strong>محمد بدير
يبدو أن سوريا قد اقتربت من «لحظة الحسم» في خياراتها حيال إسرائيل، التي لا توفر فرصة لدفع دمشق إلى تبني الخيار العسكري. خيار تعمل سوريا على قدم وساق استعداداً له، على الأقل، بحسب التقديرات الإسرائيلية

تواصل مؤشرات الحرب والسلام الآتية من دمشق، حسبما تراها تل أبيب، إثارة القلق والسجال في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وخاصة مع تراكم التحذيرات الاستخبارية من استكمال الاستعدادات السورية لخيار المواجهة العسكرية، كبديل عن خيار التسوية الذي تواتر الرفضُ الإسرائيلي له في الآونة الأخيرة.
الجديد على هذا الصعيد ما كشفت عنه تقارير إعلامية إسرائيلية، نقلاً عن تقديرات استخبارية، حول اقتراب سوريا من «لحظة الحسم» لخياراتها، وترافق ذلك مع الكشف أيضاً عن اتصالات سرية إسرائيلية ــ سورية أجرتها حكومة شارون عامي 2003 و 2004 لم تُفضِ إلى نتيجة ملموسة.
فقد ذكر كبير المحللين العسكريين في صحيفة «هآرتس» زئيف شيف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرييل شارون، لم يشذ عن قاعدة إجراء كل أسلافه في المنصب اتصالات سياسية بالسوريين، مع فارق بقاء هذه الاتصالات سراً حتى الآن.
وبحسب شيف، فإن مندوبين عن شارون قاموا بتكليف منه بعقد لقاءات مع مسؤولين سوريين في سويسرا، بدأت بناءً على اقتراح طرف ثالث، وصفه الكاتب بأنه مهم بالنسبة لإسرائيل، مشيراً إلى أنه قدم خدماته لتسهيل إجرائها. وقد جُمعت الوثائق المتعلقة بهذه المحادثات التي لم تنتهِ إلى نتيجة جراء معارضة شارون للمطالب السورية، في ملف سري، سُمِّي «الملف السويسري».
ولم تكن هذه الاتصالات، وفقاً لشيف، الاختراق السياسي الأول بين حكومة شارون ودمشق، فقد سبقتها اتصالات أجراها وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، سيلفان شالوم، في الأردن عام 2003، عبر المدير العام لوزارته، إيتان بن تسور، الذي التقى شقيق الرئيس السوري في عمان. ويقول شيف إن هذه اللقاءات توقفت بعدما جرى تسريب تفاصيل عنها من مكتب شارون، الذي كان طلب تأجيلها لما بعد الغزو الأميركي على العراق.
وفي هذا السياق، عرض مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، للاستعدادات السورية للمواجهة العسكرية مع إسرائيل، فأشار إلى أن التقديرات السائدة في إسرائيل تفيد بأن دمشق «على شفير الحسم». وبحسب فيشمان، المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية وبصدقية التقارير التي يوردها، فإن «سوريا سلكت في مواجهة إسرائيل حتى اليوم مسارين: المسار العسكري والمسار السياسي. ويشهد المسار العسكري تعاظم القوة العسكرية وتحالفاً استراتيجياً مع إيران ومؤامرات في لبنان ومساعدة ودفعة للإرهاب في المناطق الفلسطينية».
وبحسب فيشمان، فإن «المعلومات الآتية من الغرب تشير الى أن السوريين يقتربون من نقطة الحسم، التي تقول إنه لا جدوى من محاولة حل الصراع بالطرق السياسية وأن من الواجب الاستعداد للخيار العسكري. متى سيتحقق هذا الخيار؟ هذه مسألة سنوات. ولكن الاستعداد السوري يبدأ في التسارع».
وكشف فيشمان، استناداً إلى مصادر أجنبية، أنه «منذ حرب لبنان، قامت كل من إسرائيل وسوريا بتبادل التهديدات الواضحة باستخدام القوة». ونقل عن مصادر عربية قولها إنه «بعد تهديدات (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله بالوصول إلى غوش دان (أي استهداف منطقة تل أبيب بالقصف الصاروخي)، أوضحت إسرائيل لسوريا أنه إذا نُفّذ تهديد نصر الله، فإن دمشق ستعاني. التهديد الإسرائيلي فعل فعله على ما يبدو. السوريون من ناحيتهم وضعوا لإسرائيل خط تقدم إذا تجاوزته، فإن سوريا ستحرك جيشها. وبالفعل، تم إيقاف الكتيبة التي تحركت في القطاع الشرقي نحو القليعة قبالة الحدود السورية».
وأضاف فيشمان «كما هو معروف، لم يصل السوريون بعد إلى مفترق الطرق، ولم يتخذوا بعد قرارهم الاستراتيجي. ولكن في ظل مظاهر الإبداع عند المستوى السياسي الإسرائيلي، الذي يوفر في كل يوم ذرائع جديدة توضح سبب عدم حاجتنا الى التحدث مع السوريين، سيصلون الى ذلك سريعاً. في كل الأحوال، ما نشر في اسرائيل حول استعداد الجيش للمجابهة المقبلة في الصيف على الجبهة الشمالية، أُخذ على محمل الجد من قبل السوريين. هم يعتقدون أن الجيش الاسرائيلي قد حدد الصيف كنقطة عمل فقط. ويدركون أن اسرائيل ستكون مستعدة للهجوم في الصيف، ولذلك يخوضون سباق بناء دفاعي وهجومي هناك. السوريون يستعدون لامتصاص الضربات الاسرائيلية والرد عليها».
وحول استعدادات الجيش السوري للمواجهة، أشار فيشمان إلى أن «ما يظهر اليوم في هيكلية القوة السورية هو أن التشكيلة التقليدية للقتال في هضبة الجولان، أي معارك مدرعات تخوضها آلاف الدبابات، لم تعد قائمة؛ فالسوريون يقومون بتغييرات في قوات سلاح المشاة على حساب القوات المدرعة. وقد زادوا في ألوية سلاح المشاة السورية عدد وحدات الكوماندو المدربة على حرب العصابات. هناك عملية متسارعة وتجنيد للقوى البشرية ولوحدات جديدة مضادة للدبابات.
كما نقل السوريون عن حزب الله نموذج قوات الدفاع القروية، ومن الممكن ملاحظة وجودها على امتداد الخط في هضبة الجولان. تدريبات الجيش السوري في مجال وحدات الكوماندو والوحدات المضادة للدبابات ازدادت بصورة ملموسة، والمشتريات العسكرية في روسيا تتلاءم مع ذلك: صواريخ ماتيس وصواريخ كورنيت».
كما أشار فيشمان إلى أن “السوريين زادوا أيضاً من كمية صواريخ أرض ــ أرض، وهم ينتجون صواريخ سكاد منذ مطلع التسعينيات بمساعدة كورية وإيرانية. والتطلع السوري هو الارتقاء في صواريخ أرض ــ أرض التي تتحرك من خلال الوقود المحترق، الأمر الذي ينطوي على مغزى جوهري في العمليات».




قام مندوبون عن شارون، بتكليف منه، بعقد لقاءات مع مسؤولين سوريين في سويسرا، بدأت بناءً على اقتراح طرف ثالث قدّم خدماته لتسهيل إجرائها. وقد جُمعت الوثائق المتعلقة بهذه المحادثات، التي لم تنتهِ إلى نتيجة جرّاء معارضة شارون للمطالب السورية، في ملف سرّي، سُمِّي «الملف السويسري»