يحيى دبوق
لا تخفي إسرائيل انزعاجها وقلقها مما يحدث في لبنان وتخشى
مآلاته، ذلك أن سقوط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يعني كارثة على تل أبيب ــ بحسب التقدير الاسرائيلي ــ وإنهاءً للأمل والإنجاز الوحيد المتبقي للعدوان الأخير على لبنان، أي تداعي المنظومة الأمنية النامية في الجنوب اللبناني، والمراد لها حماية أمن إسرائيل في وجه حزب الله


حاولت صحيفة «جيروزاليم بوست» استطلاع آراء عدد من الكتّاب والمحللين الإسرائيليين والأميركيين اليهود، لمعرفة الأسباب التي أدت إلى الوضع الراهن على الساحة اللبنانية، وما يمكن أن تقوم به إسرائيل والغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، لتعزيز وضع المحور المؤيد لها في لبنان.. وجاءت إجاباتهم كالتالي:


***


مايكل فراند ــ مؤسس ومدير مركز «العودة إلى إسرائيل» في القدس المحتلة:
ــ ما يحدث في لبنان يتعلق بقليل من الديموقراطية وكثير من طموحات إيران الإقليمية والاستراتيجية.
ــ لحزب الله حضور في البرلمان اللبناني، إلا انه في الجوهر مقاومة شعبية مسلحة ومنظمة إرهابية تستخدم العنف والترهيب لنيل أهدافها. وهذه ليست ديموقراطية، إنها وسيلة على طراز المافيا.
ــ السماح بأن يسيطر حزب الله على الحكومة اللبنانية يعني كارثة، ليس فقط على نظام لبنان الهش، لكن على استقرار المنطقة بأسرها، فسيطرة حزب الله تعني أن تتوافر لرعاته الإيرانيين قاعدة عمل أكثر حضوراً على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، إضافة إلى وضع مقومات الدولة اللبنانية في تصرفهم.
ــ علاوة على ذلك، فإن سعي حزب الله لتحويل لبنان إلى دولة ثيوقراطية، على النموذج الخميني، يمكن أن يدفع البلاد مجدداً إلى الحرب الأهلية وإراقة الدماء.
ــ من ناحية جوهرية، يدفع الغرب وإسرائيل ثمن فشلهم على مر السنين في إسقاط حزب الله، الذي يملك قائمة نجاحات في مهاجمة أهداف ومصالح إسرائيلية وغربية وأميركية. لقد تأخر الوقت كثيراً للتدخل في لبنان لمنع (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله من السيطرة على السياسة اللبنانية.
ــ أساس المشكلة يكمن في طهران، وعلى الولايات المتحدة أن تركز جهودها عليها. إن القيام بضربة جوية للمنشآت النووية الإيرانية لا يؤدي فقط إلى تأخير خطط آيات الله النووية وحسب، بل ستشكل ضربة حاسمة للاندفاع الشيعي في لبنان وفي كل أرجاء المنطقة. فالشعور الإيراني والسوري بضعف الموقف الأميركي تجاههما، يؤدي إلى خلق المشاكل في لبنان وفي أماكن أخرى في المنطقة.
ــ يمكن الولايات المتحدة أن تدمر الإيحاء الإيراني لحسن نصر الله من خلال توجيه ضربة لطهران. أما الفشل فسيؤدي إلى استمرار المشاكل الإيرانية في المنطقة.


