strong>علي حيدر
لا يزال الموقف من استئناف المفاوضات مع سوريا،
والرد على تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد، يحتلان مكانة متقدمة في اهتمامات المؤسسة السياسية والاستخبارية في إسرائيل، إلا أنه خلق تضارباً حاداً يسود أجهزة الاستخبارات تجاه هذه القضية


عارضت وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وفي وزارة الخارجية تقديرات رئيس «الموساد» مئير دغان بأن سوريا غير جادة في مواقفها من التسوية، بالتأكيد على أن الإشارات التي ترسلها دمشق بخصوص استئناف المفاوضات حقيقية، وبأنها تريد عقد تسوية سياسية مع إسرائيل، لكن بشروطها.
في المقابل، كرر رئيس الحكومة إيهود أولمرت موقفه الرافض إجراء مفاوضات مع سوريا، وهو ما أيّدته وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي رأت أنها «تضر بالعلاقات مع الدول العربية المعتدلة»، فيما كرر ايضاً وزير الدفاع عامير بيرتس موقفه الداعم لإجراء محادثات كهذه.
وقال رئيس وحدة الابحاث في «أمان»، العميد يوسي بيدتس، إن الرئيس السوري «جديّ في المواقف التي يطلقها بخصوص استئناف المفاوضات مع إسرائيل»، مستنداً إلى تقديره بأن «السوريين يعتقدون بأن الدخول في عملية سياسية سيُحسّن من وضعهم الإقليمي». لكنه أضاف ان دمشق تريد القيام بذلك «بشروطها»، التي من ضمنها «استعادة كل هضبة الجولان».
وفسّر بيدتس، في التقدير الذي قدمه أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، لجوء سوريا إلى التعبير عن نياتها من خلال البيانات والتصريحات والمقابلات الصحافية، بأنها «طريقة سوريا في توجيه الرسائل». أما سبب عدم إقدام سوريا على «مبادرات حسن نية»، فأعاده إلى أن دمشق «لا تلمس لدى الولايات المتحدة ولدى إسرائيل أيّ استعداد للسير نحوها».
وكان بيدتس قد صرح قبل أسبوعين بأن الأسد يعدّ جيشه لإمكان المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وأنه أمر بزيادة إنتاج الصواريخ البعيدة المدى، ونقل القذائف الصاروخية المضادة للدبابات إلى الجبهة مع إسرائيل في هضبة الجولان.
وتتطابق تقديرات بيدتس مع ما أعلنه رئيس مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، نمرود بركان، الذي رأى في الجلسة نفسها أن «سوريا على استعداد للتفاوض، وهناك مسؤولين في دول عربية يعتقدون بأن سوريا ستنضمّ إلى المعسكر الغربي برئاسة الولايات المتحدة».
لكن تقديرات بيدتس ونمرود تتعارض مع تلك التي قدّمها أخيراً رئيس «الموساد»، مئير دغان، أمام لجنة الخارجية والأمن، وقال فيها «إنه في كل مرة تُمارس فيها ضغوط على الأسد يسحب أرنباً من القبعة بشأن استعداده للدخول معنا في مفاوضات».
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر أمني رفيع المستوى قوله إنه «لا شك في أنه يوجد في سوريا تيار يريد التحدث معنا. والطريقة الوحيدة لمعرفة مدى جدية الأسد هو التحدث معهم»، لكنه أضاف ان «أولمرت ليس مرناً الآن في هذا الموضوع، وهو يمتنع لاعتبارات سياسية، أكثر منها تحفظات أميركية على استئناف المفاوضات مع دمشق».
بدوره، رد إيهود أولمرت، بشكل غير مباشر على تقديرات بيدتس ونمرود، خلال كلمة في اجتماع كتلة «كديما» في الكنيست، فجدد شروط الحوار مع سوريا، وهي أن «توقف دمشق دعمها لحماس وحزب الله»، وأن تقطع «علاقاتها مع إيران»، معتبراً أنه في الحالة هذه «لا شك لديّ، سيكون من الممكن بدء المفاوضات معها».
ودعا أولمرت الأسد إلى عدم الاكتفاء «بالتصريحات الرنانة التي لا تستند الى خطة سياسية حقيقية»، معتبراً أنه «ينبغي عليه أن يفعل شيئاً في اتجاه عملية دبلوماسية حقيقية نودّ جميعاً بالتأكيد أن نراها».
ووجّه أولمرت انتقادات إلى اليمين الإسرائيلي. وقال «إن كديما حزب يسعى إلى عملية سياسية، على عكس أصدقائنا في اليمين الذين يرون فقط دماً وناراً وأعمدة دخان، ولا يعرضون أي خيار سياسي»، مقرّاً في الوقت نفسه بأن «المسار السياسي طويل ومليء بالعثرات، وقد يكون خطيراً».
وعلَّق مصدر في مكتب أولمرت على تقديرات بيدتس بالقول: «نحن نعتقد بأن السوريين يريدون الحصول على هضبة الجولان»، لكنه رأى أن السؤال الأهم الذي لم تسأله «أمان» هو «هل المفاوضات مع سوريا تؤدي أيضاً إلى تحقيق أهدافنا، مثل طرد القيادات الإرهابية من دمشق وقطع علاقة سوريا بحزب الله وإيران».
وأشار المصدر أيضاً إلى أن «أمان» «لم تعلّق على ما قدّمه رئيس الموساد بأن مفاوضات إسرائيلية سورية ستمسّ بالعلاقات مع مصر وقطر والإمارات».
وفي السياق نفسه، قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، خلالها مثولها أمام لجنة الخارجية والأمن، إن «إجراء إسرائيل مفاوضات مع سوريا سيبعد الدول العربية المعتدلة عن إسرائيل»، مشيرة إلى أن الرئيس السوري «مستعد لإجراء مفاوضات مع إسرائيل، لكنه لا ينوي التوصل إلى سلام».
في المقابل، نقلت صحيفة «هآرتس» عن وزير الدفاع عامير بيرتس قوله إن فتح مفاوضات مع إسرائيل هو مصلحة للنظام السوري. وأضاف ان سوريا تواصل بناء قوتها استعداداً لمواجهة مع إسرائيل، رغم أنها غير معنية بمواجهة كهذه، وتزيد من تزوّدها بالأسلحة القادرة على ضرب العمق الإسرائيلي.
لكنه بيرتس رأى، في الوقت نفسه، أنه «لا توجد أية معطيات استخبارية تقول إن حرباً مع سوريا ستندلع في الصيف المقبل. وليس لدى إسرائيل مثل هذه الخطط، وأية تصريحات كهذه تثير الإرباك وهي غير مسؤولة».
وتجاهل بيرتس سؤالاً عن الفروق بين تقديرات «الموساد» و«أمان» بخصوص نيات سوريا السلمية. وقال: «ليس لدينا أي نية لمهاجمة سوريا، ونحن لسنا معنيين باشتعال الجبهة. ومع ذلك، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يكون جاهزاً لأي سيناريو، ولهذا كثفنا حجم التدريبات والعتاد».
وفي ظل هذا التعارض بين التقديرات الاستخبارية والسياسية، قال عضو لجنة الخارجية والأمن، رئيس «الموساد» السابق، داني ياتوم، «ينبغي أن يجمع أولمرت رؤساء الأجهزة الأمنية في غرفة واحدة والاستماع إلى تفسيرات كل واحد منهم، كيف يفسر كل واحد المعطيات نفسها بصورة متضاربة». لكنه عاد وحسم موقفه بالقول «لو كنت مكان أولمرت لقبلت موقف أمان».