علي حيدر
“الاغتيالات قانونية بشروط”، هذه خلاصة ما توصلت إليه المحكمة العليا الإسرائيلية بعد جدل قانوني طويل، لم تتأثر فيه سابقاً عمليات التصفية، إلا أن قوات الاحتلال قد تبني عليه لتصعيد القتل من دون محاكمة

أضفت المحكمة العليا الاسرائيلية الشرعية على عمليات الاغتيال، التي ينفذها الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، عندما ردت أمس التماساً مقدماً ضد سياسة التصفيات، التي تطلق عليها إسرائيل تسمية “الإحباطات المركزة”، مبررة ذلك بأنه ينبغي درس كل حالة وفقاً لظروفها.
ورسمت المحكمة حدوداً لتنفيذ عمليات الاغتيال، لكون غالبية حالات “الإحباط المركز” تقع ضمن “المجال الرمادي”، وعليه لا بد من من ناحية موضوعية درس كل حالة على حدة. وحددت لذلك معايير عديدة كتوافر معلومات موثوقة ومقنعة تتعلق بهوية المستهدف، الذي له دور في “الأعمال العدائية، وعدم المبادرة إلى تنفيذ العملية اذا كان في الإمكان اتباع أساليب أقل ضرراً. ومن بين المعايير أيضاً ألا يكون استهداف “المخرّب” يتجاوز الحاجات الأمنية.
ودعت المحكمة الى الامتناع عن تنفيذ عملية الاغتيال في حال كان من الممكن اعتقاله والتحقيق معه وتقديمه إلى المحاكمة. وأشارت إلى ضرورة القيام بعملية فحص أساسي ومستقل تتعلق بهوية المصاب وظروف إصابته، في أعقاب عملية الاغتيال. وفي حالات ملائمة، يمكن دفع تعويضات للأبرياء المصابين.
وحضت المحكمة على الامتناع قدر الإمكان عن إصابة مدنيين أبرياء، حتى لو كانت العملية تستهدف شخصاً له دور في العمليات “الارهابية”، وعلى عدم استهداف “مخربين” إذا كان الضرر المتوقع لمدنيين أبرياء لا يتناسب مع الفائدة العسكرية المترتبة على استهدافهم.
وأشارت المحكمة إلى أن من المقبول “إطلاق الرصاص على قناص إرهابي يطلق النار على جنود أو مدنيين من شرفته، حتى لو أصيب مدني بريء يمر في المكان... ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه إذا ما قُصف المبنى من الجو وأُصيب العشرات من سكانه والمارين بجواره”.
يُذكر ان قرار المحكمة اتّخذه ثلاثة قضاة برئاسة رئيس المحكمة العليا السابق أهرون باراك، في آخر جلسة يرأسها.
واعتبرت المحكمة ان “الاعتقال والتحقيق والمحاكمة ليست سبلاً يمكن استخدامها دائماً. ففي بعض الأحيان لا يوجد مثل تلك الإمكانية. وفي بعض الأحيان تتطلب قدراً كبيراً من المخاطرة بحياة الجنود (الاسرائيليين).. وهذا ليس مطلوباً”.
وبناءً على ذلك، قررت المحكمة انه لا يمكن التحديد مسبقاً أن كل عملية “إحباط مركز” تعتبر عملية محظورة طبقاً للقانون الدولي المتعارف عليه، ولا يمكن التحديد مسبقاً أن كل إحباط مركَّز يمكن تنفيذه وفق القانون الدولي.
ورحّب مدّعي عام الدولة، شاي نيتسان، بقرار المحكمة العليا. وقال “أنا سعيد جداً لأن المحكمة وضعت إطاراً قانونياً لهذه العمليات”. وأضاف “مثل هذا الحكم يكفل حماية هائلة”.
وأعرب رئيس مجلس الأمن القومي، اللواء احتياط غيورا ايلاند، عن ارتياحه، مشدداً على ان الجيش “لديه الآن إطار شرعي”.
في المقابل، اعتبرت عضو الكنيست زئيفا غلأون (ميرتس اليساري) أنه “من المشين ألا تحظر المحكمة العليا تماماً هذه الاغتيالات. لقد أثبتت التجربة ان الجيش لا يكتفي بتصفية القنابل البشرية الحية، بل ينتهج سياسة الرعب ضد الإرهاب”.
