محمد بدير
تتواصل الإشارات الإسرائيلية المعبّرة عن الخشية والقلق من احتمال اعتماد الإدارة الأميركية تغييراً دراماتيكياً لسياستها في العراق قد يأخذ شكل الانسحاب منه، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس بمفاعيل استراتيجية سلبية على وضع إسرائيل في المنطقة

أعرب موظفون كبار في الحكومة الإسرائيلية لصحيفة «هآرتس» أمس عن انزعاجهم من عدم اهتمام المستوى السياسي في اسرائيل بالتطورات في العراق، وانتقدوا «تجاهل القادة السياسيين والأمنيين الإسرائيليين التحضيرات المتزايدة في الولايات المتحدة لسحب قواتها» من هذا البلد، «رغم ما لذلك من تأثير استراتيجي كبير على اسرائيل».
ونقلت «هآرتس» عن أحد هؤلاء الموظفين الكبار، الذين يرجح أن يكونوا من العاملين في وزارة الخارجية، خشيته من تداعيات الانسحاب الاميركي وإمكان انكفاء الولايات المتحدة عن المنطقة. وقال «إني متخوف جداً مما سيحدث، ذلك أن الانسحاب الاميركي من العراق سيكون له تأثير خطر جداً علينا»، مشدداً على وجود «تطورين سلبيين من زاوية اسرائيل (في حال حصول ذلك): بروز كيان إرهابي مقرب من ايران، والارتداع الاميركي عن إرسال قوات إلى المنطقة، بمعنى أن الأميركيين سيعودون الى حالة العزلة الكبيرة كما حصل لهم بعد صدمة فيتنام».
وأشارت «هآرتس» إلى أن رئيس الحكومة الاسرائيلية «إيهود أولمرت لم يعمد الى عقد جلسة لبحث تداعيات الانسحاب الاميركي من العراق حتى الآن»، ونقلت عن مصادر في مكتب أولمرت قولها، تبريراً لهذا الأمر، إنه «وفقاً للمعلومات التي لدينا، فإن ذلك (انسحاب الأميركيين من العراق) لن يحصل قريباً». إلا أن مجلس الأمن القومي الاسرائيلي، بحسب الصحيفة، «باشر دراسة أبعاد إجلاء القوات الأميركية من العراق، لكنه لم يُقدم حتى الآن توصيات أو استنتاجات الى الحكومة» الاسرائيلية.
وأشارت «هآرتس» إلى أن المعلومات الواردة من واشنطن بخصوص الانسحاب من العراق «لم يعرها القادة الإسرائيليون أي اهتمام خاص، ويظهر من مواقفهم وتصريحاتهم العلنية أنهم يتجاهلون كلياً ما يحصل هناك». واستشهدت الصحيفة بالخطابات السياسية التي ألقاها كل من أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس في الأسبوعين الماضيين، والتي تطرقا فيها بشكل موسع إلى إيران وسوريا ولبنان والساحة الفلسطينية، لكنهما تجاهلا العراق «كأن ما يحدث هناك لا يخص اسرائيل».
وترتبط الخشية الإسرائيلية، بحسب الصحيفة، بالنتائج المتوقعة لانتخابات الكونغرس الاميركي الأسبوع المقبل، وانعكاساتها على جدول أولويات السياسة الخارجية الأميركية، الذي يتقدمه حالياً بند إعداد استراتيجية الانسحاب من العراق. يضاف إلى ذلك التوصية التي يُتوقع أن يخلص اليها الطاقم الاميركي المكلف دراسة الوضع في العراق برئاسة الوزير السابق للخارجية الأميركية جيمس بيكر، بانتهاج سياسة أميركية جديدة، سواء في العراق أو في الشرق الأوسط برمته.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن مصادر في رئاسة الحكومة الاسرائيلية قولها، في إطار التعليق على الزيارة التي يزمع أولمرت القيام بها الى واشنطن في 13 من الشهر الجاري، إن «الزعيمين لن يبحثا الشأن العراقي بل مشاكل أخرى في المنطقة، وعلى رأسها التهديد الايراني والأزمة داخل السلطة الفلسطينية».
وكان التركيز الإسرائيلي على الخطر الايراني قد عبر عن نفسه أمس خلال المحادثات التي أجراها أولمرت مع رئيس الاستخبارات الأميركية جون نيغربونتي الذي يزور المنطقة للمرة الأولى ويحل ضيفاً على رئيس الموساد الإسرائيلي مائير دغان، ذلك أن التقارير الإعلامية الاسرائيلية تفيد أن مباحثات الضيف الاميركي ستتركز على التهديد النووي الايراني.
يذكر أن الهواجس الإسرائيلية من إمكان حصول تغيير في السياسة الأميركية في المنطقة بدأت تتزايد مع تواتر التقارير الإعلامية والمعلومات الديبلوماسية بشأن مبادرة سياسية أميركية يجري الإعداد لها للخروج من حالة الاحتقان وانسداد الأفق التي تواجهها المنطقة. وتتضمن هذه المبادرة انسحاباً أميركياً تدريجياً من العراق، إضافة إلى استعداد للتفاوض مع كل من سوريا وإيران في ما يتعلق بقضايا المنطقة.