***


دانيال بايبس ــ مؤسس ومدير «منتدى الشرق الأوسط»، كاتب في صحيفة «نيويورك صان» الأميركية وصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، عمل سابقاًَ في وزارة الخارجية الأميركية:
ــ ارتكبت إدارة (الرئيس الأميركي جورج) بوش خطآن في لبنان، كما في معظم بلدان الشرق الأوسط: الإلحاح على إجراء انتخابات سريعة، وعدم الاعتراض على مشاركة الإسلاميين فيها. وقد استفادت من هذا التعميم حركات وأحزاب إسلامية، كما استفاد منها في السابق أدولف هتلر وحالياً هوغو تشافيز.
ــ إن الإقرار بهذه الأخطاء هو المسلك الوحيد للخروج من الوضع الراهن، ومن ثم مباشرة التدرج في الديموقراطية. وهناك أربعة مقترحات نقدمها للحكومة الأميركية، كنا قد قدمناها مباشرة بعد انتصار حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وما زالت كلها قابلة للتطبيق:
¶ الإبطاء: الانتباه إلى أن التسرّع في نقل الشرق الأوسط إلى الديموقراطية، يساهم عكسياً في إيصال الأعداء إلى السلطة.
¶ النفس الطويل: يجدر الاهتمام بالهدف الديموقراطي، إلا ان عملية إنجازه تتطلب عقوداً.
¶ هزيمة الإسلام الأصولي: عندما يرى المسلمون فشل طريق الأصولية، فسينفتحون على البدائل الأخرى.
¶ التنويه بالاستقرار: لا ينبغي أن يكون الاستقرار غاية في نفسه، إلا أن غيابه يؤدي إلى فوضى قد تتحول إلى أصولية.


***


شلومو أفينيري ــ محاضر في كلية العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس المحتلة:
ــ في العراق، كما في لبنان والأراضي الفلسطينية، أخطأت إدارة بوش في فهم الديموقراطية. فالانتخابات مكوّن ضروري لأي مجتمع ديموقراطي، والمطلوب ان يصحبها وجود مسبق لمجتمع مدني كدعامة ضرورية للديموقراطية، بما يشمل حرية التعبير والتعددية وتحمّل الآخر ونظام متعدد الأحزاب وانتخابات حرة من دون ترهيب الميليشيات والعصابات المسلحة. وقد افتقر العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية لمثل هذه الشروط.
ــ تتطلب المسألة مساراً طويلاً لتحقيق هذه الشروط، إلا أن إدارة بوش، في إنجيلها الديموقراطي المشيخاني، تغاضت عن هذه السمات التي يمكن أي طالب تاريخ أن يعيها.


***


م. ج. روزينبيرغ ــ مدير دائرة التحليل السياسي في «منتدى السياسة الإسرائيلية»:
ــ بداية، لسنا جميعاً متأثرين بكلمة ديموقراطية. والواقع أن العديد من الناس الذين يهتمون بمصلحة إسرائيل، يعتقدون بسذاجة وخطورة تشديد «نيوكون ــ شارانسكي» على أن الديموقراطية هي هدف للسياسة الخارجية.
ــ من ناحية شخصية، لست مهتماً، وبالمطلق، بأن يكون جيران إسرائيل ديموقراطيين، ما دامت لديهم رغبة في العيش بسلام معها.
ــ الأردن، على سبيل المثال، ليس ديموقراطياً، لكنه الجار الذي تحتاج إليه إسرائيل. أيضاً مصر ليست ديموقراطية، لكنها في حالة سلام مع إسرائيل، وهي لن تتحول إلى دولة ديموقراطية. وبالتالي، فلنضع الحملة الصليبية الديموقراطية جانباً.
ــ هناك شيء واحد ووحيد يمكن الغرب أن يقوم به في وجه محور إيران وحزب الله وسوريا، وهو أن يعمل على تحطيمه من خلال ترتيب الوضع مع سوريا، وإذا أمكن إخراجها من المعادلة، يمكن أن نعتمد على بشار الأسد غير الديموقراطي والتفرغ للاعتناء بالبقية. وإذا كانت صفقة الجولان تعني أن تنهي سوريا تحالفها مع حزب الله، فستكون بالتأكيد صفقة جيدة. لا نعرف إن كانت سوريا جاهزة للقيام بصفقة، لكن إن كان لديها جهوزية لذلك، فعلى إسرائيل أن تسلك هذا المسار وأن تكسر هذا المحور. ودعونا نقلق على الديموقراطية لاحقاً.
ــ الجيران «السلميون» غير الديموقراطيين هم أفضل بكثير من الجيران الديموقراطيين. فبالتأكيد ستقرر الغالبية رمي إسرائيل في البحر.
ــ المشكلة الحقيقية التي تواجهها إسرائيل هي إيران التي، بحمد الله، ليست لديها حدود مشتركة معها. إن إيجاد معالجة ما لسوريا وإيران، سيؤدي إلى خسارتهما حزب الله وموطئ قدم دخولهما إلى إسرائيل.
ــ لقد تقاعد شارنسكي من عالم السياسة، وحان الوقت لتتقاعد معه مفاهيمه السياسية الساذجة.