وأصدر العضو العربي في الكنيست، عزمي بشارة، بياناً شدد فيه على حقيقة أنه “لا مجال للارتباك، فالقرارات كلها تأتي في إطار الإجماع الصهيوني والأمني الاسرائيلي، سواء كان ذلك متعلقاً بيهودية الدولة أو بمصالح اسرائيل الأمنية العليا، مع إصرار المحكمة على موقف ليبرالي في هذا الإطار وتحت سقفه”.
وأشار بشارة إلى أنه “لا يمكن الرهان جماعياً على المحكمة العليا وكأنها استراتيجيا بديلة من النضال، وما في جعبتها هو تعديلات ليبرالية في إطار السياسات القائمة وليست ضدها أو بديلة منها”.
بدوره قال النائب جمال زحالقة، لموقع “عرب 48”، إن المحكمة العليا الإسرائيلية أضفت الشرعية القضائية على جرائم الحرب وتنفيذ أحكام بالإعدام من دون محاكم. وأضاف أنه “يجب على جامعة الدول العربية، بعد هذا القرار، أن تطرح القضية على المحكمة الدولية، فهي المخوَّلة بحث قضايا جرائم الاحتلال والحرب”. وقال إن “قرار المحكمة يدل على أن السلطة القضائية الإسرائيلية هي شريكة كاملة في جرائم الجيش الإسرائيلي”.
ودانت السلطة الفلسطينية قرار المحكمة الاسرائيلية، داعيةً «المجتمع الدولي إلى أن يقف ضد هذه المحكمة وقرارها».
وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، ان «الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية هي جرائم حرب مرفوضة ومدانة وقرار المحكمة العليا الاسرائيلية الذي برر التصفيات ضد الفلسطينيين خطير جداً».
وأضاف عريقات «لا يحق للحكومة الاسرائيلية والدول ممارسة الاغتيالات، وخصوصاً إسرائيل، لأنها سلطة احتلال»، داعياً «المجتمع الدولي إلى ان يقف ضد هذه المحكمة وقرارها». وأضاف أن «قرار هذه المحكمة لاغ وباطل لانه مناف للقانون الدولي».
وندد رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني، محمد فرج الغول، بالقرار القضائي الإسرائيلي. وقال، في بيان صدر عن مكتبه في غزة، إن «الاغتيالات التي ينفذها الاحتلال هي إجراء محاكمة غيابية من دون محكمة وإصدار أحكام بالإعدام بقرارات سياسية وتنفيذها بقرارات أمنية»، مشدداً على أن كل ذلك خارج نطاق القضاء.
وأضاف الغول أن «الكيان الإسرائيلي بكل مكوناته يشارك في هذا الإرهاب وهو جريمة حرب يعاقب عليه القانون الدولي». وشدد على أن «الإعدام هو خارج نطاق القضاء ويعتبر جريمة حرب»، موضحاً أن المحاكم نفسها، عندما تخرج على القانون الدولي، يكون القضاة أصلاً خارجين على القانون الدولي.
واعتبر الغول أن قرار المحكمة العليا يثبت أن إسرائيل هي «الدولة الإرهابية المحتلة الخارجة على القانون الدولي»، داعياً المجتمع الدولي الى محاكمة مسؤولي دولة الاحتلال كمجرمي حرب. وطالب الغول الأمم المتحدة بإدانة «هذا العمل (قرار المحكمة) الذي يتناقض مع كل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية الإنسانية».
يُشار الى أن الالتماس ضد سياسة التصفيات التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي قدمته في كانون الثاني عام 2002 اللجنة العامة ضد التعذيب ومنظمة “قانون” للدفاع عن حقوق البيئة والانسان، وجُمّد بحث الالتماس في شباط من عام 2005، جراء البيان المشترك لرئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه أرييل شارون، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن وقف التصفيات وتجميدها. ولكن بعد تجدد الاغتيالات من جانب الاحتلال، تجدد النقاش في الالتماس.