريبات العسكرية؛ فابتداء من عام 1996، اي بعد ثلاث سنوات من دفع اتفاق اوسلو الى الأمام، تُجرى أكثر التدريبات العسكرية في مصر محاكاةً لحرب مع اسرائيل. للمرة الأولى في ذلك الوقت، أُضيف الى عنوان التدريب السنوي التلخيصي للجيش المصري، المسمى «تدريب بدر»، وهو عنوان ثانوي عُرّف أنه «تدريب حربي في مواجهة دولة صغيرة في شمال شرق مصر» (ولا اظن أن الامر يتعلق بلبنان).
وفي النهاية، لا يمكن إلا أن نذكر قضية الثقافة المضادة لاسرائيل في مصر، والتحريض الشديد في وسائل الاعلام المصرية. فبعد نحو ثلاثين عاماً من زيارة (الرئيس الراحل أنور) السادات، لا يزال طلاب مصر ينشأون على أن اسرائيل مصدر الشر في المنطقة كلها. وفي أكثر الخرائط في الكتب التعليمية، لا يشار الى شرقي مصر على انه «اسرائيل» بل «فلسطين». في الاعلام المصري أيضاً، تهب رياح سلب اسرائيل لحقها في الوجود كدولة يهودية. وهناك بالطبع تحريض معاد للسامية.
قبل نحو سنتين، مع انقضاء مؤتمر شرم الشيخ، عقد رئيسا الولايات المتحدة ومصر مؤتمراً صحافياً، ومن ورائهما شاطئ بحر سيناء. تحدث بوش عن واجب الدول العربية أن تعمل لوقف التحريض على اسرائيل، والغرب والشعب اليهودي. في البث المباشر في التلفزيون، ظهر مبارك يهز رأسه علامة الموافقة، بيد أن مواطني مصر رأوا شيئاً آخر، لأنه في الوقت نفسه بث التلفزيون الرسمي حلقة اخرى من برنامج تلفزيوني يقوم على بروتوكولات حكماء صهيون، وصف اليهود كقوى ظلامية شيطانية تحاول تدمير العالم.
قبل 25 عاماً، تخلينا عن سيناء من اجل السلام مع مصر. اذا كانت مصر تحرص على مدى السنين على توسيع دائرة السلام مع الدول العربية المعتدلة، واذا كانت تغض الطرف عن تهريب السلاح الى المنظمات الارهابية في غزة، واذا كانت تمنح «حماس» تأييداً دبلوماسياً وعسكرياً خفياً، واذا كانت تُربي الجيل الشاب على كراهية اسرائيل، واذا كانت تنفق على زيادة القوة العسكرية إنفاقاً عظيماً ــ وكلها موجهة الى امكان مواجهة اسرائيل ــ فهذا ليس هو السلام الذي أملناه.

* نائب في الكنيست الاسرائيلي، عضو لجنة الخارجية والأمن