***


إليوت جاغير ــ كاتب في صحيفة «جيروزاليم بوست»:
ــ تحتاج المنطقة إلى تعددية والى حكم تمثيلي، لكن ليس ديموقراطية على قاعدة تمثيل الغالبية.
ــ النموذج الرئاسي (Madisonian) للديموقراطية يتضمّن آلية لحماية حقوق الأقلية، ونظاماً للمراقبة والمحاسبة، وفصلاً للسلطات، وليس «قرار الشعب». الحكم التمثيلي هو الذي يعنيه بوش على الأرجح عندما يتحدث عن الديموقراطية، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في فهمه. فآخر ما تتطلبه منطقة الشرق الأوسط، هو تمثيل الغالبية.
ــ في الوقت الذي لا جهوزية فيه لدى العالم العربي للحكم التمثيلي، لدى لبنان تاريخ تأسيسي من آليات التمثيل الجماعي. لكنه بلد ممزق إلى حد كبير، ليس فقط بين المسلمين والمسيحيين، بل بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة وبين الفئات المسيحية المختلفة. ويبدو أن الدروز أكثر اتحاداً، داخلياً، إلا ان ما يحرّكهم هو طلب المزيد من المصالح. إنها إحدى الحالات التي لا يملك الغرب حلاً لها.
ــ يجب العمل من خلال السنة والدروز والتحالف المسيحي المعادي لسوريا. لكن هل لدى هؤلاء الرجال الجيدين القدرة على الوقوف في وجه حزب الله؟ هل تقف السعودية ومصر إلى جانبهم بشكل ملموس؟
ــ سيوضع حل للأزمة بطريقة ما، إلا ان من الصعب أن نكون متفائلين بشأن مستقبل لبنان.


***


عاموتس اسرائيل: كاتب في صحيفة «جيروزاليم بوست» وعضو سابق في بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة:
ــ حاول الغرب ذات مرة معالجة الديموقراطية العربية في عام 1992 من خلال التسامح مع إزالة جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر التي جرى انتخابها في انتخابات حرة، إن لم يكن من خلال الحث على هذه الإزالة. النتيجة كانت كارثية، وأدت الى حرب أهلية وغضب إسلامي تجاه كل ما هو غربي.
ــ لاحقاً، في السلطة الفلسطينية، قامت واشنطن والقدس بالتغاضي عن تغييب «حماس» عن الانتخابات الرئاسية، إن لم يكن الحث على هذا التغييب، وجرى تصوير انتخاب (الرئيس الراحل ياسر) عرفات كأنه انتخاب حر. النتيجة كانت أن عمد عرفات إلى مراعاة مواقف (مؤسس حركة حماس الشيخ) أحمد ياسين قبل اتخاذ قراراته، ويعني ذلك أن «حماس» تحولت عملياً إلى مشاركة في السلطة: سلطة قصوى ومسؤولية دنيا.
ــ إرادة الجمهور في النهاية هي الحاكمة، وإذا ما اختار هذا الجمهور المبادرة الى الحرب فسنلاقيهم في الميدان. أما الاعتماد على شخص يحكمهم نظرياً عملية لن تغيّر شيئاً، ومهزلة حكم (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن المأساوية تدل على ذلك.
ــ في الوضع اللبناني، يجب العمل على إقرار نظام انتخابات مغاير للموجود، وإنهاء نظام الحصص الخاطئ تاريخياً. يجب تنظيم انتخابات يستطيع فيها السكان الفلسطينيون الانتخاب كما هي الحال في الأردن، حيث يتمتع الفلسطينيون بالمواطنة الكاملة وبحق العمل.


