مهدي السيد
سلّط موقف رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، العميد يوسي بيدتس، الضوء مجدداً على تباين التقديرات بين الأجهزة الأمنية والاستخبارية في إسرائيل، ومدى ارتكاز هذا التباين إلى دعائم مهنية وموضوعية في ظل شكوك وتقديرات بوجود اعتبارات شخصية وسياسية وايديولوجية خلفه.
وهو ما أشار اليه المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، عندما لفت إلى أن الخلاف بين الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية إزاء طبيعة النيات السورية، بعيد عن كونه سجالاً استخبارياً صافياً، وإنما يستند المسؤولون الأمنيون في تقديراتهم، وبقدر كبير، إلى مواقف مسبقة وإلى وجهات نظر، أكثر من استنادهم إلى المعلومات الاستخبارية. وما يزيد من معقولية هذا الطرح هو حقيقة أن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» يتبادلان غالبية المعلومات الجوهرية التي تُجمع حول الحلبة السورية، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول كيفية استخراج الموساد و«أمان» لخلاصات معاكسة ومتناقضة.
ويكاد الملعقون الإسرائيليون يتفقون على أن المواقف السلبية لرئيس الموساد الحالي، مئير داغان، من الموضوع السوري، تبلورت عندما كان قائداً لفرقة عسكرية في هضبة الجولان نهاية الثمانينيّات. وبحسب هؤلاء، فإن دغان يرى، منذ ذلك الوقت، في الاحتفاظ بهضبة الجولان ذخراً استراتيجياً لإسرائيل ينبغي عدم التنازل عنه. وتعزز هذه القناعة الشخصية لدى داغان شبكة العلاقات الحميمة التي تربطه برؤساء بلديات مستوطنات الجولان.
أما بالنسبة إلى «أمان»، فلا يستبعد مراقبون إسرائيليون أن تكون تقديراته بشأن سوريا تنطلق من اعتبار آخر له علاقة بالحرب الأخيرة على لبنان، التي «خرج منها الجيش متضرراً وأقل حماسة لجولة أُخرى من الحرب مقابل سوريا وحزب الله». ومع أن الجيش الإسرائيلي يُعد نفسه لاحتمال حرب جديدة في الصيف المقبل، إلا أن الكثيرين في قيادة هيئة الأركان يفضلون، بحسب هارئيل، التأكد من أنه لم يتم تفويت أي فرصة للسلام قبل التضحية بحياة المزيد من الجنود.
وعقّب الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أهارون زئيفي فركش، على الخلاف في المواقف بين الاستخبارات العسكرية والموساد قائلاً إنها نابعة عن التوجهات السياسية المسبقة وخصوصاً لدى رئيس الموساد. ورأى فركش أن قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية هو أكبر جسم يقوم بوضع تقديرات كما أن تقديراته تصدر بعد مداولات عديدة وبعد الاستماع إلى محاضرات لأكاديميين متخصصين، في حين أن هذا الأمر ليس متوافراً لدى الموساد مثلما هو متوافر لدى الاستخبارات العسكرية.
أما الرئيس السابق للموساد، عضو الكنيست العمالي، داني ياتوم، فعلّق على التباين في التقديرات بين الجهازين بسخرية قائلاً: «قد يكون علينا أن نضع رئيسي الموساد والمخابرات العسكرية في حجرة واحدة حتى يتفقا».
وتجدر الإشارة إلى أن التباين حول تفسير مواقف الرئيس السوري بشار الأسد ليست جديدة؛ فقبل عامين، اقترح فركش اختبار صدق كلام الأسد حول السلام مع إسرائيل، بينما لم يتفق رئيس قسم الأبحاث في أمان العميد، يوسي كوبرفسر، مع أقوال رئيسه، وقد فضل آنذاك رئيس الحكومة ارييل شارون الأخذ بموقف كوبرفسر، مبدياً عدم رضاه عن مواقف فركش، وخاصة عندما أصر الأخير على إبداء موقفه أمام الوزراء. وقد تكررت هذه الأمور قبل شهرين أمام رئيس الوزراء ايهود اولمرت عندما قال رئيس أمان الحالي، عاموس يدلين، إنه يؤيد فحص المفاوضات مع سوريا.
كما تجدر الإشارة إلى أن المسؤول الرسمي عما يُسمى «التقدير القومي الاستراتيجي» في إسرائيل، المعني برصد مؤشرات الحرب والسلام وتقديمها إلى الحكومة، هو شعبة الاستخبارات العسكرية.