***


إيزي ليبلير ــ رئيس مركز القدس للعلاقات العامة:
ــ تشوب فلسفة بوش عيب أساسي، إذ إنه يعتقد بشكل مطلق بأن الانتخابات الديموقراطية هي الدواء الحاسم لمشاكل العالم العربي. إنه نوع من الهوس الأعمى الذي أدى إلى الكارثة الحالية في العراق، والى فوز «حماس»، ومشاكل أخرى.
ــ يمكن أن نتصور النتائج الكارثية لإجراء انتخابات ديموقراطية في الأردن أو في مصر، وتمكين الإخوان المسلمين من استلام السلطة. الديموقراطية لا يمكن أن تُفرض، وتتطلب نظاماً تعليمياً تحررياً، وبيئة ثقافية تراعي فيها الغالبية حقوق الأقليات. فألمانيا ما بعد الحرب وكذلك اليابان، تحولتا إلى بلدين ديموقراطيين فقط بعد فترة استقرار خلال الاحتلال، وبعد أن تعلم الجمهور معاني الديموقراطية.
ــ بالطبع، لا توجد ضمانات حتى في البلدان الأكثر تطوراً. فقد وصل هتلر إلى السلطة من خلال دعم أغلب الناخبين، مستغلاً الفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي سادت في حينه.
على الغرب أن يضغط في الشرق الأوسط على الحكومات الشمولية لعصرنة اقتصادها وتوفير الحريات المدنية، التي تجلب الديموقراطية في نهاية الأمر.
ــ إذا لم يتحرك الغرب، ومكّن الإيرانيين المسيطرين على حزب الله من سحق حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة، فإن حرباً أهلية فقط يمكنها أن تتغلب على الأصولية وتعيد الديموقراطية.


***


كاليف بن دافيد ــ كاتب في صحيفة «جيروزاليم بوست»، يعتبر من الكتّاب الواسعي الاطلاع في الشؤون السياسية والعسكرية في إسرائيل:
ــ أثبتت انتخابات الربيع الماضي، أن هناك غالبية لبنانية من كل الفئات المختلفة، وربما من بعض الشيعة أيضاً، تتخذ موقفاً مضاداً لمحاولات سوريا وإيران أن تتحكّما بلبنان من خلال وكيلهما حزب الله.
ــ في الواقع، يُنظر إلى هجوم حزب الله غير المستفَزّ على إسرائيل هذا الصيف، وفي شكل متزايد، على انه استهدف تقويض العملية الديموقراطية السريعة النمو في لبنان، التي أنتجت حكومة معادية لسوريا وإيران.
ــ يمكن لبنان أن يكون دولة عربية تقدمية وأكثر تأييداً للغرب في المنطقة، إلا أن ذلك لن يحدث إلا في حال أوضحت الولايات المتحدة وأوروبا لسوريا وإيران أنهما لا توافقان على تدخّلهما في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، ومن ضمنها محاولة انقلاب حزب الله على حكومة السنيورة.
ــ يجب على هذه التحذيرات أن تتضمن تهديداً ضمنياً بعمل عسكري تأديبي، كضرب المواقع العسكرية السورية حيث يتدرب ويتجهّز مقاتلو حزب الله، أو إمكانية تأليف قوة متعددة الجنسيات من الدول الأوروبية، وربما بقيادة فرنسية، للمجيء إلى لبنان ومساعدة حكومة السنيورة.